أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2005
اذهب واغتسل .. واطهر - نعمان الأبرص
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«اذهب واغتسل .. واطهر»

الفصل الثاني

نصيحة مُخيبة للآمال(2مل 5: 2- 9)

رأينا في الفصل الأول أن البرص يرمز إلى الخطية. ونحن بصدد أن نرى فتاة صغيرة مسبية من أرض إسرائيل تدل رئيس جيش آرام إلى طريق الخلاص. وجدير بنا أن نلاحظ أن أحدًا لم يكن بمقدوره أن يَهَب العون لنعمان، لا ملك أرام ولا ملك إسرائيل. وعجزت عن مساعدته كذلك آلهة دمشق. فالخلاص له طريق واحد، ألا وهو إله إسرائيل؟ لعلنا الآن فهمنا لماذا كان ينبغي على نعمان أن يذهب إلى أليشع نبي الله الحي الحقيقي.

 أ ـ فتاة صغيرة من أرض إسرائيل

 من وجهة النظر البشرية، كانت مشكلة نعمان بلا حل. ولكن شكرًا لله، فإن حل المشكلة كان في يد إله إسرائيل فقط. إنه وحده الذي يستطيع تطهير نعمان من برصه. وهو وحده الذي يخلصنا من الخطية. ولكن علينا أن نأتي إليه بإيمان، ولا نتوقع خلاصًا من حكماء هذا العالم (ع11) إنه وحده الذي يستطيع أن يخلصنا.

ومن المُلفت أن فتاة صغيرة من أرض إسرائيل صارت دليلاً لرئيس جيش أرام القوي. ففي مسمع سيدتها شهدت ببساطة بإيمانها .. «يا ليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة فإنه كان يشفيه من برصه» (ع 3). إن وجود مثل هذه الفتاة بين يدي امرأة نعمان، كانت واحدة من اللعنات التي تنبأ بها موسى على الشعب إذا هم ضلوا: «يُسلَّم بنوك وبناتك لشعب آخر، وعيناك تنظران إليهم طول النهار فتكلان وليس في يدك طائلة» (تث28: 32). والشيء الحسن أن هذه الفتاة لم تسمح لروح الكراهية تجاه آسريها أن تبتلعها. وعلى الرغم من سنها الصغيرة، وظروفها الصعبة في هذا البلد الجديد، فإنها شهدت لإله إسرائيل وأحبت أعداءها. والسبيل عينه ينبغي علينا أن نسلكه. فنحن سفراء عن المسيح. وينبغي أن نقدم دائمًا جوابًا عن سبب الرجاء الذي فينا (2كو5: 20؛ 1بط3: 15). هل نحن منتبهون لهذه الدعوة العُليا؟

إن هذه الفتاة لم تسمح لروح الكراهية تجاه آسريها أن تبتلعها. وعلى الرغم من سنها الصغيرة، وظروفها الصعبة في هذا البلد الجديد، فإنها شهدت لإله إسرائيل وأحبت أعداءها

 كان لهذه الفتاة إيمان عظيم في إلهها وفي نبيِّه، وإلا فكيف عرفت أن أليشع يرغب ويستطيع أن يشفي نعمان من برصه؟ إنه فقط الإيمان الذي همس بهذا الكلام في أذنها. لقد فعل أليشع كل المعجزات ولكنه لم يسبق أن شفى أبرص، كما يُخبرنا العهد الجديد. فرغم وجود عدد من البُرَّص في إسرائيل في زمانه، إلا أنه لم يبرأ من المرض سوى نعمان السرياني (لو4: 27). نعم إن الله كان يعاقب شعبه الذي عبد الأصنام، فلم يبرأ إسرائيلي في تلك الأيام. ولكن نعمان برأ، وهكذا امتدت نعمة الله للأمم.

 ب ـ في الطريق إلى ملك إسرائيل

 صدَّقت زوجة نعمان كلمات أَمَتها الصغيرة، فأسرَت بها لزوجها الذي بدوره أخبر سيده ملك أرام (ع 4). ويبدو أن خبر مرض نعمان رئيس الجيش قد أصبح شائعًا في هذه الأثناء. وتمت معالجة الأمر بنوع من الدبلوماسية، إذ كان يظن أن ملك إسرائيل سيستدعي نبي السامرة وهو على كل حال أحد رعاياه.

أخذ نعمان رسالة من ملكه، وكذلك هدية سخية، وأراد الملك أن يساهم من جانبه في تكاليف الرحلة رغبة منه في مساعدة واحد من أفضل رجاله. تمثلت الهدية في 340 كيلوجرام من الفضة، وسبعين كيلوجرامًا من الذهب، وعشر حُلل ثياب ـ إنها ثروة كبيرة تساوي ملايين الجنيهات.

 وصل نعمان إلى السامرة ومعه خطاب موجّه إلى ملك إسرائيل يقول فيه ملك أرام: «.. فالآن عند وصول هذا الكتاب إليك، هوذا قد أرسلت إليك نعمان عبدي فاشفهِ من برصه» (ع 6). ولقد سبَّب وصول نعمان مع خطابه إلى السامرة، ارتباكًا وغضبًا، إذ اعتبره ملك إسرائيل نوعًا من التحرش والتحريض على الحرب. وفي يأسه مزَّق ثيابه. ومثل هذا التصرف لم يكن غريبًا على يهورام (6: 30)، وصرخ يهورام متخذًا اسم الله باطلاً بقوله: «هل أنا الله لكي أُميت وأُحيي، حتى أن هذا يرسل إليَّ أن أشفي رجلاً من برصه» (ع 7). وعَكَسَ هذا التصرف خطورة الموقف، فلم يكن بمقدور أحد أن يشفي نعمان سوى الذي يُقيم الميت.

جـ ـ إلى أليشع يبدو أن الملك يهورام لم يفكر مُطلقًا في أليشع، مع أن النبي في هذه الأيام كان واسطة بركة الله للشعب. كان الله يمد إليهم يد الخلاص عن طريق خادمه. ولكن ليس لنبي كرامة في وطنه؛ ويبدو أن أليشع قد عاد للاستقرار في السامرة (ص2: 25، 6: 32). وهكذا كان على أليشع أن يأخذ زمام المبادرة، فأرسل الرسالة التالية إلى الملك: «لماذا مزقت ثيابك؟ ليأتِ إليَّ فيعلم أنه يوجد نبي في إسرائيل» (ع 8).

 وأخيرًا جاء نعمان إلى ”رجل الله“ ألشيع النبي، ممثل الله الحي الذي يُميت ويُحيي، فقد جاء وأمامه مركزه العالي ـ بخيله ومركباته. والكبرياء ملؤه. «وقف عند باب بيت أليشع». ولكن ليس هكذا نأتي إلى الله. فنعمان لن يبرأ بشروطه هو .. ولكن بالشروط التي يحددها الله له. وهذا ما كان عليه أن يتعلمه.

والآن أ ليس هذا ما ينبغي أن يتعلمه كل خاطئ: أن يقترب إلى الله موقنًا بعدم استحقاقه. لا ينبغي أن أفكر أنه يجب أن أحسِّن ذاتي لأستحق الخلاص بمزاياي الشخصية، بل أن أقبل كما أنا، كخاطئ ضال. وهكذا يقبلني الله .. إنه يفعل ذلك على أساس النعمة المجانية.

 (يُتبَع)

هوجو باوتر