يا له من تاريخ شيق! لقد ابتدأ يهوشافاط حسنًا «وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَهُوشَافَاطَ لأَنَّهُ سَارَ فِي طُرُقِ دَاوُدَ أَبِيهِ الأُولَى، وَلَمْ يَطْلُبِ الْبَعْلِيمَ، وَلَكِنَّهُ طَلَبَ إِلَهَ أَبِيهِ وَسَارَ فِي وَصَايَاهُ لاَ حَسَبَ أَعْمَالِ إِسْرَائِيلَ» (2أخ17: 3). ثم نجده في 2أخبار 18 يُصاهر أخآب، وهو خطأ فادح لا تحمد عقباه. لكننا نجده في الأصحاح التالي وقد تدرَّب بتوبيخ كلمة الله له «أَ تُسَاعِدُ الشِّرِّيرَ وَتُحِبُّ مُبْغِضِي الرَّبِّ؟ فَلِذَلِكَ الْغَضَبُ عَلَيْكَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»، فَرَدَّ الشعب إلى الرب إله آبائهم (2أخ19: 2، 4).
ثم في أصحاح 20 وفى ذروة هذا الشفاء الروحي أتت مشكلة إذ أَتَى بَنُو مُوآبَ وَبَنُو عَمُّونَ وَمَعَهُمُ سُكَّانِ جَبَلِ سَاعِيرَ عَلَى يَهُوشَافَاطَ لِلْمُحَارَبَةِ «فَجَاءَ أُنَاسٌ وَأَخْبَرُوا يَهُوشَافَاطَ: قَدْ جَاءَ عَلَيْكَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ» (2أخ20: 1، 2). فتحركت روح الشعب وتنبهت، والتفتوا في الحال إلى الله، وإذ كانوا منتظرين الله أتتهم كلمة الضمان الرائعة: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ لَكُمْ: لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا بِسَبَبِ هَذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ، لأَنَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ لَكُمْ بَلْ للهِ ... لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحَارِبُوا فِي هَذِهِ. قِفُوا اثْبُتُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ مَعَكُمْ ... لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. غَدًا اخْرُجُوا لِلِقَائِهِمْ وَالرَّبُّ مَعَكُمْ» (2أخ20: 15-17). ومع ذلك لم يذهبوا ليخلدوا إلى النوم، فالحقيقة أنهم «بَكَّرُوا صَبَاحًا وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ تَقُوعَ» (ع20).
وهنا نتعجب من هذا التصرف الجديد، فقد اسْتَشَارَ يَهُوشَافَاطُ الشَّعْبَ، وأَقَامَ مُغَنِّينَ لِلرَّبِّ. وعلاوة على ذلك أنه وضعهم «أَمَامَ الْمُتَجَرِّدِينَ (المُتجنّدين)»، أي أنه صفَّهم في الصف الأمامي «مُسَبِّحِينَ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ»، ليهتفوا قائلين: «احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ» (ع21). يا له من جيش مُميَّز!
لكن لاحظ كم نجح هذا المخطط، لأن الله الذي سبحوه عمل في صفهم. وأما بالنسبة للأعداء «فَانْكَسَرُوا ... سَاعَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى إِهْلاَكِ بَعْضٍ ... وَلَمْ يَنْفَلِتْ أَحَدٌ» (ع22-24)، وكان النصر تامًا حتى إنهم «كَانُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَنْهَبُونَ الْغَنِيمَةَ لأَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَةً» (ع25).
أيها الإخوة: يا ليت كل أيامنا تمتلئ مِن التسبيح لربنا المعبود، وهو ما كان يُميّز ذاك الذي هو في المجد الآن. فمثلاً هناك الثلاثة المزامير 22؛ 40؛ 69 وكل منها يصور الرب في طريق آلامه هنا، إلا أن كلاً منها يشير إلى ترَّنمه.
ففي مزمور 22 نراه كذبيحة الخطية، لكنه يقول: «فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ» (ع22).
وفى مزمور 40 هو المحرقة، لكننا نقرأ «وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَةً لإِلهِنَا» (ع3).
وكذلك في مزمور 69 نراه كذبيحة الإثم، وأيضًا يقول: «أُسَبِّحُ اسْمَ اللهِ بِتَسْبِيحٍ، وَأُعَظِّمُهُ بِحَمْدٍ» (ع30).
لاحظ لفظة “لإِلهِنَا” التي في مزمور 40 فإنها تشير إلى أن هناك آخرين مرتبطين به.
وتأييدًا لذلك ربما نلاحظ أن الابتهاج في الرب هو ترياق فعال ضد الأمراض الروحية. ففي فيلبى 3 نجد المشاكل التي تُهدد مِن الخارج، لكننا نجد
التحريض «أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، افْرَحُوا فِي الرَّبِّ» (في3: 1). وفي أصحاح 4 نجد المشاكل التي تُهدد مِن الداخل، وأيضًا يأتي ذات التحريض، وتتكرر
العبارة: «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا» (في4: 4). فمِن الواضح إذًا أن علينا أن نفرح في الرب، ونُرنم مهما كانت الظروف.
وهكذا، في العهد القديم ربط حبقوق نفسه “برَئِيسِ (إمام) الْمُغَنِّينَ” بالرغم من مواجهته لظروف محبطة ومكدرة (حب3). وفي العهد الجديد ترَّنم بولس وسيلا وهما في السجن (أع16). ومن المؤثر حقًا أن نتذكر أن الرب يسوع وتلاميذه «سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ» (مت26: 30).
ونحن أيضًا لا بد أن نتعلم أن نقول «قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي الرَّبُّ» (مز118: 14).