«بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ صَبِرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ» (عب10: 32)
هل تتعجب – صديقي – أنك بعد أن استُنرت، وربما تعزيَّتَ وتشجعتَ، واجهت آلامٍ كثيرة؟
نحن لا نعرف لزوم الألم – هذا صحيح - ولكننا نعلَّم جيدًا أن كثيرين قد اختبروا نفس هذا الاختبار؛ عزاء وتشجيع ثم آلام.
هذه الآية التي في أعلى المقال، قد اخترقت نفسي بقوة هذا الصباح، ولكني تذكَّرت 1تسالونيكي3: 3 «كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهَذَا».
إننا كثيرًا ما نتعجب من هذا الاختيار الذي يسبب لنا ألمًا أو حزنًا، وننسى «أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهَذَا».
دعونا نتمسك بهاتين الكلمتين «مَوْضُوعُونَ لِهَذَا» حتى لا يخطر على بالنا أن طريق الإيمان مفروش بالورود.
لكن في هذا كله لا ننسى أبدًا أن هذه الضيقات والآلام والتجارب لا تُقاس بالمجد المُنتظر «فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» (رو8: 18).
في الكرملين – قلعة موسكو العظيمة – كانت توجد كنيسة صغيرة بها صورة للمُطوَّبة مريم، مكتوب أعلاها هذا التعليق: “السيدة ذات الفرح غير المُتوَّقع”. وإنني لأتأمل الفرح الغير مُتوَّقع للمطوبة مريم! لقد جاز في نفسها سيف، ومع أنها عرفت ذلك من البداية إلا أنها كانت مغمُورة بالفرح الذي لم يكن مُتوَّقعًا، فقبل الألم وأثناءه وبعده، لازمها هذا الشعور بالفخر أنها “ذات الفرح غير المُتوَّقع”.
وخلال صفحات العهد الجديد، بل والقديم أيضًا، نجد ملازمة الفرح والألم؛ أو ملازمة سيف الحزن للفرح غير المُتوَّقع.
في إنجيل مرقس الأصحاح العاشر والعدد الثلاثين يضع الرب المكافأة هنا فِي هذا الزَّمَانِ «مِئَةَ ضِعْفٍ» يأخذها ثم يأخذ “اضْطِهَادَات”. وهنا يُبرز الرب المكافأة أولاً للتشجيع. ولكن في كل الأحوال، مهما يكن أيهما أسبق، نجد أنها دائمًا متلازمان “لا ... فقط، بل أيضًا” كما في فيلبي1: 29 «لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ». وهذا ما نتتبعه خلال صفحات الإنجيل. تذكَّر أن الوردة لا تقوم إلا على ساق شوكية.
هذه كلمتي لك اليوم. هل يوجد اليوم قلبٌ يجوز فيه سيف؟ إذًا فانتظر الفرج غير المُتوَّقع، إنه سيأتي عاجلاً أو آجلاً. لا بد أن يتفتح البرعم يومًا، وتظهر الوردة بجمال أوراقها. «إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا، لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَانًا وَلاَ تَتَأَخَّرُ» (حب2: 3).
وكم هو مُسرٌ ومفرح أن كلمة الله تأتي إليَّ وتخترق قلبي حيث أنا وإلى حيث ما وصلتُ إليه. هذا ما نختبره مرارًا وتكرارًا من كلمة الله. إن كلمة الله تُخبرنا أن الألم الذي نختبره يشعر الرب به تمامًا لأنه أخذ جسدًا مثلنا «وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يو1: 14)، ولذلك فإنه «فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب2: 18).
شكرًا لله أن الكلمة تصل إليَّ حيث أنا لتفُك قيود الألم والحزن. كم كنت أسعدُ جدًا بالقول «لَكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لاَ تُقَيَّدُ» (2تي2: 9)، بل إنني اليوم أكثر سعادة به. إنني وإن كنت مقيدة في فراشي، لكن ماذا تهم القيود إذا كانت كلمة الله لا تُقيَّد؟
في بداية خدمتي في الهند كثيرًا ما كانت الأبواب توصد في وجهي عندما يعلن أحد الهنود عن قبوله للرب على الملأ، ولكنني لم أفقد ثقتي، فقد كنت أعلم أن كلمة الله لا تُقيَّد، وحتى لو سجن الشر والقسوة قلوب الكثيرين، إلا أن كلمة الله لا تُقيَّد، فهي تخترق السجون والأبواب، بل وتخترق القلوب وتغيّرها.
إن كلمة الله التي اخترقت قلبي لتُعزيه وتُفرّحه في وقت الألم، قادرة أن تخترق قلوب الكثيرين لتعزيهم، وهي قادرة أن تخترق قلبك وتملأه بالفرح ... بفرح غير مُتوَّقع ... حتى وإن جاز في نفسك سيف.
عزيزي: انتظر الفرح الذي سيأتيك بطريقة غير متوقعة.
إيمي كارمايكل