أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2018
السامري الصالح
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

لقد جاء المسيح إلى العالم ليُخلّص الخطاة، ومات عن الفجار، وأعلن الأنبياء مرارًا وتكرارًا أن «لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ» (مز٣: ٨؛ يون٢: ٩؛ تك٤٩: ١٨)، وكثيرًا ما تَحَدَّثوا عن يهوه باعتباره «إِلَهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ»، الذي قال: «أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ» (إش٤٥: ١٥؛ ٤٣: ١١)، والإنجيل يعلن ذلك بكل وضوح. فدعي يسوع أو ”يهوه المخلص“ «لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (مت١: ٢١). وعندما أذاع ملاك الرب ميلاده للرعاة، قال لهم: «وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لو٢: ١١). والرب يسوع بنفسه علَّم تلاميذه أنه «لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ، النَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ» (لو٩: ٥٦). وعندما قبِلَتُه – باعتباره المُخلِّص - امرأة مُدانة بالخطية، نطق بأنها قد خلُصَت (لو٧: ٥٠). وعندما قبله آخر بفرح، صرّح قائلًا: ««الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهَذَا الْبَيْتِ» (لو١٩: ٩). وشهد بولس أن نعمة الله تأتي بالخلاص «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ» (١تي١: ١٥). كم هو مبارك التأمل في حقيقة أن الله ما زال يُعلن الخلاص لأعتى الخطاة، من خلال موت المسيح الكفاري «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أع٤: ١٢)!

اُنْشُرُوا هَذَا الْخَبَرْ

بِيَسُوعَ الْخَلاصْ

هَنِّئُوا كُلَّ الْبَشَرْ

بِيَسُوعَ الْخَلاصْ

وَلْيُذَعْ فِي كُلِّ دَارْ

صَوْتُ هَذَا الانْتِصَارْ

وَلْيَكُنْ هَذَا الشِّعَارْ

بِيَسُوعَ الْخَلاصْ

إن حقيقة إعداد الله لمُخلِّص للخطاة، هي الت] تُعلن بغنى المحبة الإلهية. وعند قبولها بالإيمان في القلب، ينجذب الهالك والتائه إلى حضن الله. لم يكن مُمكنًا لأحد أن يتخيل أن الله يكنّ مثل هذه المحبة للإنسان الخاطئ كما أعلن المسيح. فأن يدين الخطية في ابنه الوحيد، حتى يأتي بنا إلى المجد، بدلًا من أن يقضي علينا إلى الأبد، كما كنا نستحق بالعدل، كانت فكرة عميقة للمحبة التي لا يُعَبَّر عنها، كما يُعلنها صليب المسيح وحده بكل كمال «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو١: ١٨).

إن اعتقاد الإنسان عن الله عامةً أنه سَيِّد قاسٍ، يُطالبه ويتوقع منه أمورًا عظيمة، لذلك عندما يفكر في الله، يُصاحبه فكرة تقديم شيء لله، بدلًا من قبول شيء منه. لقد واجه بولس هذه الفكرة في أثينا الوثنية، عندما قال لأهلها: «الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هَذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي، وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَيْءٍ» (أع١٧: ٢٤، ٢٥). إن الأفكار المُتكّبرة عن قدرة وإمكانيات الإنسان، هى الحاجز غير المُخترَق لدخول الإنجيل إلى القلب، وهي التي لا يكسرها إلا روح الله، بإقناع الإنسان بحالته الخاطئة، واحتياجه إلى المُخلِّص، وبإظهار أن امتلاكه للبر يتم فقط بالإيمان به؛ ذاك المجيد الذي هو الآن في يمين الله.

لقد سُجِل في أكثر من مناسبة، أن أشخاصًا أتوا إلى الرب يسوع بتلك الحالة الخاطئة للفكر. وكان تساؤلهم عن فعل شيء ليؤهلهم للحياة الأبدية؛ وهو الأمر الذي أتاح الفرصة المواتية للرب يسوع أن يكشف عن الفرق بين الناموس والنعمة، وأن يُعلن: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (لو٥: ٣١؛ مر٢: ١٧)، وأنه قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لو١٩: ١٠).

إن مَثَل السامري الصالح؛ المَثَل المُؤثر الذي يُحرك المشاعر، قُدم بسبب تساؤل الناموسي صاحب البر الذاتي، الذي في حلكة ظلام الجهل العميق والفضول الخاوي، جرَّب الرب بهذا السؤال: «يَا مُعَلِّمُ: مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» (لو١٠: ٢٥). فكانت القضية عن فعل شيء يؤّهلهُ للحياة الأبدية. ولذلك ما كان من مُخلِّصنا إلا أن وجهه إلى ما كتب الله في ناموس موسى، حيث أُعلن مرارًا وتكرارًا «فَتَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، الَّتِي إِذَا فَعَلَهَا الإِنْسَانُ يَحْيَا بِهَا. أَنَا الرَّبُّ» (لا١٨: ٥).

فحسنًا واجه الرب الثقة المُتعالية لذلك الناموسي المُتسائل بتوجيهه لمقاييس الله الخاصة بالبر، لأنه حينما يعتقد الناس أن بإمكانهم فعل ما يؤهلهم للحياة الأبدية، فإن ميزان ناموس الله العادل وشهادته وحده، يستطيع أن يحدد الإجابة عن السؤال. ولهذا كان جواب الرب: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟». فأظهرت إجابة الناموسي، كالكثيرين في هذه الأيام، أنه كان على دراية بحرف الناموس، لكنه لم يكن يعرف شيئًا عن قوة إدانة الحرف وقتله، عند كشف الضمير، وفضح فساد قلبه. فجاوب دون تردد: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ»؛ الكلام الذي جاوبه الرب بالقول: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا». هكذا استُحضر الميزان البار لناموس الله المقدس، وبقي السؤال الوحيد: ”إن وُزِن هذا الناموسي بالناموس، هل سيُوجد ناقصًا؟“ لقد اتخذ لنفسه القياس المطلوب، فكان السؤال: ”هل حكم هذا القياس ببره، وأهله للحياة؟ أم أنه أثبت عليه أنه أخطأ وأعوزه مجد الله؟“ لأن مطلب القلب الباحث عن هذا الناموس هو أن: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». إذًا كان التكريس التام لله الذي لا يتوقف ولا يخيب في استمراره، مع التضحية من أجل الآخرين، من متطلبات ومشتملات ومستلزمات الناموس. أليس عجيبًا أن الناموسي لم ينحنِ أمام تلك المطالب، ولا نخس في قلبه، ليطلب: «اللهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ». لكنه لم يفعل! ويا لعمى وجهل الإنسان الطبيعي، حتى أنه لا يفتكر في الروحيات، إلا إذا أنار الروح القدس فهمه وفتح قلبه! لم يزل الناموسي على استعداد أن يُبرر نفسه. يا لمدى عمى القلب البشري!

لكن أليست هذه هي الطريقة المعتادة للإنسان أن يجد الحجج ليُبرر بها نفسه؟ ألا نرى الجموع من حولنا، على شفاههم ناموس موسى، لكنهم يفتقرون إلى الحس بكمال مطاليبه، مُحاولين إثبات برهم الذاتي، باستخلاص بر من ذات الناموس الذي يبرهن واضحًا على تعديهم، حتى يكون بالنسبة لهم خدمة إدانة وموت «لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ» (رو٣: ١٩)؟

هذا هو الناموس؛ مطاليبه صارمة، ومقياسه كامل، ومعياره لا يَتَغَيَّر، مُوقعًا حكم الموت على المتعدي، دون أي وعد بالرحمة. مُقدَّس وعادل وصالح في ذاته، لكنه قادر على إظهار كون الإنسان خاطئ، دون إعطائه الحياة أو البر؛ لأن الكتاب يقول: «لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ!» (غل٢: ٢١). فمن يستطيع إذًا أن يدّعي الحصول على الحياة على أرضية الناموس؟ من يستطيع القول، ”أنا طاهر، أنا نقي، لم أتعد وصاياك ولو لمرة؟“ مباركٌ الله، هناك واحدٌ فقط أمكنه القول: «أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ» (يو١٧: ٤). نعم، إن «الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا» (إش٤٢: ٢١). لقد أحب الرب إلهه من كل قلبه، ومن كل نفسه ومن كل فكره ومن كل قدرته، كما أثبت أنه يحب قريبه كنفسه، بفدائه بدمه الغالي.

بالرغم من أن الفريسي كان على استعداد «أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ»، إلا أنه فشل في فعل ذلك، لأنه كان واقفًا أمام نور الحق؛ ويبدو من سؤاله: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟»، أن ثم بعض التخوف لديه من جهة قدرته على تتميم هذا الجزء من مطاليب الناموس. وعندما رسم الرب أمامه صورة لشخص أحب قريبه كنفسه، أضاف: «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هَكَذَا»، فلم يستطع الناموسي أن يسأل مزيدًا من الأسئلة، بسبب لوم الضمير. وتحت تأثير قوة حق الله المقدس، سكت لسانه. لو كان قلبه فُتح ليقبل التعليمات المباركة المُعلنة له، لما فشل في أن يدين ذاته، ويخيب عن معيار الله للبر، ولفهم من المثل أن المسيح رسم صورة لحياته – حياة الفريسي - في المسافر الواقع بين اللصوص، العاري والمجروح والمحتاج، وهو بين الحياة والموت. ولأدرك أن الذي يتحدث إليه هو ”القريب“ المستعد لأن يضمد جراحه، ويصب على ضميره المجروح السلام والفرح. وبذلك يكون قد تَعَلَّم سر الإنجيل الحقيقي، أنه بينما هو لا يقدر أن يرث الحياة الأبدية بالأعمال، إلا أنها يُمكن أن تُمتلك مجانًا؛ بلا فضة وبلا ثمن، من مُخلِّص الخطاة، كعطية الله المجانية.

بالتأمل في المَثَل، يمكننا ملاحظة:

(١) حالة الإنسان الساقط المزرية.

(٢)عجز الناموس والفرائض عن تسديد احتياجه.

(٣)عمق وكفاية محبة المُخلِّص.

(٤)أمان وآمال الخاطئ المُشفى والمُنقَذ.

وهذه الحقائق ستكون موضوع حديثنا في العدد القادم، إن شاء الرب وعشنا.

(يتبع)


(لو١٠: ٢٥-٣٧)

سنل