(اقرأ من فضلك لوقا7: 36-48)
قبل أنْ يبدأ الرب يسوع المسيح خدمته الجهارية، دعا يوحنا المعمدان الشعب إلى التوبة. لقد أشار إلى الفادي الموعود به في العهد القديم، والذي يأتي لكي يُخلِّص شعبه مِن خطاياهم. وقد أطاع كثيرون مِن اليهود دعوته، واعتمدوا، مُقرِّين بذلك أنهم يرغبون في التوبة عن خطاياهم، لكي يدخلوا ملكوت المسيّا الآتي.
أما الفريسيون والقادة الدينيون للشعب فقد »رَفَضوا مَشورَة اللهِ« (لو7: 30). لكن، هنا نرى ”سمعان الفريسي“ يدعو الرب يسوع إلى الأكل في بيته. هل كان هو استثناءً مِن ذلك؟ هل أظهر بعض المحبة لابن الله؟ هذا سيتبرهن مِن سلوكه، كمضيف مِن نحو الرب.
كان سلوكه ينقصه الكرم والإخلاص, بوجهٍ خاص. إنه لم يكن يؤمن أن يسوع هو المسيّا ابن الله. لماذا إذًا دعا سمعان الرب يسوع؟ لا شك أنَّ المعجزات التي أجراها المُخلِّص، وكلماته - كلمات النعمة، كانت معروفة للقريب والبعيد. هل كان سمعان مجرد شخص فضولي؟ أم هل أراد أن يُرِيَّ الآخرين مقدار كرمه؟ سواءٌ هذا أم ذاك، فإن هذه البواعث لم تكن كافية لتعطي معرفة شخصية بالرب يسوع كالمُخلِّص.
ومهما كانت دوافع سمعان لاستضافة الرب يسوع، فإن المُخلِّص قَبِل الدعوة. كانت له رسالة لسمعان، لكن ما هو أكثر أهمية، كان في ذهنه مقابلة خاصة، ستحدث هناك.
وفجأةً، إذا بامرأة, لم تكن مِن الضيوف المدعوين، وقفت في الحجرة. لا شك أنها لم تكن تشاء أبدًا أنْ تأتي إلى ذلك المنزل. إنَّ كبرياء الفريسي، والمعرفة الشائعة عن حياتها المُخجلة، كانا مِن الطبيعي أنْ يجعلاها تمتنع عن الدخول إلى هناك؛ فهي رديئة السمعة - كخاطئة - في كل مكان في المدينة. إن حضور الرب يسوع، هو الذي جذبها لكي تتخذ تلك الخطوة الجريئة والغريبة والرائعة أيضًا. ماذا كان دافعها؟ لا يمكن أن يكون مجرد الفضول نحو يسوع.
في الأعداد التي تسبق هذه الواقعة, في لوقا 7، نقرأ كيف تكلم الرب يسوع عن موقف القادة الدينيين مِن نحوه »جاءَ ابنُ الإنسانِ يأكُلُ ويَشرَبُ، فتقولونَ: هوذا إنسانٌ أكولٌ وشِرِّيبُ خمرٍ، مُحِبٌّ للعَشّارينَ والخُطاةِ« (ع34). لقد احتقر الفريسيون الرب بسبب اللطف الذي أظهره نحو الخطاة. لكن هذه المرأة كانت قد انجذبت بهذا اللطف. لقد كانت خاطئة، وقد عرفت هذا، وقد أزعجها هذا الشعور، وسبّب لها القلق والضيق. وذلك لازمٌ للوصول إلى معرفة الرب يسوع كالمُخلِّص. إن كل من يأتي إليه بهذا الدافع، يستطيع أن يأخذ قول الرب، إلى قلبه: »مَنْ يُقبِلْ إليَّ، لا أُخرِجهُ خارِجًا« (يو6: 37).
وبحسب العادة المُتبعة، في ذلك الوقت، أخذ ضيوف سمعان أماكنهم حول المائدة، مُتكئين على الوسائد، على الأرض. وإذ بالمرأة الخاطئة، وقفت مِن وراء الرب يسوع، عند قدميه، ومعها قارورة مِن الطِيب. لم تجد الجرأة أن تذهب أبعد من ذلك. إنها لم تعتذر عن حضورها، وقد ظلت صامتة غير قادرة على الكلام. وقد سَبَّبَ الحِمل الذي ضغط بثقل على قلبها، فيضًا من الدموع الغزيرة. ماذا كانت تعني هذه الدموع؟ لقد أظهرت أنها معترفة بذنبها، ونادمة بسببه. وقد قبلت حكم الله العادل على خطاياها، وعلى نفسها كامرأة خاطئة، وأظهرت هذه الدموع أيضًا أنها وثقت في المخلص.
إلى أي مدى وصل الإيمان في قلبها في تلك اللحظة؟ لا نستطيع أن ندرك. لكنه، كيفما كان، فهو حقيقي. وقد منحها الله هذا الإيمان (قارن يوحنا 6: 45-47؛ 6: 65). إنها لن تنصرف بعيدًا خائبة الرجاء.
وقد غسلت دموعها قدمي المُخلِّص. والرب قدَّر معنى تلك الدموع، ولذلك لم تصدر منه كلمة لوم أو تعنيف. لقد عرف انكسار قلبها الذي عَبَّرت عنه بدموعها. وقد أعطاها هذا الشجاعة لكي تمسح قدميه بشعرها. وأخيرًا، بقلبٍ تمتع بالراحة، قدمت سجودها للرب. لقد دهنت المرأة قدميه بالطِيب الذي أحضرته معها.
لقد شاهد سمعان واقعة جديرة بالاعتبار. لكن الأفكار التي خطرت بباله عنها كانت أفكارًا فريسية.
لقد آمن بوجود الله، وبأن الله يستخدم أنبياءه في توصيل رسالته إلى الناس، وهو أيضًا قَبِلَ حقيقة ارتكاب الخطايا، وإن مَن يفعلون تلك الخطايا هم خطاة، لكن كل هذا لم يؤثر فيه إطلاقًا. كان ينقصه الإدراك الواعي بخطاياه الشخصية، وحالته الخاطئة أمام الله. لذلك كان مِن السهل عليه، أن يظن أن الله لا يستطيع أن يفعل شيئًا للخطاة، وأن النبي يجب أن يحتفظ بنفسه بعيدًا عن الخطاة. ولأن الفريسي تنقصه المقدرة على إدانة نفسه كما يجب، ولم يعرف ثقل الخطية، لذلك فهو يتصور أن الله صارم وقاس. وهكذا كان تقييمه للمُخلِّص غير صحيح.
إن كل الأديان التي تأسست بواسطة الإنسان, تكشف عن نفس هذه الصفات المميزة. إنهم يعترفون بتصنيف الخطاة بحسب نوعية خطاياهم. لكنهم أيضًا يعتقدون، أنه يوجد أناسٌ صالحون، لا يحتاجون إلى النعمة، ولا إلى الخلاص.
وقد مَيَّزَ الرب يسوع تمامًا ما شعرت به المرأة الخاطئة في قلبها حينما بكت. كما أن أفكار الفريسي لم تغب عنه، فهو كان على وشك أن يتكلم إلى ضمير سمعان.
عند هذه النقطة تحدث الرب يسوع بمَثْل المُداين، الذي سامح المديونين بدينهما. كان واحدٌ مِنهما مديونًا بعشرة أمثال الآخر. وقد سأل يسوع سمعان: »أيُّهُما يكونُ أكثرَ حُبًّا لهُ؟«، فأجاب الفريسي: »أظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثَرِ«. وقد أَيّد الرب يسوع إجابته، واستخدم الَمثْل كمثال شخصي لسمعان، مبرهنًا أنه عرف أفكار سمعان، أكثر مما كان يتصور. فقد بيَّن أن الفريسي، ذا البر الذاتي، لم يقدم له لا ماءً، لكي يغسل رجليه، ولا رحَّبَ به بقبلةٍ، ولا دهن رأسه بزيتٍ. لكن المرأة التي احتقرها، قد فعلت كل هذه الأشياء، بطريقتها الخاصة، وذلك بتقبيل رجليه وغسلها بدموعها، وأخيرًا دهنتهما بالطِيب!
لقد قدَّر المُخلِّص المحبة التي ظهرت في سلوك المرأة. وحتى تلك اللحظة، ربما كان للمرأة شعورٌ ضعيفٌ بسلطان الرب، في مغفرة الخطايا. لكن نعمة الرب يسوع ولطفه، قد جذباها، موقظان محبتها. لقد كان لديها حب لم يجده الرب في سمعان. فمِن الواضح أن سمعان لم يسمح لمَثَل الدَين والمسامحة به أن يهدم الدرع الذي كان يمنع النعمة من اختراق قلبه والدخول فيه. لقد كان بره الذاتي، فوق كل شعور بالاحتياج إلى النعمة.
ما هو رد فعلك، عزيزي القارئ، حينما يُحضر الرب أفكار قلبك إلى النور بواسطة كلمته؟ هل تعترف باحتياجك إلى الفداء وتعترف بهذا أمام الله؟ إن الخطوة التالية لذلك هي أن تنجذب إلى المُخلِّص، بنعمته التي اجتذبت تلك المرأة الخاطئة.
كانت محبة المرأة للرب برهانًا على غفران خطاياها الكثيرة. أما سمعان فلم يكن في قلبه شعورٌ بالخطية، أو اعتراف بأنه خاطئ، ولم يكن لديه اشتياق إلى النعمة والغفران؛ لذلك لم يُظهر أية محبة نحو الرب. وقد بيّن الرب هذا له بكلماتٍ رقيقة ولطيفة للغاية. وقد كانت هذه الكلمات آخر محاولة للتأثير على نفس الفريسي لكي يقبل الإحسان المُقَدّم له. وقد تركه الرب، لكي يصل إلى استنتاجاته الشخصية.
وأخيرًا تحول الرب لكي يخاطب المرأة الخاطئة. لقد أكد لها علنًا، في محضر سمعان والضيوف الآخرين المرتابين، غفران خطاياها. كانت المدينة كلها عارفة بإثم تلك المرأة. لكنه قد مُحِيَّ تمامًا الآن. ذلك هو الغفران! أما بقية الضيوف فقد تساءلوا بريبةٍ: »مَنْ هذا الذي يَغفِرُ خطايا أيضًا؟« (ع49). لقد عرفوا أن الله وحده يستطيع أن يغفر الخطايا، ولكنهم لم يعرفوا أن يسوع هو ابن الله، وأن له السلطان أن يغفر الخطايا (قارن لوقا5: 20-26؛ يوحنا5: 19-30؛ 17: 2).
حينئذٍ قال الرب يسوع للمرأة: »إيمانُكِ قد خَلَّصَكِ, اِذهَبي بسَلامٍ« (ع50). لقد جاءت إلى الرب يسوع بالإيمان، والآن تعلمتْ أن الإيمان قد خلصها. وقد أعطاها ذلك اليقين بخلاصها. إنَّ سؤال الضيوف »مَن هذا...؟«، لم يعد محتاجًا إلى إجابة بالنسبة لها. كان هو »مخلص هو المسيح الرب« (لو2: 11).
صديقي القارئ، تستطيع أن تتمتع بكل ما تمتَّعت به هذه المرأة الخاطئة, إذا أتيت مُعتَرفًا بخطاياك، ونادمًا وتائبًا عنها، إلى المُخلِّص الوحيد، الرب يسوع. إنه سيقبلك، ويعطيك السلام والراحة والفرح.
عن الإنجليزيه