طُرُق الرب ليست كطُرُقِنا ولا أفكارُه كأفكارِنا ..
هذا حقٌ يعترف به كل المؤمنين، ولكن هل كلنا – كمؤمنين – نطبّقه فعلاً؟ وهل نعود إلى الرب في كل قراراتنا واختياراتنا؟ سؤال يحتاج إلى إجابة أمينة.
كم مرة فضّلنا الاستحسان البشري؟كم مرة استخدمنا ذكاءنا، ذوقنا، دبلوماسيتنا، بل وأيضًا صوالحنا لأخذ قراراتنا؟
قد يظن البعض أن هذه ليست خطية بالمعنى المفهوم، وإنما هو استخدام لما منحه الله لنا من عقل وتفّهُم وكياسة .. هل يُمكن أن يحدث هذا - أيضًا - في الأمور الروحية .. في الخدمة أو في العبادة أو في الأحكام الكنسية؟
للأسف ما أكثر حدوثه.
وفي كلتي الحالتين هو خطية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
عندما أمر الرب شاول أن يحرّم عماليق، ولا يعفو عن رجلٍ أو امرأة .. بقرًا وغنمًا، كان يقصد ما يقول. لكن شاول كان يفضّلُ رأيًا آخرَ يروق له وللشعب، ألا وهو أن يعفو عن خيار الغنم ليذبحها للرب - إذا خلصت نيته فعلاً - وأيضًا أن يعفو عن أجاج، وهكذا يعقد معه صُلحًا ويستجلب السلام لنفسه ولشعبه ... جمالٌ أدبيّ رائع، سياسة حكيمة، وتقوى تستحق المدح.
هذا هو فكر الانسان الطبيعي وفكر المؤمن الجسدي، وما أخطره فكرًا! هو في حقيقته خطية تمرد لا تقل في شرها عن العرافة، وخطية عناد لا تقل عن عبادة الوثن. اسمع ما يقوله الرب:
«لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ، رَفَضَكَ مِنَ الْمُلْكِ!» (1صم15: 23). يا له من قضاء شديد لم يتوقعه شاول، أمام خطية ظنها تافهة! نعم. لقد كانت العواقب أوخم مما يتوقع.
هل تريد أخي المؤمن أن تسمع قول الرب في مناسبة مماثلة؟
في 1ملوك20: 41 أرسل الرب إلى أخآب نبيًا يقول له «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ:
لأَنَّكَ أَفْلَتَّ مِنْ يَدِكَ رَجُلاً قَدْ حَرَّمْتُهُ، تَكُونُ نَفْسُكَ بَدَلَ نَفْسِهِ، وَشَعْبُكَ بَدَلَ شَعْبِهِ» ... قضاءٌ رهيب، ولكن ما هي القصة؟
هي قصة مشابهة للقصة السالفة.
كان بنهدد ملك آرام رجلاً متصلفًا متكبرًا احتقر الرب واحتقر شعبه. وحتى بعد الهزيمة الأولى التي عزاها هو وشعبه لكون إله إسرائيل إله جبال وليس إله أودية، أعاد حربه عليهم في السهل، مُحتقرًا الرب وكأنه واحد من أولئك الآلهة التي يعبدها الوثنيون، ولذلك فقد أعطى الرب أخآب والشعب انتصارًا ساحقًا. وقال الرب لأخآب «مِنْ أَجْلِ أَنَّ الأَرَامِيِّينَ قَالُوا إِنَّ الرَّبَّ إِلَهُ جِبَالٍ وَلَيْسَ إِلَهَ أَوْدِيَةٍ، أَدْفَعُ كُلَّ هَذَا الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ لِيَدِكَ،
فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ» (1مل20: 28).
ولكن ماذا كان موقف أخآب؟ لقد عفا عن بنهدد، وقال: عنه «هُوَ أَخِي» (1مل20: 32)، واستحياه وصنع معه معاهدة لتبادل المصالح.
مرة أخرى ... وماذا في ذلك؟ أخلاقيات مرتفعة، وذكاء دبلوماسي، ومصالح مشتركة ...
ولكن ماذا فعل الرب؟ لقد أرسل له نبيًا يطلب من صاحبه أن يضربه عن أمر الرب، ولكن ذلك الصاحب رفض قول الرب اعتقادًا منه أن أخلاقياته لا تسمح له بهذا حتى ولو كان ذلك هو قول الرب (مرة أخرى استحسان بشري)، ولذلك لما ذهب الرجل من عنده وقع عليه قضاء الرب فلقيَه أسد وقتله (قضاء شديد لأمر ظن الرجل أنه لا يستجلب الغضب). ولكنه صادف رجلاً آخر خضع لقول الرب ولم يناقشه فيه، بل ضرب النبي وجرحه. ذهب النبي الجريح إلى أخآب وهو متنكر بعصابة على عينيه، وقال له: «خَرَجَ عَبْدُكَ إِلَى وَسَطِ الْقِتَالِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ مَالَ وَأَتَى إِلَيَّ بِرَجُلٍ، وَقَالَ: احْفَظْ هَذَا الرَّجُلَ. وَإِنْ فُقِدَ تَكُونُ نَفْسُكَ بَدَلَ نَفْسِهِ، أَوْ تَدْفَعُ وَزْنَةً مِنَ الْفِضَّةِ. وَفِيمَا عَبْدُكَ مُشْتَغِلٌ هُنَا وَهُنَاكَ إِذَا هُوَ مَفْقُودٌ» (1مل20: 39، 40).
وتنتهي القصة بهذه النهاية الأليمة «هَكَذَا حُكْمُكَ. أَنْتَ قَضَيْتَ ... تَكُونُ نَفْسُكَ بَدَلَ نَفْسِهِ، وَشَعْبُكَ بَدَلَ شَعْبِهِ» (1مل20: 40-42). حقًا لقد كانت العواقب أوخم مما يتوقع.
ليتنا ... ليتنا نتحذر. ليتنا نستبعد الاستحسان البشري مهما كان جذابًا؛
جذابًا في الخدمة حتى لو بدت مثمرة،
جذابًا في العبادة حتى لو بدت مُبهرة،
جذابًا في السلوك حتى لو صفّق الناس لنا.
إن عبادتنا ليست هي
أصواتًا عالية وأنغامًا شجية،
ولا خدمتنا
حماسة جسدية من قوة بشرية،
وسلوكنا هو
طبقًا لكلمة الله النقية.
إن التساهل يبدو أمرًا تافهًا خاصة إذا كان جذابًا. لكن لنتحذر فالعواقب أوخم مما نتوقع.ف. ف