أخذت الممرضة الجندي الشاب المُنهك القلق إلى جانب السرير. “ابنك هنا” هذا ما قالته للرجل العجوز. ظلَّت تُردِّد هذه الكلمات عدة مرات حتى انفتحت قليلاً عينا المريض بصعوبة شديدة بسبب آلام “الذبحة القلبية”، وبرؤية خافتة رأى الشاب مرتديًا زي الجندية البحرية، واقفًا خارج غطاء الأكسجين الموضوع على السرير. وبمجرد أن مدَّ الرجل يده، قبض شاب البحرية بقوة على يد الرجل العجوز، باعثًا رسالة من الحب والتشجيع. أحضرت المُمرضة كرسيًا كي يجلس شاب البحرية بجانب السرير. ظلَّ شاب البحرية جالسًا
طوال
الليل في جناح المستشفى المُمِل، مُمسِكًا يد الرجل العجوز، ومُقدمًا له كلمات الحب والتشجيع. وعندما عرضت الممرضة على الشاب أن يبتعد فترة ليستريح قليلاً، رفض الشاب بشدة. وكلَّما دخلت الممرضة جناح المستشفى، كان يبدو على الشاب أنه يتجاهل ضوضاء المستشفى: “قعقعة خزان الأكسجين... ضحكات فريق الفترة الليلية الطبي وهم يتسامرون معًا... صرخات وعويل بعض المرضى”. ومن حين لآخر كانت تسمعه يقول بعض الكلمات الرقيقة للرجل العجوز. ولم ينطق العجوز الذي يحتضر بأي شيء، بل كان مُمسكًا بيدي ابنه بشدة طوال الليل. وبطلوع الفجر مات الرجل العجوز. ترك الشاب اليد الميتة التي كان مُمسكًا بها وذهب لإخبار الممرضة، وبينما كانت تقوم بعملها، كان هو ينتظر. وأخيرًا رجعت، وبدأت في تقديم كلمات العزاء، ولكن الشاب قاطعها متسائلاً: “مَن كان هذا الرجل؟!” فاضطربت الممرضة قائلة: “إنه كان أباك!” ولكن الشاب أجاب: • “لا، إنه لم يكن، أنا لم أره مِن قَبل في حياتي!”- “فلماذا لم تقل لي شيئًا عندما أخذتك إليه؟”• “لقد فهمت على الفور أن هناك خطأ، ولكني فهمت أيضًا أنه يحتاج بشدِّة إلى ابنه، وابنه لم يكن موجودًا. وإذ تحققت أنه مريض بدرجة لا تسمح له من التمييز عمَّا إن كنت ابنه من عدمه، علمت كم يحتاجني، ولهذا بقيت، لقد أتيت الليلة باحثًا عن “ويليام جراي”، لأن ابنه مات اليوم في العراق، ولقد كُلِّفت بإخباره بهذا. ما كان اسم هذا الرجل؟” فأجابت الممرضة والدموع في عينيها: “ويليام جراي”! يا له مِن درس لنا!
عزيزي: المرة القادمة التي يحتاجك فيها شخص ما، فقط كن هناك واثبت! فنحن لسنا كائنات إنسانية نجتاز تجارب روحية مؤقتة، ولكننا كائنات روحية نجتاز في تجارب إنسانية مؤقتة.