أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2005
الزلزال
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

لقد قال سليمان الحكيم: «نهاية أمر خير من بدايته». ولكن لم يكن الحال على هذا المنوال مع عام 2004. فلقد ختم بزلزلة أرضية فريدة من نوعها بقوة 8.9 رختر جنوب شرق آسيا، في ظاهره لم يشهدها العالم من قبل. وقد تجاوز عدد القتلى 155000 نسمة، وهم حصيلة المد البحري الناجم عن الزلزال العنيف. ومن المتوقع أن تتسبب الأمراض المعدية في مصرع عدد من الأشخاص قد يساوي على الأقل عدد القتلى الذين خلفهم المد البحري. بالإضافة لتغير الخريطة الجغرافية للمنطقة: فقد تحركت بعض الجزر عن أماكنها أكثر من 30 كيلومترًا. وبلغت قوة الضربة ما يعادل تفجير مليون قنبلة ذرية. وهذا بالإضافة لكم الدمار الشامل في قاع المحيط الهندي، الذي أتلف الحياة البحرية والتي لن تعود إلى طبيعتها كما أعلن العلماء قبل قرون.

 وقد انطبق على العالم المثل القائل: ”أول الغيث قطرة ثم ينهمر“. فبعد ظاهرة أسراب الجراد في أكتوبر الماضي، وما خلفته من آثار، جاءنا شهر ديسمبر بالزلزال وما خلفه من بعده من دمار.

 وعلى الرغم من صلوات البعض متضرعين للرب أن يمضي هذا العام بويلاته، ولا يعود مثله، لكني لم أستطع أن أشارك في هذه الصلوات، لأني مقتنع من أن هذا هو بحق أول القطر، وعلينا أن نتوقع انهمار الغيث. وقد يقول قائل: لماذا مثل هذا التشاؤم؟ فأجيب: لأن هذا ما يقوله الكتاب. فبعد أن رُفض مسيح مجمع الناصرة المتواضع، وهو يعلن عن إرسالية الرب له ليكرز بسنة الرب المقبولة (لو4)، والتي امتدت نحو ألفي عام، كان يدق فيها أجراس النعمة لعالم يرزح تحت ثقل خطاياه، ليسرع إليه فيتمتع بخلاصه العظيم. لكن ما زال العالم في حالة الرفض إلى الآن. لذا فقد جاء الوقت ليرى العالم الطرف الآخر للعملة، ويرى إلهًا يشرق بالنقمات (مز94)، وبيوم انتقام ليعزي كل النائحين (إش61)، وهي باقي الآية التي لم يكمل قراءتها حين ذاك في مجمع الناصرة.

 فيا ليت العالم يستفيق من سكره وخماره، وينصت بإرادته إلى أجراس النعمة الهادئة الحانية، قبل أن يضطر مرغمًا أن يسمع أبواق النقمة الغاضبة المدوية.

 لقد ورد ذكر الزلازل في الكتاب المقدس في كل من عهديه القديم والجديد. وكلمة زلزلة في العبرية هي ”رعش“، وهي تعبير عن الهزات الأرضية أو ارتعاش الأرض، وفي اليونانية هي ”سيزمور“ ومنها ”السيزموجراف“ أو جهاز قياس الزلازل.

 هناك العديد من الزلازل المذكورة في الكتاب المقدس سوف نقوم بسردها فقط، مع التركيز على أهم زلزالين واحد منهما غير مجرى التاريخ والجغرافيا، بل وحتى التقويم الزمني في الماضي، والثاني سيغير التاريخ والجغرافيا والتقويم الزمني في المستقبل. الأول مذكور في تكوين 7 وأقصد به حادثة الطوفان، والثاني يختم الله به ضرباته على الأرض في رؤيا 15؛ 16

والزلازل المذكورة في الكتاب مرتبة زمنيًا هي :

(أ) زلزلة في جبل سيناء عند إعطاء الشريعة (خر19: 8؛ عب12: 26).

(ب) انشقت الأرض وابتلعت قورح وداثان وأبيرام وقومهم من سبط لاوي وكل ما لهم (عد16: 31, 32). عند تذمرهم على هارون وبنيه وأرادوا أن يزاحموه في وظيفته الكهنوتية التي أخذها من الله مباشرة «ابتدع الرب بدعة، وفتحت الأرض فاها (انشقت الأرض) وبلعتهم وكل مالهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية»

 (ج) «رجفت الأرض فكان ارتعاد عظيم» عندما ضرب يوناثان معسكر الفلسطينيين في جبعة. وكان هذا على الأرجح تعضيدًا من الله لإيمان يوناثان (1صم14: 15).

 (د) حدثت زلزلة عندما كان إيليا النبي في جبل حوريب (1مل 19: 11).

(هـ) حدثت زلزلة في أيام عزيا الملك ما بين عامي 790، 740 ق.م. ويبدو أنها كانت من القوة حتى إنهم أرخَّوا بها (عا1: 1؛ زك14: 5).

 (و) تزلزلت الأرض وتشققت الأرض عند موت الرب يسوع (مت27: 51- 54).

(ز) حدثت زلزلة عظيمة عند قيامة الرب من بين الأموات (مت28: 2).

(ح) حدثت زلزلة عظيمة في مقدونية عندما كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله في السجن في فيلبي (أع16: 26)، نتج عنها انفتاح أبواب السجن، وفك قيود المسجونين.

 أما بالنسبة للزلزال الذي نتج عنه الطوفان فمن تكوين 1 نفهم أن الله في اليوم الثالث لتجديد الخليقة، جمع المياه التي تحت السماء كلها الى مكان واحد ودعاها بحارًا، واليابسة ظهرت من وسط المياه، كقارة واحدة غير منقسمة كما هو حادث الآن. فوجود كل الأرض في مكان واحد محاطة بالبحار يفسر لنا لماذا كانت حادثة الطوفان عالمية، بل في الواقع كونية، لأن هناك شق من المياه أتى من الجلد الذي في السماء (اليوم الثاني).

 إذا كيف حدث الطوفان؟ سألخص آراء علماء الجيوفيزياء وعلى رأسهم ”ثيودور شوارز“(Theodor Shwartz) وهو أحد العلماء المرموقين،وزميل الوكالة العلمية لتقدم العلوم، والذي كرس 30 عامًا من حياته لإثبات الحقائق العلمية في الكتاب المقدس ولخصها في كتابه: ”عجائب في الأحقاب الجيولجية“ وقد كتب قائلا:

 إن الطوفان حدث نتيجة قوتين متداخلتين أحداهما من أعلى: «انفتحت طاقات السماء»، والأخرى من أسفل «انفجرت ينابيع الغمر العظيم» ... وهذا ما يعرف حاليا باسم موجات المد البحري الناتجة عن الزلازل TSUNAMI. وهي ”حدث نادر جدا“ يعود إلى تراكم هائل للطاقة تحت قشرة الأرض، ينتج عنه انكسار في قاع البحر. وأوضح ”إن هذه الزلازل تنتج عن تغييرات في قشرة الأرض بسبب تجمع طاقة هائلة. وعندما بلغت الطاقة المتجمعة والتغير مستوى خطيرًا، حدث انكسار في القشرة الأرضية تحت البحار“. وأضاف: ”في الحالة التي وقع فيها الطوفان تفاقم الوضع، لأن الانكسار حدث في عرض البحار المحيطة باليابسة، مما تسبب في ارتفاع عنيف في موج البحر لينتقل بسرعة هائلة، وهذا يدعمه الحفريات الكثيرة التي وجدت كاملة في باطن الأرض، مما يثبت أن تلك الكائنات ماتت فجائيًا“.

 أما في سفر الرؤيا فيحدثنا الكتاب عن عدة زلازل عنيفة، لا أجد من الصعب تفسيرها حرفيًا وخاصة بعد ما رأيناه في الزلزال الأخير وهي كالتالي:

1. في الختم السادس رؤيا 6

2. في البوق السادس رؤيا 11 : 13

3. في الجام السابع رؤيا16: 17

في الجام السابع، الذي به أكمل الله ضرباته على الأرض، نسمع صوتاً من السماء: «قد تم» وهناك ثلاث مرات فقط في كل الكتاب ذكرت فيها هذه العبارة: مرة في بدء الخلق (تك2 :1) ومرة عند الفداء في الجلجثة (يو19 :30)، ومرة عند إتمام الضربات (رؤ16: 17). ومن الواضح أن هذه الضربة التي ذخرها الله للنهاية هي أعنف الضربات التي يشهدها كوكب الأرض وأشدها تدميرًا وخرابًا، كما إنها مباغتة ومفاجئة، كما نفهم من الخلفية التي وضعها الروح القدس لسرد الأحداث «فحدثت أصوات رعود وبروق. وحدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الأرض، زلزلة عظيمة هكذا». ومن الواضح أن التعبير الذي استخدمه يوحنا الرائى في وصف هذا الزلزال يجعل كل الزلازل السابق ذكرها في سفر الرؤيا - على الرغم من شدتها - وكأنها لعب أطفال أمام هذا الزلزال الذي سيعصف بكوكب الأرض بمجمله.

 إن علماء الزلازل والبراكين سوف يراقبون بفزع وهلع هذا الزلزال الذي ستعجز أجهزة رختر التي وضعوها للقياس من أن تقيس قوته، فهو خارج المقاييس المعتادة، وستكون آثاره المدمرة فوق كل وصف. وأعتقد أن معظم الزلازال الحادثة حتى الآن كانت الوفيات فيها لا تتجاوز مئات الألوف، ولكن المتبقي من العالم سيسمع حينئذ أرقامًا تصل للملايين. ”ومدن العالم ستسقط“ بل وكل جزيرة هربت، والجبال لم توجد. فإذا كان الزلزال الحالي أطاح ببعض الجزر 30 كم، فسيطيح هذا الزلزال بالجزر والجبال ألوف الكيلومترات.

 أعتقد أن كل تخيل للذهن البشرى يعجز عن وصف كم الدمار الذي سيخلفة هذا الزلزال ”فلم يحدث هذا منذ صار الناس على الأرض“. وإذا كنا نعجز كبشر عن وصفه، فسوف أستعين ببعض الآيات الكتابية التي وصفته. فقد ذكر عنه حجى قائلاً: «لأنه هكذا قال رب الجنود هي مرة بعض قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة» (حج 2: 6).

 وذكر عنه يوئيل 3: 16 «فالرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطي صوته فترتجف السماء والأرض».

 وإشعياء24 : 17 - 21 «عليك رعب وحفرة وفخ يا ساكن الأرض. ويكون أن الهارب من صوت الرعب يسقط في الحفرة، والصاعد من وسط الحفرة يؤخذ بالفخ، لأن ميازيب من العلاء انفتحت، وأسس الأرض تزلزلت. إنسحقت الأرض إنسحاقًا، تشققت الأرض تشققًا، تزعزعت الأرض تزعزعًا، ترنحت الأرض ترنحًا كالسكران، وتدلدلت كالعرزال (كالخيمة في مهب الريح)، وثقل عليها ذنبها فسقطت ولا تعود تقوم».

 يا ليتنا ننحني باتضاع أمام يد الله الممدودة بالنعمة، قبل أن يأتي وقت ننحني فيه قسرًا أمام يده الممدودة للنقمة «لأن السيد رب الجنود يصنع فناءً وقضاءً في كل الأرض» (إش10 :23).

مسعد رزيق