«بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ» (يو٢١: ١)
يُخبرنا إنجيل يوحنا ٢١: ١٤ «هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ». وهذه ليست توضح فقط ببساطة الترتيب الزمني للأحداث (رغم أن ذلك قليل الأهمية نسبيًا)، إلا أنها تُصوّر طابع الواقعة التي نحن بصدد التأمل فيها. فإذا كان أول هذه الظهورات ينطبق رمزيًا على عائلة الله في وقتنا الحاضر (يو٢٠: ١٩-٢٣). وثانيهما على البقية من إسرائيل في يوم مقبل (يو٢٠: ٢٤-٢٩). فها الظهور الثالث كما سنرى، سيُرينا نتيجة قبول الرب من إسرائيل؛ أو بعبارة أخرى: عمل المسيح في المُلك الألفي.
ظهر الرب لسبعة من تلاميذه بعد أن ذهبوا إلى الجليل حسب تعليماته (مت٢٨: ٧، ١٠). «كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ» (يو٢١: ٢). وذُكر هنا ”تُومَا ونَثَنَائِيل الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ“ فكل منهما صورة لبقية إسرائيل المستقبلية؛ تُومَا في يوحنا ٢٠، ونَثَنَائِيلُ في يوحنا ١. ولهذا مغزاه بلا شك يُشير إلى الأرضية التي نجد أنفسنا نتكلَّم نبويًا عنها.
«قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ. قَالُوا لَهُ: نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكَ» (ع٣). ربما كان بطرس قد تعب من الانتظار، أو ربما كان معنيًا بتدبير الطعام، وربما كانت له دوافع أخري تدفعه لاستئناف حرفته السابقة، ولكن أيًا كانت دوافعه، لم يكن طريقه طبقًا لأفكار الرب، وخاصة أنه قاد زملاءه معه، تحت تأثيره القوي. ألم يكن الرب قد أراد أن يجعلهم صيادي ناس؟ وفي ذلك الوقت يُخبرنا مرقس ١: ١٨ أنه «لِلْوَقْتِ تَرَكَا شِبَاكَهُمَا وَتَبِعَاهُ». أكان هذا ابتعادًا عن الطريق المبارك؛ طريق الثقة وانتظار الرب، خاصة منذ أن أرسل الرب إليهم أن سوف يرونه في الجليل؟
«فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئًا» (ع٣). وبالنسبة للنظرة السطحية، كانت أمورهم تبدو جيدة. فهم صيادون متمرسون. وبحيرة طبرية معروف عنها – حتى يومنا هذا – أنها غنية بالسمك. فكانوا في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. ولكن بركة الرب التي يعتمد عليها كل شيء – في ذلك الزمان والآن أيضًا – كانت مُفتقدة. «وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئًا»؛ وهكذا تكون دائمًا الإجابة على إنكارنا لوضعنا كالمستندين والمتوكلين على الرب «فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ» (٢تي٢: ١٣). وهكذا مضى الأمر طوال تلك الليلة حتى طلوع الصبح.
«وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلَكِنَّ التَّلاَمِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ» (ع٤). وهو لم يصل على التو؛ لقد كان واقفًا هناك. ورغم حاجتهم الشديدة للعون إلا أنهم لم يظنوا أنه يقدر أن يمنحهم النجاح. ومع ذلك فسواء رأوه أو عرفوه أو لم يعرفوه، فإنه كان هناك ربما طوال الليل، يتعاطف مع محاولاتهم التي ذهبت أدراج الرياح؛ حاضرًا وإن كان غير مرئي. ومحبته ورحمته يمضيان يدًا بيد مع أمانته. ونتلمس هذا في كلماته التي وجهها إلى تلاميذه المكدودين خائبي الأمل.
«فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا؟» (ع٥). ”يَا غِلْمَانُ“ أو ”أَيُّهَا الأَوْلاَدُ“! ويا للرقة والتنازل في هذا التعبير الذي استخدمه ربنا فقط في هذه المرة الوحيدة . ويا له من تعبير مناسب ولائق، في مواجهة حالة الضعف الكبير التي كانوا عليها، عندما خاطبهم الرب. وأي شيء كان يستحضر ضعفهم في المشهد أكثر من كلمات الرب القصيرة هذه؟ فعلى الشاطئ يقف شخص غريب يسألهم شيئًا ليأكل. ولم يستطيعوا رغم كل جهود الليل الطويلة أن يُزودوه بشيء، فشباكهم وقاربهم وأياديهم كانت فارغة، ولم يقدروا حتى أن يُشبعوا جوعهم.
ومن قبل كانت لسمعان وابني زبدي تجربة سابقة مماثلة، ولكن عندئذٍ قالوا له: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا» (لو٥: ٥). وهنا لم يقدروا حتى أن يُكرروا نفس الكلمات، ولكن فقط صدرت كلمة «لاَ!» مقتضبة من شفاههم. وكلمة «لاَ!» لا بد أن تكون الإجابة دائمًا إذا سئُلنا عما إذا كانت طرقنا الخاصة قد أتت لنا بأية فائدة تُذكر.
«أَجَابُوهُ: لاَ!» (ع٥). لا زالوا غير عالمين بمن هو الواقف أمامهم؛ إنه نفس الشخص المجيد الذي أراهم بالفعل قبلاً أن كل القوة وكل البركات في يديه وحده.
«فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا» (ع٦). لا شك أنهم فعلوا ذلك مرات ومرات أثناء تلك الليلة، ولكن بالاعتماد على أنفسهم، وبدون الرب الذي سمح لهم أن يجتازوا تجربة مماثلة من قبل (لو٥: ١-١١). وها هو نفس الشخص الذي أعدَّ حوتًا عظيمًا ليونان، وأعدَّ سمكة صغيرة لسمعان بطرس ليُساعده في المشكلة التي أدخل نفسه فيها (يون١: ١٧؛ مت١٧: ٢٧). حقًا «بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إِلَى الْقِيَامِ، مُؤَخِّرِينَ الْجُلُوسَ، آكِلِينَ خُبْزَ الأَتْعَابِ. لَكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمُا» (مز١٢٧: ٢)؛ وأيضًا «بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا» (أم١٠: ٢٢). فبدونه لا شيء، ومعه كل شيء. هذا هو الدرس العظيم الذي نجده هنا.
ولكي نتعلَّم ذلك يجب أن نكون أولاً متضعين في أنفسنا، وأن نكون صغارًا في أعين نفوسنا. «فَأَلْقَوْا» (ع٦)، أفليس من الجدير بالملاحظة أنهم فعلوا ذلك بدون مجادلة. وهم صيادو الأسماك المحترفون، تصرفوا بناءً على مشورة الغريب غير المعروف؟ وهذا يُرينا إلى أي حد كانوا يائسين، عندما وصلوا إلى نهاية خبراتهم ومهاراتهم. ولكن عند مثل هذه النقطة بالضبط، نجد الرب حاضرًا ومُستعدًا ببركته الغنية.
«فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ» (ع٦). «وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا» (لو٥: ٦). هذا هو ربنا المعبود الذي له «طُيُورَ السَّمَاءِ، وَسَمَكَ الْبَحْرِ السَّالِكَ فِي سُبُلِ الْمِيَاهِ» (مز٨: ٨)، وله «حَيَوَانَ الْوَعْرِ وَالْبَهَائِمَ عَلَى الْجِبَالِ الأُلُوفِ» (مز٥٠: ١٠)، وأيضًا: «لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ» (حج٢: ٨)، ويقدر أن يقول: «لِي الْمَسْكُونَةَ وَمِلأَهَا» (مز٥٠: ١٢). ولكن ليس هذا هو الكل؛ فقد رَفَّعَهُ اللهُ «فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ» (أف٤: ١٠)، والله «بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أف١: ٣)، «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (٢كو٨: ٩).
وهذه البركة المفاجئة في شبكتهم، جعلت واحدًا منهم يفكر ويتأمل، فقد تذكر الرب الذي نسوه من بالهم لساعات طويلة، «فَقَالَ ذَلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: هُوَ الرَّبُّ!» (ع٧). والآن فلا شيء يمكن أن يُبعد أو يحجز بطرس عنه؛ وباندفاعه المألوف أسرع أيضًا قبل الجميع، ولكن هذه المرة للأحسن. ويا لها من صورة مُحببة نراها بوجه الخصوص في هذا المشهد. فإن يوحنا بفعل رفقته الوثيقة الدائمة مع الرب، تعرَّف عليه أولاً. وبالتأكيد فإن هذا يتكلَّم إلى قلوبنا. ولكن تصرف بطرس هو الذي بدا أكثر حرارة «فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بِالسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ» (ع٧، ٨).
ويا له من تغيير تُحدثه المقابلة الشخصية مع الرب، مثل تلك التي سمعنا عنها في إنجيل لوقا ٢٤: ٣٤! وما أعظم ما أنتجته مقابلة الرب أيضًا مع هذا التلميذ، بطرس، الذي سقط قبلاً بصورة مؤسفة! فنعمة الرب التي تَرُدّ النفس، طردت كل ما يمكن أن يفصله عنه، ومحبته الكاملة طرحت كل خوف جانبًا، فلم تعد ثمة رغبة تملأ قلبه سوى أن يكون مع الرب بأسرع ما يكون. ونسى أن هناك عملاً أمامه، أو أن الآخرون قد يؤنبونه لأنه سيتركهم يجرون الشبكة بأنفسهم. إنه لم يلتفت لأي فكر عن أنه من الأفضل أن يأخذ فرصة للاقتراب بالسفينة للمسافة القصيرة الباقية للشاطئ. كلا، لم تسنح أية بادرة فكر له للتمهل أو الحيطة كان يمكن أن تمنعه من أن يفعل مثل هذا التصرف؛ لا فإنها المحبة.
وهذه المحبة اتحدت مع التوقير، فقد ”اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ“ الذي كان من شأنه أن يعوقه في السباحة، لأنه أراد أن لا يظهر عاريًا أمام الرب. فالنعمة قد عملت في ذات نفس هذا التلميذ الذي أصر في تلك الليلة القريبة الحاسمة على القول: «إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» (مت٢٦: ٧٢).
وماذا عن الرب؟ في تلك الليلة القريبة أضرم أعداء الرب يسوع جمرًا للنار، والتي أصبحت فخًا لسمعان بطرس (يو١٨: ١٨). ولكن هنا أعد الرب جمر نار له ولرفقائه الذين كادوا يتجمدون من البرد، بالإضافة إلى تعبهم وجوعهم من عملهم الشاق. ويا لها من مفارقة بين الليلة المظلمة، وفجر الصباح الذي بدأ يشقشق! «فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا» (يو٢١: ٩). ها السمك في الشبكة، وها خبز وسمك موضوع على الجمر عند الشاطئ. هذا ما جعل التلاميذ يخجلون من الرب بينما هم ظنوا أنهم قادرون أن يعملوا شيئًا بدونه.
ولكن الرب عبَّر عن تقديره أيضًا للسمك الذي اصطاده التلاميذ «قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ» (ع١٠). وهنا أراد بطرس أن يفعل أيضًا شيئًا؛ فإذ كان قلبه سعيدًا حقًا بالكلمات التي في حضرة الرب، سُرَّ أن يعمل العمل بمفرده، الأمر الذي يُذكرنا بالطبع بيوم الخمسين «فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيرًا، مِئَةً وَثلاَثاً وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هَذِهِ الْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ» (ع١١).
ويا لتطابق الصورة الرمزية هنا بالضبط! فكلمة الرب إلى البقية الصغيرة التي سارت أقدامها يومًا في مسار اتباعه، ها لا بد أن تتم «أَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ» (مت٤: ١٩). وفي يوم الخمسين ”انْضَمَّ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ“؛ الذين دخلوا الشبكة التي ألقاها بطرس ورفقاؤه. وهو ظل مجيد لذلك الصيد العظيم العتيد، حينما تلقي البقية اليهودية المستقبلية شبكتها في بحر الأمم في الضيقة العظيمة. ومن المؤكد أنه كما كان أمام الرب سمكًا، قبل أن يأتي التلاميذ بصيدة السمك الكثير من البحر، هكذا أيضًا فإن الصيد العظيم من الأمم في المستقبل لن يكون باكورة للرب من بين الأمم. أفليس مؤمنو عصر النعمة هذا «بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ»؟ (يع١: ١٨). وماذا يكون العدد الهائل بالمقارنة مع العدد القليل في تلك الأيام؟ فيومًا ما سيكون «جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ» (رؤ٧: ٩). وأيضًا «لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ» مثلما كانت الحالة في الصيد الأول (لو٥: ٦)، فعمل الرب لن يُعانِي من أية خسارة.
والآن ها هو الرب يدعوهم للمائدة التي أعدها «قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!» (ع١٢). «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ ... وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلاً» (مر٦: ٣١). فبعد العمل الشاق، حان الوقت للانتعاش. فما أعظم طرق الرب! لا أحد يستطيع أن يُبارك العمل مثلما يستطيع هو، وليس لأحد قلب مثل قلبه يُشبع احتياجات عبيده، ويُنعشهم. لقد خيمت سكينة مقدسة على المشهد بكامله، وفهم واعتراف مُقَدَّسين «وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاَمِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ» (ع١٢).
وعندئذٍ بطريقته المعتادة أعطى الفريضة البسيطة لكل منهم «ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّمَكَ. هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ» (ع١٣، ١٤). ويا لهذا الظهور الثالث من لقاء مع الرب المُقام، الذي برهن لهم على الذكرى الحلوة للأيام الماضية! وهكذا بالمثل – يا أصدقائي الأعزاء – سنكون معه للأبد، خاصة عندما «نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (١تس٤: ١٧ انظر أيضًا لو١٢: ٣٧).
(يتبع)