إنه لأمر غاية في الأهمية أن نراعي جيدًا أن نكون في وضع عدم فساد أدبي، لأنه حال تواجدت هذه السمات على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، فستكون هناك شهادة لائقة لإرضاء الله ومسرته، ولبركة جميع المعنيين. وعلى النقيض من ذلك، ففي اللحظة التي نسمح فيها للفساد، من أي نوع، أن ينخر في حياتنا، أو في شركتنا كجماعات مؤمنين، فستضيع أمور الله بسبب هذا.
دعني أذكرك بحادثة في الكتاب المقدس تثبت ذلك. عندما صعد موسى قمة جبل سيناء كي يتلقى الناموس من يد الله، كان الشعب في الأسفل يطلب من هارون أن يَصنَع لهم عجلاً ذهبيًا، وسجد الشعب له وعبدوه، «فقالَ الرَّبُّ لموسَى: اذهَبِ انزِلْ. لأنَّهُ قد فسدَ شَعبُكَ الّذي أصعَدتَهُ مِنْ أرضِ مِصرَ» (خر ٣٢: ٧). يا لها من لحظة مؤسفة في تاريخ إسرائيل! لقد أُستبعد الرب من حياتهم ومن عواطفهم، وصارت الدينونة تقبع في وسطهم بدلاً من البركة.
لقد وضعتُ فقط هذين الشاهدين التاليين للقراءة: ١بطرس ٣: ١-٧؛ ٢بطرس ١: ١٩-٢١ وذلك لإلقاء الضوء على أمرين وهما، النساء القديسات والرجال القديسون؛ أي أن هذا يضع كل واحد منا أمام مسؤولية. ولكن قبل أن نتحدث عن هذا، أريد أن أتحدث قليلاً عن الرب يسوع المسيح.
قداسة الرب يسوع المسيح
في خيمة الاجتماع، كان تابوت العهد مصنوعًا من خشب السنط ومُغشى بالذهب النقي، إشارة إلى إنسانية الرب يسوع المسيح ولاهوته على التوالي؛ طبيعتين في شخص واحد مجيد. خشب السنط وهو نوع جميل يشير إلى طبيعة الرب الإنسانية غير القابلة للفساد. فالأمر بالنسبة للرب ليس فقط أنه لم يخطئ، لكنه لم يستطع أن يخطئ. قَدْ يَقُولُ قائل: إِنْ لَمْ يكن في استطاعته أَنْ يُخطِئَ أَيَّا كانَت مَغْرِيات التجربة، فليس ثمة تجربة حقيقية في ذلك، ولكن كان هناك بالفعل تجربة. الإنسان الأول كان في حالة البراءة، كان في ظروف مثالية، وما أن جُرِّب سقط. الإنسان الثاني، من السماء، لم يكن في حالة البراءة، بل كان لديه معرفة كاملة بالخير والشر، وكان في البرية، المكان الذي جُرِّب فيه إسرائيل وفشل، لكن الإنسان الثاني تحت كل تجربة استطاع أن ينتصر انتصارًا مجيدًا. خشب السنط خشب غير قابل للتلف؛ لا يمكن أن ينخر أي سوس بخشب السنط، فقد كان منيعًا أمام هجمات الحشرات، وبهذا المعنى كان رمزًا جميلاً لحياة ربنا يسوع المسيح الخالية من العيوب.
عندما ولد قيل عنه «القُدّوسُ المَوْلودُ مِنكِ» (لو ١: ٣٥). لم يقل ”البريء“ بل «القُدّوسُ». كان قدوسًا في جوهره. فلم يكن فيه عيب ولا دنس مرتبط به، بأي شكل من الأشكال. فطوال حياته أُشيَر إليه على أنه «قُدُّوس الله» (لو ٤: ٣٤؛ أع ٢: ٢٧؛ ٣: ١٤؛ ٤: ٢٧)، وكان قدوسًا عندما مات على الصليب تمامًا مثلما كان عند دخوله إلى هذا العالم مولودًا. كان المسيح الذي بلا خطية؛ فكان دمه القاني هو الذي طهرنا من كل ذنوبنا وخطايانا.
نرى في ألواح المسكن أنها مصنوعة من نفس نوع المواد المصنوع منها التابوت؛ أي خشب السنط المغطى بالذهب. هذا لتذكيرنا بمكانتنا أمام الله، وبنفس الطبيعة التي نشاركها مع الرب، ما يمنحنا القدرة أن نُمثل الله لأجل مسرته. لذلك نبدأ الحديث عن هذا الموضوع العظيم عن نساء الله القديسات (١بط ٣)، وعن رجال الله القديسين (٢بط ١)، من هذا المنطلق، أن لدينا نفس القدرة التي يتمتع بها المسيح - أقول هذا بكل احترام وإجلال - كي نحيا هنا حياة ترضي الله. الرب بالطبع حوى كل أوصاف الكمال، أما نحن فتشوبنا حالة النقص الشديد. ومع ذلك، يمكن التعبير عن نفس النوع من السمات فينا كما سبقت وتجلت في حياة ربنا يسوع المسيح. كما نلاحظ أيضًا أن جميع أقانيم اللاهوت يميزها هذه السمة العظيمة ألا وهي القداسة.
يُشار إلى الآب بـ”الآب القدوس“ (يو ١٧: ١١). وعادة ما يشار إلى الروح القدس على نفس هذا النحو حوالي ٩٣ مرة لأنه اسمه المُميَز، ويشار إلى الرب يسوع كما ذكرنا بقدوس الله. لذلك نحن نتواجد في ملكوت القداسة، وهذا ما يمثل سرور الله الآب والله الابن والله الروح القدس. من المستحيل التفكير في أي خطية مرتبطة بهم، فهم يرفضون الخطية، فهي ليس لها مدخل إلى طرقهم، والخطية بعيدة تمام البعد عن الآب والابن والروح القدس. لكن بعد ذلك نسأل أنفسنا، هل يمكننا هذا؟ هل يمكن أن يقال عنا إننا نسير في هذا العالم سيرًا مقدسًا على نحو يتوافق مع سرور الله ورضاه، وأن هذه الحياة المقدسة فينا تُبطِل تلك المؤثرات الشريرة التي تؤثر - للأسف - على الشهادة؟ هذا ما نرغب في الحديث عنه.
نساء الله القديسات (١بط ٣: ١-٧)
يثني بطرس على القديسات ثناءً جيدًا جدًا، ثناءً تشتهيه كل أخت. فالرّوحِ الوَديعِ الهادِئ هو أثمن ما عند الله، وأثمن من كل الزينة الخارجية، مهما كانت جميلة أو قَيِّمة. قال الله لصموئيل «لأنَّ الإنسانَ يَنظُرُ إلَى العَينَينِ، وأمّا الرَّبُّ فإنَّهُ يَنظُرُ إلَى القَلبِ» (١ صم ١٦: ٧). ما يريده الله من كل أخت مباركة هو حياة مُكرسة لإرادة الله، حياة ليس الغرض منها المظهر الخارجي بل حياة من الواقع الداخلي، حياة تُسرُ عين الرب. وما يمكن أن تميزه عين الرب لا يمكن لأي عين أخرى أن تميزه؛ إنه ينظر إلى القلب والضمير والعقل، وما تستحسنه عينه هو الروح الوديع الهادئ. لقد وضعت هؤلاء القديسات رجاءهن في الله.
سأشير إلى بعض النساء في الكتاب المقدس اللائي أظهرن هذه السمة. ورغم إننا نتحدث عن النساء تحديدًا، فإن هذا لا يعني أن الرجال مُعْفون من هذا التحريض على الإطلاق، لأنه يقول بشأن النساء «بَلْ إِنْسَانَ ٱلْقَلْبِ ٱلْخَفِيَّ» (الآية ٤). لذا فهذا تكليف لنا جميعًا.
(١) القابلات العبرانيات في مصر (خروج ١: ١٥-١٧)
أول النساء اللواتي أريد التحدث عنهن هن القابلات في سفر الخروج الأصحاح الأول. أصدر فرعون قوانين تقضي بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل، وقد تطلب الأمر قدرًا كبيرًا من الشجاعة لمخالفة سلطة الملك؛ فقتل جميع الأطفال الذكور سيقضي حتمًا على الأمة، لكن هاتان القابلتان «خَافَتَا اللهَ» (ع ١٧). لقد قبلن سلطان الله فوق سلطة الملك، وظل هذا كذلك دائمًا في تاريخ الشهادة، سواء في العهد القديم أو الجديد، أننا نخضع للسلطة، طالما كانت شرعية وصحيحة وأخلاقية، إلا أن هناك سلطان أعلى ننحني له، ألا وهو سلطان الله.
هاتان المرأتان خافتا الله وحميتا الأولاد الذكور من القتل. عندما صارت الأمة قوية، كان ذلك جزئيًا بسبب جهودهن، والقوة التي أعطاها الله في حمايتهن. أيها الأخوات الفضليات، يا له من تشجيع للصلاة من أجل الأطفال الذين يكبرون بيننا، كذلك الصلاة من أجل حمايتهم، وتعليمهم، وتقديم مثال لهم، ومساعدتهم في أمور الله، لأن هذا ما أعتقد أنه يخصنا. لقد كانتا محميات من غضب الملك، ومحميات من القانون الوحشي، كما كانتا محميات من أجل الله لتمثيله.
نشكر الله على البيوت المسيحية التي فيها تبقى أمور الله في الاعتبارات الأولى، حيث يتم تعليم الأطفال وتنشئتهم في جو يتعلمون فيه خوف الله، والوقوف على الأمور الجديرة فعلاً بالاهتمام. شكرًا للرب أن هناك الكثير من هذه المنازل. لذلك نحن نبحث عن قابلات، قابلات مِمَن يمتلكن هذه الشجاعة، ولا يخشين غضب الملك، لكنهن على استعداد لحماية الأطفال ومساعدتهم، ويكن سبب بركة لهم.
(٢) أم مُوسّى (خر ٢: ٢-٤؛ عب ١١: ٢٣)
صنعت أم مُوسَى سَلاً صغيرًا، ووضعت فيه موسى بين ٱلْحَلْفَاءِ، وليس في وسط نهر النيل (الذي كان إلهًا يُعبد حينئذ في مصر). لم تضعه في وسطه - الذي لو حدث - كان سيُعتبر عندئذ عبادة أوثان، ولكن وضعته فقط على أهداب الضفة بحيث يمكن حمايته من تيار النهر، وظل هناك حتى أتت اللحظة التي أصبح في مأمن، وكبر ليصبح رجل الله. ما هي الإمكانيات الموجودة في كل فتى أو بنت، إذا تعلموا تعلُّمًا صحيحًا، وإذا تم توجيههم توجيهًا صحيحًا، وإذا تم التعامل معهم على نحوٍ صحيح، ليكونوا رجال ونساء الله، وأن يكونوا شهادة للرب إذا تأنى الرب في مجيئه حتى يكبرون؟
(يتبع)