«حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هذَا الأَسَاسِ: ذَهَبًا، فِضَّةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً، خَشَبًا، عُشْبًا، قَشًّا، فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. إِنْ بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً. إِنِ احْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلكِنْ كَمَا بِنَارٍ» (١كو ٣: ١٠ - ١٥)
يا لها من تعزية للقلب أن نعلم أن «أَسَاسَ اللهِ الرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ» (٢تي ٢: ١٩)، فقد تأسس البناء منذ ٢٠٠٠ سنة تقريبًا، وها هو أوشك على الانتهاء. وضَع أساسه رُّسُل المسيح، ووضعوه بدقة وفطنة وأمانة، ووضعوه على شخص الرب يسوع وعلى عمله «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ» (أف ٢: ٢٠ - ٢٢).
ولما كان الرسول بولس يبني باعتبار أنه ”بَنَّاءٌ حَكِيمٌ“، كان يبني بحرص على هذا الأساس، وكان يبني ”ذَهَبًا وفِضَّةً وحِجَارَةً كَرِيمَةً“، وأبدًا لم يبن شيئًا من ”الخَشَب أو العُشْب أو القَشّ“. والمواد الثلاث الأولى التي استخدمها أولئك الأشخاص؛ المُبشِّر والمُعلِّم والراعي، سوف تمر في امتحان نار قداسة الله في يوم الحساب، ويومئذٍ ستُستَعلن النتائج الحقيقية لكل شيء عُمِلَ لأجل الرب.
يُشير الذَهَب في كلمة الله إلى المجد الإلهي، وقد سبق وغشى سليمان الهيكل بالذهب من الداخل «وَفِي هَيْكَلِهِ الْكُلُّ قَائِلٌ: مَجْدٌ» (مز ٢٩: ٩)، «فَأَمْلأُ هذَا الْبَيْتَ مَجْدًا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (حج ٢: ٧). كذلك يكشف الذهب عن الوجهة الإلهية التي في الإنجيل، أي أنه يُظهِر طبيعة الله ويُوضِّح حقيقة شخصه. فعلى الصليب ظهرت قداسته المُطلقة التي حكمت على الخطية بلا رحمة، مع أن الخطية وُضِعَت على ابنه الوحيد. ولم يكن هذا إلا إعلانًا علنيًا أن قداسة الله لا تتعامل مع الخطية، بل وتُبغضها بُغضًا تامًا. وكم كان منظر الصليب غريبًا، لم تألف الملائكة رؤيته من قبل، خصوصًا وأن خالقها مُعلَّق فوقه. وهنا تُستَعلن قداسة الله، ليس في دائرة الهالكين، بل حين سكبت يد الله، عقوبة عادلة على الابن، لأجل معاصينا. وهناك أحاطت الظلمة الكثيفة بشخص المتألم البار بسبب خطايانا التي تراكمت عليه. وما كان يُمكن أن نتطهر أو نتبرر أو نتقدَّس بطريقة أخرى سوى طريق آلام وموت الرب يسوع.
وكم ينبغي على المُبشرين بالإنجيل أن ينبروا على الجانب الإلهي في موضوع الخلاص، لأن لهذا الموضوع الاعتبار الأول في إعلان شخص الرب يسوع المُخلِّص، إذ أن هذا ما يتطلبه مجده أكثر من خلاص نفوس البشر، أو إنقاذهم من الجحيم. إن الصليب كشف للبشر عن عواطف محبة قلب الله الذي هو محبة «لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ» (١يو ٤: ٨)، وكذلك فيه استعلان بر الله لأن «اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (١يو ١: ٥). وهنا يأتي عمل المُعلِّم الذي يُفضّل الحق المُتعلِّق بالكفارة، مُوَّضحًا أن هذا العمل قد تمَّ لمجد الله.
أما الفِضَّة فتُمثِل الفداء (خر ٣٠: ١١، ١٦؛ ٣٦: ٢٤ - ٣٠)، وهي تُكلّمنا عن سدّ حاجة الإنسان المسكين، وتظهر الفِضَّةُ في خدمة المُبشِّر حين يُذيع الأخبار المُباركة التي تُنادي الهالكين، ليأتوا ليتمتعوا بالسلام المؤسس على خلاص الله.
وفي الحِجَارَة الكَرِيمَة، يُمكننا أن نرى عمل الراعي. وهنا نجد تلميحًا إلى حجارة الهيكل (أو البيت) الحرفي الذي بناه سليمان من الحجارة التي كانت تُقطع في الجبل في محاجرها الطبيعية، وتُسوى جوانبها، ثم تُنقل إلى الهيكل في أورشليم في جبل المريا (١مل ٥: ١٧؛ ٧: ٩ - ١٢؛ ٢أخ ٣: ١). أما الحجارة الحيَّة في الوقت الحاضر (١بط ٢: ٥)، فتُقطع من محاجر الطبيعة البشرية، ثم يُحييها الروح القدس لتصير شريكة في كرامة المسيح (١بط ٢: ٧)، وبعد ذلك تُنقَل لتُبنى معًا كمسكن لله في الروح، ولا تبقى مُبعثرة مُتناثرة «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ - كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ - بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (١بط ٢: ٥).
يستلزم البناء الذي على الأساس الصحيح الراسخ؛ التبشير ثم التعليم، فهكذا كلَّم الرب تلاميذه: «اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ» (مت ٢٨: ١٩، ٢٠). فكل مَن يقبل بشارة الإنجيل ويؤمن، يحتاج إلى الشركة مع القديسين، وممارسة وصايا الرب، حتى يُحقق الغرض الإلهي من وجوده على الأرض.
وإن كان البعض يعترف بقبول الرب يسوع مُخلِّصًا لهم، بقي أن يُتيحوا للرب أن يكون ربًّا وسَيِّدًا على حياتهم. وإن كانت لنا هذه الرغبة في استخدام هذه المواد - الذَهَب والفِضَّة والحِجَارَة الكَرِيمَة – فالواجب يقتضي – قبل أن يأتي يوم الامتحان – أن نُعلّم المؤمنين الأحداث، وأن نفتح لهم صفحات الكتاب المُقدَّس، وكل هذا بباعث واحد هو مجد المسيح، وهكذا عندما يكتمل الهيكل الإلهي، يمدح الرب البنائين الأمناء، ويُكافئهم.
و. ر. لويس