أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2013
وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
وأما يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلاَقَاهُ مَلاَئِكَةُ اللهِ.  وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: هَذَا جَيْشُ اللهِ! فَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ مَحَنَايِمَ» (تك32: 1، 29).
«مَاذَا تَرَوْنَ فِي شُولَمِّيثَ، مِثْلَ رَقْصِ صَفَّيْنِ؟» (نش6: 13).

«فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا» (إش11: 6).

«وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ ... حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ.  وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ ... وَالتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ ... فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ ...  طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلَهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً ... مِنْ أَجْلِ هَذَا افْرَحِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا» (رؤ12: 1-12).

النبي هو مَن يستحضر فكر الله عن الحالة الحاضرة، ويُعلنه لشعبه.  والمقطعان الأولان المذكوران في صدر المقال (تك32: 1، 2؛ نش6: 13)، يُرياننا وجهة معينة مِن الحالة الحاضرة.  لقد ترك يعقوب فدان أرام متجهًا نحو بيت إيل، بيت الله، حيث قابله جمهور من ملائكة الله فدعا اسم ذلك الموضع «مَحَنَايِمَ».  والذي معناه “جيشان” (تك32: 2).  وأيضًا يسأل سليمان سؤاله: « مَاذَا تَرَوْنَ فِي شُولَمِّيثَ؟».  والإجابة هي: «مِثْلَ رَقْصِ صَفَّيْنِ» (إش6: 13).
ومن الصواب أن نقول إننا جيشان طالما كان في كنيسة الله المبشرون والقسوس.  المُبشرون قلوبهم ساخنة ومتسعة تتأجج لأن تأتي بالأخبار السارة المُحرِّرة للنفوس الغالية الهالكة.  وكتابيًا هم متوافقون مع الأمم.  وبصفة عامة تجدهم يتمتعون ببساطة النفس، شغوفين بالاجتماعات الكبيرة، غير ميالين للتأني، وعرضة لتخطي السلطة.

من الناحية الأخرى هناك القسوس القانعون بالاجتماعات الأصغر، الذين يُسرّون بالنظام والترتيب، ويهتمون بالأمور التفصيلية.  كتابيًا هم متوافقون مع اليهود، وعادة تجدهم أكثر صحوًا، ويتقدمون أكثر إلى خدمة المقادس، لكنهم عُرضة للتزمت والتحديد، بل ويتخيلون أن باستطاعتهم السير دون المبشرين.
إذًا هناك جيشان لكن عليهما أن يسيرا معًا كواحد.  لاحظ مثلاً اليهود والأمم في القرن الأول، وكيف استطاعا أن يسلكا كواحد.  يجب أن تكون الوحدة أمرًا بسيطًا ومألوفًا بالنسبة لنا.

لكن هناك وجهات اختلاف أولية أخرى.  هناك الشيوخ والشباب.  فالشباب عرضة لأن ينظروا إلى الشيوخ كمصدر تعطيل بسبب البطء والتشدد.  والشيوخ عرضة لأن يحكموا على الشباب بالجهل والتمرد، وأحيانًا بالتسرع والجرأة الزائدة.  لكن على الشيوخ والشباب أن يتقدموا معًا.  فكل من إبراهيم وإسحاق، وإيليا وأليشع، وبولس وتيموثاوس، يُعلموننا كيف يمكن أن تكون الوحدة مباركة.  في 1بطرس 5 نرى الشيوخ «يُطعِمُون» والشباب «يخضعون» وهذا هو العلاج «أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ ... ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاِخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ ... كَذَلِكَ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعًا خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِالتَّوَاضُعِ، لأَنَّ: اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (1بط5: 1-5).
وهناك أيضًا اختلافات أخرى كثيرة، لكن هذا يكفى.

وفى إشعياء 11: 6 نجد العلاج.  فكيف يمكن أن «يَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا»؟ كيف يمكن أن يتآلف النقيضان ويسكنا معًا في وحدة ووئام، وفي محبة وسلام؟ إن الوضع يبدو مستحيلاً! وهكذا الأمر دائمًا في اجتماعات شعب الرب، حيث الاختلافات في الخصائص الطبيعية والمزاج ووجهات النظر والقدرات.  وأكرر أن هذا يبدو مستحيلاً.  لكن إشعياء يُعطينا العلاج أيضًا: «وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا».  هل تُصدِّق هذا؟!

هذا ما حدث في أعمال 9 حيث كان شاول الطرسوسي مثل الذئب المفترس، وكان حنانيا كالحَمَل الوديع.  وأما شاول فخضع للرب في الطريق إلى دمشق، وكان حنانيا متحيرًا في بادئ الأمر، لكنه هدأ أخيرًا.  أَ لم يخضع كلاهما لقوة وسلطان “الصَبيّ الصَغير”؟ أَ لم يقدهما؟ أَ لا يقودنا نحن؟ وبملاحظة الاثنين يبدو بوضوح أن شاول هو الأقل ميلاً لأن ينقاد، وبالرغم من ذلك فقد خضع لله، لذا يُمكن لحنانيا أن يتشجع.

في رؤيا 12 نجد تعليمًا كهذا بطريقة نبوية.  هل تذكرون المفارقة بين “التِنِّين العَظِيم الأَحْمَر” و“الابن الذَكَر”.  فالأول هو صورة للشيطان نفسه مُجسَّدًا في القوة الحاكمة على الأرض، أما الابن الذكر فهو صورة بديعة للمسيح.  من الوجهة النبوية نحن نعلم أن الشيطان سيُطرح سريعًا، وأن المسيح سيسمو بجلاء فوق كل قوى الشر مجتمعة.  ومن امتيازنا الآن أن نتوقع هذا، وأن يعتلى هذا الابن الذكر من الآن عروش قلوبنا، ويأخذ مكان الصدارة في اجتماعات القديسين.

والآن ما هي سمات الصبي الصغير؟

أولاً: إنه يتميَّز بالشفافية، وهو ما ميز ربنا المعبود الذي قال: «أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً ... وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ» (يو18: 20).  يا لها من كلمات مباركة تلك التي نطق بها!

ثانيًا: يمكن الاقتراب إليه، في حين يدفعك زئير الأسد إلى الهروب.  ويمكن للرب يسوع أن يقولها بأكثر صدق مِن “أَلِيهُوَ بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ”: «هُوَذَا هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ» (أي33: 7).  فالتي كانت خاطئة في المدينة، والأبرص، واللص انجذبوا إليه.  يا ليتنا ننمو لنكون مثله في هذه الأمور!

ثالثًا: إنه ليس مُشْتَكيًا كالشيطان «الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلَهِنَا نَهَارًا وَلَيْلاً»، والذي «طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ» (رؤ12: 9، 10).  لكن بالتباين معه لاحظ دفء قلب الرسول كما نراه في 1تسالونيكى 2 والذي استعلن قلب المسيح إلى خاصته، وكم تنتعش النفوس في جو كهذا!

رابعًا: إن ما يُميز الصبي بحسب فكر الله هو الطاعة التي تأتى به إلى الفرح، لأن الصبي غير المطيع لا يتمتع بفرح فعلي.  فهل يمكن أن نُسرّ أنفسنا ولا نكترث بإخوتنا، دون أن نجني نتائج حزينة لهم، وتعاسة لنفوسنا؟ لكن إن كنا مُطيعين فيُمكننا أن نفرح، حتى في الظروف المعاكسة.  عندما كان الرسول بولس مربوطًا بسلسلة مع أحد العسكر الرومان، كان باستطاعته أن يكتب: «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضاً افْرَحُوا» (في4: 4)، لأنه كان فرحًا.
و“شاول” (الذي معناه “مسؤول”)، صار بولس (الذي معناه “صغير”).  وبالرغم من أنه كان كالصبي الصغير، لكن كان بإمكانه أن يغضب من الشر الشيطاني، كما نرى في معاملته مع عليم الساحر في أعمال 13 لأنه لم يكن ليداهن الشر.  والغضب المقدس هو سمة مباركة، لكنه نادر جدًا هذه الأيام.
ربما نرى تلك الأمور في القديسين إلى حد ما، لكننا نجدها في كمالها فقط في الرب يسوع المسيح.


دانيال و . باترسون