الروح القدس في الرسالة إلى مؤمني غلاطية
في الرسالة إلى مؤمني غلاطية، نجد أن القوة للتحرير من شهوة ونشاط وفاعلية الجسد، ليس في الناموس، لكن في الروح القدس «أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا! أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هَذَا فَقَطْ: أَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟» (غل3: 1، 2). كان الغلاطيون قد رجعوا إلى الناموس، وفي اللحظة التي تجد فيها إنسانًا تحت الناموس، فإن الروح القدس يوضع جانبًا. فهو ليس تحت سلطان وقوة الروح القدس.
وعندما نتقدَّم إلى الأصحاح الرابع نقرأ: «وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: يَا أَبَا الآبُ. إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ» (غل4: 4-7). إن الله لا يُعطيك الروح القدس ليجعلك ابنًا، لكنه يُعطيك الروح القدس لأنك ابن. إن الشخص الذي يؤمن بالمسيح يسوع هو ابن لله «لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غل3: 26). وكل ابن لله ينال روح التبني لأنه ابنٌ، حتى يُمكنه أن يقول ما يقوده الروح القدس دائمًا أن يقوله: «يَا أَبَا الآبُ»، ومن ثم يقول: «إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ».
هذا يقود إلى وصية عملية للغاية «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ» (غل5: 16، 17). إنك إذا انقدتَ بالروح فسوف لا تفعل الأشياء التي سيُحاول الجسد أن يجعلك تفعلها.
يعتقد كثيرون من الذين يقرأون هذه الآية أنها تعني أن المسيحي لا يستطيع أن يمنع نفسه من الخطية، بينما ما يعنيه هذا العدد هو العكس تمامًا. إن قوة الروح أعظم من قوة الجسد. وأيّة سعادة تشمل المؤمن عندما يسلك بالروح القدس، الذي هو أعظم وأسمى من شهوات الجسد ومطالبه، مُتحررًا بالتالي من الناموس، نتيجة لقيادة الروح القدس «وَلَكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ»، ثم يتبع ذلك قائمة بأعمال الجسد التي فشل الناموس في قمعها، وبالمباينة مع هذا، يأتي ذكر ثمر الروح «وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هَذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ» (غل5: 22، 23).
لقد كُبح جماح الإنسان العتيق ليس بالناموس، كما أن الإنسان الجديد لا يحتاج إلى ناموس ليجعله عاملاً بحسب مشيئة الله، إنه بحسب طبيعته كائن مُنظَّم وطائع ويقوم بواجباته، ويُنتج ثمارًا لائقة. إن ثمر الروح يمكن أن يُسمى ثمرًا مركبًا، وهو له قسمات وأوصاف مُميَّزة كثيرة، كلها ممتزجة ومرتبطة بجمال أخاذ، وكلها كانت ظاهرة بكمال تام في المسيح، ويجب أن تكون ظاهرة فينا أيضًا. إن روح الله فقط هو الذي يستطيع أن يُنتج هذا الثمر، الذي لم ولن يستطيع الناموس إطلاقًا أن يُنتجه. نعم، لم يستطع الناموس أن يُنتج المحبة، رغم أنه يُدينك لعدم محبتك لقريبك كنفسك. إنه لم يستطع أن يُعطيك غرضًا تسعى إليه، كما أنه لم يستطع أن يُخلِّصك من الجسد، ولم يقدر أن يُخلِّصك مِن الدينونة التي يُطالب بها. أما الروح فهو يُخلِّص مِن كل شيء، ويملأ القلب بالمسيح.
لا أحتاج أن أتحدث عن الرسالة إلى القديسين في أفسس، لأننا تأملنا فيها بما فيه الكفاية فيما سبق. فقط لنلاحظ أن الروح القدس في هذه الرسالة يُجلِّس القديس في علاقات سماوية أولاً، لذلك فإنه بقوة سماوية مُستمَّدة مِن هذه العلاقات السَّماوية، يُمكّنه أن يُتمّم كل العلاقات الأرضية.
الروح القدس في رسالتي فيلبي وكولوسي
أما الرسالتان إلى فيلبي وكولوسي، فلا نجد فيهما أية إشارة لروح الله، سوى بطريقة عابرة. ففي رسالة فيلبي يكتب الرسول بولس عن «شَرِكَة فِي الرُّوحِ» (في2: 1)، وعن أننا «نَعْبُدُ اللهَ بِالرُّوحِ (أو نسجد بروح الله)» (في3: 3). بينما يقول عن أبفراس في رسالة كولوسي «الَّذِي اخْبَرَنَا ايْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ» (كو1: 8). هذان الأمران بلا شك جميلان.
إن الطابع الحقيقي والعادي لحياة المسيحي ظاهر في الرسالة إلى القديسين في فيلبي، فالمسيحية هي حياة المسيح ظاهرة في حياة المسيحي هنا، بقوة المسيح الذي هو غرضه. وهذه الحياة يجب أن تكون ظاهرة للعالم.
وفي الرسالة إلى القديسين في كولوسي، الموضوع الرئيسي هو مجد المسيح كالرأس، وإظهار أمجاده كالرأس لجسده. ونحن جميعًا أعضاء في ذلك الجسد، لذلك فإن «المحبة في الرُّوحِ» (كو1: 8) هي صفة مميّزة للحياة التي يمتلكها كل عضو في هذا الجسد.
الروح القدس في رسالة تسالونيكي الأولى
وفي الرسالة الأولى إلى كنيسة تسالونيكي نجد الكثير عن الروح القدس. ففي الأصحاح الأول والعدد السادس نقرأ: «وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (1تس1: 6). فكلما ازدادت مرارة الاضطهاد، ازداد الفرح والابتهاج. وهذا هو الحال على الدوام.
أما في الأصحاح الرابع والعدد الثامن فنقرأ: «إِذًا مَنْ يَرْذُلُ (أو يحتقر أو يزدري) لاَ يَرْذُلُ إِنْسَانًا، بَلِ اللهَ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضًا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ». إن حقيقة سكنى الروح القدس في المسيحي، يجعله حريصًا ألا يتطاول على أخيه في الأمر موضوع الحديث. يجب عليَّ أن أكون حريصًا كيف أتصرف معك، وكيف أعاملك.
وفي الأصحاح الأخير من الرسالة نجد هذه الوصية الجديرة بالاعتبار «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ. لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ» (1تس5: 19، 20). ذلك يختلف عن العدد الذي يقول: «وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ» (أف4: 30)، الذي يُشير إلى الفرد.
وهناك ثلاث طرق فيها يُمكن أن يُعاق روح الله:
1- ففي الأصحاح السابع من سفر الأعمال نجد حقيقة كون العالم “يُقَاوِم الرُّوحَ الْقُدُسَ” (أع7: 51).
2- أما في الأصحاح الرابع من رسالة أفسس، فإن الأفراد مدعوون أن “لاَ يُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ” (أف4: 30).
3- أما هنا في وسط الكنيسة فالتحريض هو «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ» (1تس5: 19).
ربما يسأل أحد كيف يمكن أن نُطفئ الروح؟ والإجابة هي أن كل ما يمنع عمل روح الله في وسط الكنيسة، يُطفئ الروح. إنه مرتبط مع «لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ»، والذي يُشير بلا شك إلى المجهودات التي كانت تُبْذَل للحط مِن قدر المواهب الأكثر تفوقًا، لصالح إظهار الإنسان، مثل موهبة التكلّم بألسنة وما شابهها. لكن ربما يكون لها تطبيق أوسع لأيّة محاولة للحد من عمل الروح، مثل محاولة إغلاق فم بعض الإخوة، الذين لا يهتم بخدمتهم بقية الجماعة. ذلك لا يصلح في كنيسة الله. فلا يجب أن تُغلَّق أي أفواه ما عدا أولئك الذين يغلق الله أفواههم. وذلك نجده بوضوح في الأصحاح الرابع عشر من الرسالة الأولى إلى كنيسة كورنثوس «لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ» (1كو14: 34). لكن كل رجل هو حر لكي يكون الناطق بلسان الروح القدس، حر أن يسكب نفسه في تعبد، وشكر، كما أيضًا في الخدمة، إذا كان في كل هذا مُنقادًا بالروح القدس. من ثم يأتي التحريض «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ».
هل أنت إذًا عزيزي المؤمن تعبد في كنيسة فيها روح الله له مُطلق الحرية؟ إذا كنت تذهب إلى أي مكان آخر لا توجد فيه هذه الحرية، فإن هذا معناه أنك تعصى الوصية «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ».
(يتبع)