أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2013
يَضْحَكُ
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
يَضْحَكُ عَلَى جُمْهُورِ الْقَرْيَةِ.  لاَ يَسْمَعُ زَجْرَ السَّائِقِ» (أي39: 7)

هذه العبارة هي ضمن العبارات الذهبية، التي أدلى بها الربُّ نفسُهُ وهو يتكلم إلى عبدِهِ المُبْتَلَى أيوب.  وبالفعل هي ذهبية، فلقد وَعَدَ أليهو أيوبَ في ختامِ حديثهِ، وقبل حديثِ الربِّ مباشرةً: «مِنَ الشِّمَالِ يَأْتِي ذَهَبٌ. عِنْدَ اللهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ» (أي37: 22).

وبدءًا من أيوب 38: 39 وحتى أيوب 39: 30 نجد سباعيةً، ساقها الربُّ ضمن حديثهِ عن عالمِ الحيوان، تبرِزُ دروسًا مُبَسَّطةً، تشرح شيئًا عن سياسةِ اللهِ وصفاتِهِ المتناغمة حتى في إدارتِهِ لعالمِ الخلائقِ غيرِ العاقلةِ، فكم بالأحرَى معنا، الذين «أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!ٍ» (مت10: 31).
في هذه السباعية، وَرَدت كلمة ”الضَحِك“ ثلاث مراتٍ (أي39: 7، 18، 22)، ومِن كُلٍ منها نَتَعلمُ درسًا عملياً هامًا.  ولكنني سأقِفُ تحديدًا على كلمةِ “يَضْحَكُ” في الآيةِ المذكورةِ أعلاه. 

في هذه الآية، نقرأ عن الفراءِ أي الحمار الوحشي، وهذا المخلوق، فكَّ اللهُ رُبُطَهُ أي أطلَقَهُ حُرًّا. والحمار الوحشي هذا، لا يقتات على اللحوم لكنَّ الخُضرةَ هي طعامُه الأساسي، كُنَّا نظنُه يهرَعُ إلى القرى، مُرتجيًّا فلاَّحيها، بحثًا عن الخضرةِ ولكننا نقرأ العكسَ تمامًا: «الَّذِي جَعَلْتُ الْبَرِّيَّةَ بَيْتَهُ وَالسِّبَاخَ (الأرض البور) مَسْكَنَهُ.  يَضْحَكُ (لا يعْتَّد) عَلَى جُمْهُورِ الْقَرْيَةِ.  لاَ يَسْمَعُ زَجْرَ السَّائِقِ.  دَائِرَةُ الْجِبَالِ مَرْعَاهُ، وَعَلَى كُلِّ خُضْرَةٍ يُفَتِّشُ» (أي39: 6-8). وكلمة “يضحَكُ”، هي ليست حرفية، لأن الحمارَ لا يضحك، ولكنها تعني عدم الاكتراث بل وعدم الرغبة في ضوضاء القرية.

  أخي المؤمن، هل أدرَكْنا أن الأرض بكلِّ ما تحمِلهُ مِن خضرةٍ وبكلِّ ما تُعلِنُه مِن حضارةٍ هي ليست سوى بلقَعٍ؟ ألم يضحكْ يعقوبُ الوقور، أقصدُ لم يعْتَّد بكلِّ ما حَمَلَهُ قصرُ فرعون مِن حضارةٍ ورفاهيةٍ، وكأنَّ عينيه الذابلتين، لم يدلفْ إليها نورُ ولا بريقُ هذه الحياة الزائلة مرةً جديدة، كذا يديه المرتعشتين لم تُمسِكا بها؟ ألم يصمم على خلاصةِ الفاهمين: «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً.  قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً» (تك47: 9)؟

  ولكنني لا أقول: “عينيه الذابلتين ويديه المرتعشتين”، كنايةً عن عدمِ المقدرةِ والعجز بل بالعكس، فالإناء وقد اُعيد صياغتُه، بالروعةِ الأدبيةِ الجديدة، مُزيَّنًا بدروس السماء، حَمَلَ “عين ذهنٍ” أي قلبًا مستنيرًا بمناظِر الرب وإعلاناتِه وكأنه طَفَقَ يُغنِّي في وجه فرعون:

                                            فلم أكن مخدوعًا من مجدِ ذا الزمان
                                                                  سمعتُ وصفًا أحلى عن ذلك المكان

  فها الحمارُ الوحشي يضحك على جمهور القرية، ويعقوب يضحكُ على قصرِ فرعون، وها موسى يأباه، وبولس يحسبُها نفاية، فهيا نضحَكُ.


بطرس نبيل