المسيح المقام من الأموات بين نخبة من محبيه
في الأصحاح العشرين من إنجيل يوحنا نجد الرب مقامًا من الأموات. إن أهمية هذه الحقيقة لا يمكن تجاوزها، فالقيامة هي العمود الفقري لبشارة الإنجيل، وهناك بعض التفاصيل المرتبطة بها، سأشير إليها بإيجاز. نحن نجد أنفسنا في ما يمكن أن أسميه دائرة النفوس المحبة، ففي هذا الأصحاح نحن بين قلوب تحب يسوع، إنه في وسط خاص منتقى من النخبة أو الصفوة، وهو مكون من جماعة من الناس الذين بالحقيقة يحبون يسوع. نحن إذًا في مثل هذا الجو المفعم بالمحبة، وأول الكل نتقابل مع المرأة المخلصة والمكرسة، مريم المجدلية، كانت بلا شك امرأة غنية، ومن المحتمل أنها كانت شريفة ذات اسم - مريم التي من مجدل - لكن رغم كل هذا كانت تحت سلطان الشيطان، إلى أن أخرج الرب منها سبعة شياطين، منذ ذلك الوقت تعلّق قلبها بعمق بالرب، ويخبرنا البشير لوقا أنها كانت تخدمه من مالها (لو8: 2و3). لكن الشخص الذي هو مخلصها وربها قد مات. لذلك انكسر قلبها، لقد انطفأ النور من حياتها، ولم يعد لها شيء تعيش لأجله الآن، لقد ذهبت إلى القبر باكرًا والظلام باق قبل أن تشرق الشمس، ثم تبعها آخرون فيما بعد، لكنها هي الأولى، والكل كانوا بعدها. لقد ذهبت إلى هناك بدافع من محبتها ووجدت أن الحجر مرفوع من القبر، وأن القبر فارغ. وإذ أصابها الخوف والارتعاد، ركضت تخبر بطرس ويوحنا بالأخبار المحزنة «أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه». وعندما رجعت إلى القبر وتكلمت مع الملائكة قالت: «إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه» (ع13). آه إنه أمر مبارك حينما يتكلم القلب بتلك الطريقة!
وقد ذهب بطرس ويوحنا، ووجدا أن كل كلمة قالتها مريم كانت صادقة، لقد أتيا إلى القبر، وإذ نظرا رأيا «الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا في موضع وحده». لم تكن هناك علامة على فوضى أو عجلة في غير محلها. ويخبرنا متى البشير عن زلزلة عظيمة حدثت عندما نزل الملاك ودحرج الحجر عن الباب. هل تظنون أن هذا العمل كان لإخراج المخلص من القبر؟ ليحفظنا الله من هذه الفكرة الخاطئة: أن الحجر يجب أن يدحرج لكي يخرج يسوع من القبر. لماذا إذًا دُحرج الحجر؟ لكي يجعلك أنت وأنا ننظر. لقد قام المسيح فى جلال هادئ قبلما دُحرج هذا الحجر بوقت طويل. كان عليهم أن يتطلعوا إلى قبر فارغ حيث كان الرب مضطجعًا. ويمكننا أن نرى أي ترتيب كامل كان هناك. كان الأمر كما لو كان هجوعًا لوقت قليل، إذ قام باكرًا في الصباح، وقد ترك كل شيء خلفه مرتبًا تمامًا وبإتقانٍ فى ذلك القبر الفارغ. «والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا فى موضع وحده». نعم إنه قام من الأموات مخلِّصًا منتصِرًا ظافرًا، وقد ترك وراءه البراهين الصادقة، ولكنها أيضًا البليغة، عن النصرة التي قد أحرزها على الخطية والشيطان والموت. لقد ترك تلك البراهين وراءه لإيمان وتعزية أولئك الذين اهتموا بأن ينظروا إلى قبره. وواضح جدًا أنه كانت هناك بعض القلوب التي اهتمت بهذا الأمر.
نعم إنه قام من الأموات مخلصًا منتصرًا ظافرًا، وقد ترك وراءه البراهين الصادقة، ولكنها أيضًا البليغة، عن النصرة التي قد أحرزها على الخطية والشيطان والموت
مريم واقفة عند القبر تبكي
وعندما رأى بطرس ويوحنا الأدلة على قيامته «رأوا وآمنوا»، فمضى التلميذان أيضًا إلى موضعهما (بيتهما)، كان لهما بيت. «أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي». لم يكن لها موضع في عالم قد طرد سيدها. كان هذا العالم فارغًا بالنسبة لها. لقد اتصف العالم بنفس ما كان عليه القبر الذي وضعوه فيه، حيث رأت سابقًا جسد سيدها المحبوب. لم يكن العالم مكانها، لأن سيدها لم يعد له مكان فيه. لقد رحل النور من حياتها، كانت مثكلة وبلا تعزية، وقد وقفت تبكي. كانت ملتصقة ومتعلقة بعمق بالمسيح. هل أنت كذلك؟ لقد رأى الله في تلك المرأة قلبًا يخفق بإخلاص وصدق شديدين لشخص ابنه. وهل تظنون أنه كان غير ملتفت إلى تلك الدموع التي سالت بغزارة منها؟ وهل كان يراقب هذا المشهد بدون اهتمام؟ أعتقد أنه لم يكن كذلك. إنني واثق أن الآب راقب هذا المشهد بأعمق اهتمام، والرب أيضًا كذلك. وماذا كانت النتيجة؟ ظهر معزون سماويون... لقد أرسلهم الله بكل تأكيد لأجل غرض رقيق ولطيف. ومريم من خلال دموعها «نظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعًا».
لقد كانت الملائكة خدامًا للمخلص المبارك كل الوقت وفي كل الطريق، وأي فرح شعروا به عند ذهابهم إلى البقعة التي قد اضطجع فيها، بعد أن أكمل الفداء ليس لأجلهم بالتأكيد، ولكن لأجل الإنسان، لكن لنلاحظ أنه بالرغم من اهتمامهم هذا لم يسمع منهم أي صوت حمد، ولا نغمات فرح، أو أناشيد الشكر وذلك لسبب بسيط... إنه لم يمت لأجل ملائكة، لقد مات لأجل الخطاة، لذلك فإن الملائكة لا تستطيع أن تقدر تمامًا لحظة مثل هذه، ولا أن ترفع أنشودة حمد مناسبة، لقد صمتوا لأنهم لا يستطيعون أن يغنوا أغنية مناسبة هي تعبير عن هزة الطرب المبهج لخاطئ محرر، ومخلَّص ومغسول بالدم، يسر أن يرفعها. وإني أعتقد أنهم لا بد قد اندهشوا لأنهم لم يسمعوا تلك الأغنية، أغنية الحمد حينئذٍ. لكنهم بلا شك قد سمعوها مرارًا بعد ذلك، ينشدها أولئك الذين تعلموا الحق الخاص بالفداء، لقد رأوا فقط امرأة باكية وإليها وجهوا حديثهم: «يا امرأة لماذا تبكين؟». وقد أجابت ببساطة: «إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه».
والآن لاحظوا ما تبع ذلك. من الواضح أن مريم قد أدارت ظهرها للملائكة لكن ذلك يرينا كم كان قلبها مستغرقًا. إنني أثق بأننا - أنت وأنا - إذا رأينا ملاكين سيظل النظر فيهما، لكن عينا مريم كانت عمياء بالنسبة لهذا. كان قلبها مستغرقًا فى المسيح وقليلة الاهتمام بهما. والحقيقة أن القلب الذى يفتش عن المسيح لا يمكن أن يشبع إلا بيسوع.
ثم التفتت إلى الوراء فنظرت شخصًا، وقد ظنت هذا الشخص هو البستاني، ولذلك لم تتحدث إليه. أما هو فقال لها: «يا امرأة لماذا تبكين؟» ثم يتقدم إلى ما هو أعمق «من تطلبين؟». يا لك من رب مبارك! تعرف تمامًا ما يريده القلب. «فظنت تلك أنه البستاني، فقالت له يا سيد، إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخده». تأملوا! إنها في نشاط وقوة محبتها تعرض وتطلب أن تفعل ما لا يسمح به ضعفها كامرأة، وأكثر من ذلك هي لا تذكر اسمًا «إن كنت أنت قد حملته»، والسبب بسيط جدًا لقد ظنت إن كل إنسان في العالم كانت تحركه نفس الرغبة التي فيها، ويفكر في نفس الغرض! لذلك لم تكن هناك حاجة لإعطائه اسمًا. قد يكون لك صديق في حالة خطيرة لذلك تذهب إلى بيته لتسأل عن حالته، وعندما يُفتح الباب أنت لا تذكر اسمه، بل تسأل عنه ببساطة ”كيف حاله؟“ هذا هو أسلوب المحبة.
الراعي يدعو مريم باسمها
وهذا ما حدث مع مريم، لقد ظنت أن كل إنسان كان حتمًا يفكر في الشخص الذي كانت مشغولة به. أ لم يكن هذا مُسرًا ومُرضيًا لقلب يسوع؟ إنني متأكد أنه كان كذلك، لأنه ليس بعيدًا أبدًا عن قلب محب ومتعلق هكذا بشخصه المبارك. لذلك في لحظة وبكلمة واحدة يظهر ذاته، وهو يقول بنغمة سمعتها مرارًا من قبل ”يا مريم“ ”فالتفتت تلك“. لقد تحولت عنه كما هو اضح في البداية، عندما ظنت أنه البستاني. نعم فلا تأثيرات ملائكية أو إنسانية تحرك عواطف قلبها. «فالتفتت تلك وقالت له، ربوني، الذي تفسيره يا معلم». لقد سمعت كواحدة من الخراف صوت الراعي، وقد عرفت الصوت. كان هناك نور في داخلها، فقد ولّى الظلام. وهي بلا شك كانت مزمعة أن تمسك به، كما فعلت النساء الجليليات في الأصحاح الثامن والعشرين من بشارة متى، عندما أوقفها الرب بقوله لها: «لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى اخوتي، وقولي لهم، إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يو20: 17).
(يُتبَع)