(خروج 30 :11-16)
كلما كان فهمنا ”للكفارة“ أو ”المصالحة“ (وهما نفس الشيء) أبسط، كلما كان هذا أدعى لسرورنا. فهي تعني تغيُّر حالنا بالنسبة لله. فبدلاً من حالة البعد عنه، صرنا قريبين – وبدلاً من موقف العداء منه، صرنا في سلام معه. هذا هو وضعنا. ومهما كان اختبارنا له، فوضعنا هو أن لنا سلامًا مع الله، عندما نقبل الفداء الذي تحقق بدم المسيح على الصليب.
ولكن هذه المصالحة، أي حالة السلام مع الله، أساسها هي الحقيقة أن الله وجد رضاه في ما قام المسيح به عنا على الصليب. فسلامي مع الله أساسه رضاه عن المسيح. فلو لم يرض الله عنه وعن عمله من أجلي، لما وجدت رضى عند الله. ولو لم تُوف مطالب الله العادلة والبارة التي كان يطلبها مني، لما كان هناك ضمان أن أتصالح مع الله، أو أن أكون في سلام معه. لقد كنت مدينًا لله، مدينًا بعقوبة الموت التي قررها الله بعدل على الخطية. وقد قام المسيح بدور الضامن لي. فتولى قضيتي كخاطئ. ولو لم يرض الله عن وفاء مسئولياتي أمامه، لكنت لا أزال بعيدًا عنه، ولكنت لا أزال مدينًا أمامه، ولكان الدين لا يزال عليَّ وضدي.
ولذلك أسأل، هل رضي الله بما فعله المسيح من أجلي؟ وأجيب، نعم بالتأكيد، وقد عَرَّفَني هذا بأعظم وأعجب وأمجد شهادات يُمكن أن تُقدم. فقد أعلن رضاه عن صليب المسيح، وعن تطهير المسيح للخطايا، على فم أصدق شهود سُمع صوتهم في محكمة للعدل والبر. وهو يؤكد لي أن كل مطاليبه مني كخاطئ قد مُحيت تمامًا وبعدل.
فحجاب الهيكل الذي انشق يعلن هذا. والقبر الفارغ يعلن هذا. وصعود المسيح يعلن هذا. ووجود الروح القدس هنا (وهو هبة، وثمرة لتمجيد ضامننا) يعلن هذا.
فهل قُدِّمت شهادة مثل هذه في عرض لقضية في أية محكمة؟ وهل هناك شهود أعظم كرامة من هؤلاء تقدموا للشهادة؛ مصداقيتهم لا تقبل التشكيك فيها؟ وهل هناك شهادة مقنعة أكثر من شهادتهم؟
لقد توازنت كفتا الميزان. السلام مع الله هو وضعنا الآن، وهو وضع أنجزه الله نفسه. لأننا نتخذ من صليب المسيح أساسًا لسلامنا. وقد أعلن الله نفسه أنه ارتضى تمامًا، وكل مطاليبه منا قد سُويت في وبواسطة ذلك الصليب. لقد وجد الله راحته في المسيح، وكذلك نحن.
قد يكون اختباري فاترًا وضعيفًا. وقد تعذبني الشكوك والمخاوف ومشاعر أخرى مفروض أن أخجل منها. ولكن وضعي مؤكد وقوي – مثل عرش الله نفسه. لقد قام مُطهِّر خطايانا من الموت الذي دفع به أجرة خطايانا، ورُفع إلى العرش كمن قد صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، وهو ثابت كما أن العرش الذي يجلس عليه ثابت. ومكانته لا تتزعزع، كما أن كلمة ودعوة وصوت الله الذي دعاه وأجلسه هناك لا تتزعزع أيضًا. والآية التي تقول «فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله» (رومية 5 :1) يجب أن تُقرأ على أنها بيان عن وضعنا، وليس عن اختبارنا. فبالإيمان بموت ”حمل الله“ وقيامته، تبررنا ونلنا القبول من الله، ونقف أمامه على أساس البر الإلهي أو ״بر الله״. هذا هو حالنا، ووضعنا أمام الله، وعلاقتنا به. قد لا يستطيع اختبارنا أن يوازيه – ولكن بالتأكيد يجب أن يكون اختبارنا مثل وضعنا.
ولكن لنعد إلى الأصحاح الثلاثين من سفر الخروج. ففريضة فضة الكفارة تعرفنا أن الله يقتني مختاريه لنفسه، فقط باعتبار أنهم من كُفِّر عنهم. ويقينا نحن نعرف أن ذلك كان ينبغي أن يكون كذلك. فلو لم يتم فداؤنا، لما أصبحنا له. ولو لم تكن لنا قيمة دم المسيح، لما عُدِّدنا له ميراثًا، ولما انتمينا له.
وقبل وضع هذه الفريضة، كانت هذه حقيقة مُعترف بها. فالبكر، سواء من الناس أو البهائم كانت قدسًا له، في أرض مصر، لأن البكر هو الذي تم فداؤه (خروج 12، 13).
من مزمور 147: 4 نفهم أن عملية الأحصاء مرتبطة بالامتلاك، فمن يقوم بَعدّ شيء، يدل على أنه يمتلكه.
وبعد هذا، في أيام العهد الجديد، نتعلم الشيء نفسه. وبالتأكيد، أستطيع أن أقول، إننا نعرف أن هذا صحيح، ونجده على فم شهود ثلاثة، في شهادة النصح، وفى شهادة فريضة فضة الكفارة، وفى كلمات العهد الجديد.
ولكن هذه الفريضة لا تعرفنا فقط، أننا صرنا ضمن شعب الله، لكوننا قد افتدينا، ولأننا تقدمنا أمامه بدم المسيح، وأتينا إلى محضره بفضة الكفارة – بل تعرفنا أيضًا أنه هو نفسه قد حدد كم هو مقدار «فضة الكفارة».
وهذا يملأنا بالتعزية عندما نفكر فيه. فنحن نتعلم طريق الاقتراب إلى الله منه هو نفسه. وليس لنا أن نناقشه بل أن نقبله بكل خصائصه. كان على كل إسرائيل أن يقدَّم نفسه لله بنصف شاقل من الفضة، الذي كان يُسمَّى ”فضة الكفارة“. وسواء كان الرجل غنيًا أو فقيرًا، لا فرق. ولم يترك لهم الله أن يقدروا هم قيمة الفدية عن أنفسهم، بل إن الله هو الذي حددها وقررها. وكان الكل يتقدمون معًا على أساس الفدية الواحدة عينها.
لم يترك لهم الله أن يقدروا هم قيمة الفدية عن أنفسهم، بل إن الله هو الذي حددها وقررها. وكان الكل يتقدمون معًا على أساس الفدية الواحدة عينها
وهكذا يمكننا أن نصل إلى هذه النتائج بكل وضوح وتحديد وبساطة. لقد كانت مسرة الله، وإعلانه الأكيد، أن الله قرب شعبه إليه واختارهم ليكونوا أمامه باعتبار أنهم شعب مفدي - وهو بنفسه الذي حدد ثمن ونوعية ومقدار الفدية، لكي لا يعترض واحد منهم أو يتساءل، كائنًا من كانوا، أغنياء أو فقراء – وأنه بهذه الطريقة لم يصالح كل شعبه ويقربهم إليه فقط، بل إنهم ارتبطوا معًا في نفس الخلاص الواحد، وانتعشوا بنفس الينبوع الواحد للفرح والانتصار.
وبناء على تعليم الكتاب يستطيع ضمير الخاطئ أن يبتهج بهذه الأفكار والضمانات، ففضة الكفارة؛ نصف الشاقل الحقيقي؛ الذي هو ״دم الحمل״ إنما هو الفدية الكاملة التامة التي تأسس عليها عهد السلام. وهي فدية عادلة. والله عادل (بار) عندما يبرر الخاطئ الذي يثق بها. ويقول الرب نفسه عنها «هي العهد الجديد بدمي» (لوقا 22 :20). وتُسمَّى ״دم العهد الأبدي״ وكرز بها لنا أنه بفضلها الله ”إله السلام“ «أقام من الأموات راعي الخراف العظيم، ربنا يسوع المسيح» مخلص الخطاة وراعيهم (عبرانيين 13 :20).
ويمكن أن أضيف إلى هذا، وإلى كل ما سبق أن قلته، أن كفاية نصف الشاقل المبارك هذا، دم الكفارة الثمين، يقف بحق كالنقيض لعدم كفاية جميع الذبائح الأخرى في الرسالة إلى العبرانيين 10 :1-18.
فعدم كفاية جميع التقدمات اللاوية، تُستنتج من شهادتها هي عن نفسها. فمن أفواههم يُدانون، وليس هناك إدانة أعظم من هذا. ولذلك، فحقيقة أن الذي كان يقدم هذه التقدمات، الكاهن على المذبح، كان يقف أمام الله، ويضطر أن يخرج من محضره الإلهي، لكي يُكرِّر نفس الذبيحة في الوقت المحدد – حقيقة أن هذا التكرار كل سنة، كان تذكرة بالخطية وليس محوًا لها. ومن اعتراف المسيح نفسه بعدم كفاية هذه الذبائح والتقدمات، عندما جاء، كما هو مكتوب في درج الكتاب، ليُقدّم نفسه فدية عن الخطاة ليتمم مشيئة الله – ثم أيضًا، في استحالة الأمر نفسه أن دم ثيران وتيوس يمكن أن يرفع الخطايا.
دم الحمل هو الطريق الوحيد والثمن الوحيد الذي يقابل الدين، والذي يرضي موازين القدس، والذي يعطي الخاطئ ما يجيب به أمام عرش البر
وعلى النقيض من هذا، نجد الشهادة عن كفاية دم المسيح راسخة وبارزة – وهي حقيقة أنه جلس في الأقداس السماوية بناء على إرضائه لله بالذبيحة التي قدمها، فرُحِّب به ودُعي ليأخذ مكانه إلى الأبد أمام الله كمطهر الخطايا – وحقيقة أيضًا، أنه مشغول الآن بأفكار وتوقعات ملكوته الآتي، ولم يعد في حاجة أن يفكر في الخطية والتكفير عنها، كما فعل، في درج الكتاب، أو في يوم تأسيس بنود العهد الأبدي – والحقيقة أيضًا أن الروح القدس، في العهد الجديد الذي ختم بدم المسيح، يتكلم عن محو الخطية، وليس عن تذكرة بالخطية كما كانت الذبائح التي كان يقدمها الكهنة اللاويون.
هذا كله مُشجع ومطمئن. ولكن يجب أن أضيف شيئًا آخر. فكفاية نصف الشاقل الحقيقي، فضة الكفارة الحقيقية، لا تقوم فقط ببساطة على حقيقة أنها معينة من الله، بل على أساس طبيعتها. لقد عيّنها الله بسبب طبيعتها، وبسبب كفايتها الفائقة. إنه ״نصف شاقل القدس״، وقد وُزن بموازين قدس الأقداس، ووُجد كامل القيمة أمام عرش الله. وعليه فإننا لا نقول إن ״دم الحمل״ هو الطريق المُعيَّن، كما لو كانت هناك طرق أخرى أمام الله ليختار منها. بل الصواب أن نقول إنه الطريق الوحيد؛ لأنه في تلك الذبيحة، وفيها فقط، الله بار، وهو يبرر الخطاة. فهي الثمن، الثمن الوحيد، الذي يقابل الدين، والذي يرضي موازين القدس، والذي يعطي الخاطئ ما يجيب به أمام عرش البر. يا له من سر العظيم! فهذه الذبيحة تحقق كل هذا. ولذلك يتوه الرسول إعجابًا، عندما يتطلع إلى هذا المنظر العظيم، وعندما يفكر في تلك الذبيحة التي ”بلا عيب“ وفى ”الروح الأزلي“ فيها. لذلك نراه ينظر باستخفاف إلى دم الثيران والتيوس ويقول «لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا». ولكن عندما ينظر إلى صليب المسيح بإعجاب وحب وإعزاز يقول، كشخص لا يستطيع أن يتمالك نفسه «فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يطهّر ضمائركم من أعمال ميتة، لتخدموا الله الحي» (عبرانيين 10 :4 ؛ 9 :14).