أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أبريل السنة 2006
( 5 ) - علامة استفهام
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«مَا هذَا الَّذِي فعَلتِ؟» (تك13:3)

هذا أول حديث بين الرب الإله وحواء، وكان بعد السقوط، وفيه يتناول الرب الإله ما فعلته حواء، من كسر وصيته بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وإعطاء آدم ليأكل من ثمرها، ونلاحظ أن الرب الإله لم يسألها قائلاً: ”ماذا فعلتِ؟“، بل يشير في سؤاله المتقدم إلى ما فعلته كحقيقة واقعة ومؤكدة، وذلك بقوله: «مَا هذا ..؟»، موجهًا نظرها إليه، وإلى ما أنتجته الخطية فيها وفي آدم من عُري واستحقاق للموت (تك17:2)، وأيضًا إلى العواقب التي سوف تجلبها الخطية من دمار وفساد ومصائب وأمور أخرى رديئة سوف تعم العالم ، بكل ما تعنيه كلمة «مَا هذا ؟».

 ونلاحظ أن الرب الإله لم يُعطِ حواء فرصة للمجادلة أو المناقشة، لكنه حصر أفكارها فيما فعلته، وأمام هذا السؤال وما سبقه من حوار بين الرب الإله وآدم، والذي فيه أقر آدم بالقول: «أكلتُ»، بعد أن ألقى المسؤلية على امرأته (تك13:3)، لم تجد حواء مجالاً للإنكار أو التنصل مما فعلته.

 فأجابت حواء على هذا السؤال بالقول: «الحيَّة غرَّتني فأكلتُ» (تك13:3)، وفي هذه الإجابة نجد ما يلي:

 أولاً: أظهرت حواء ضعفها أمام إغراء الخطية وحيل إبليس (1بط7:3).

 ثانيًا: في هذا الإقرار إدانة لحواء بأنها تستحق الموت، لأنها كسرت وصية الرب الإله «فَحصلت في التعدي» (1تي13:2).

 وهذا كله نتيجة الشهوة (تك6:3)، لأن «الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كَمِلت تُنتِج موتًا» (يع15:1).

 وبالرغم من اعتراف حواء بأنها أكلت، لم ينطق الرب الإله بكلمات القضاء والحكم عليها، لكنه تحول عنها إلى الحية، التي تهيأت للدفاع عن نفسها لتبرر شرها، لكن الرب الإله لم يناقشها، بل نطق بكلمات القضاء الإلهي والحكم عليها (تك3: 15،14).

 هذا وقد تأثرت حواء في حديثها مع الحية بتأثير ثلاثي كما يلي:

  1. غرتها: «الحية غرتني فأكلت» (تك13:3)؛ وهنا نرى العالم في إغرائه.

 إن حديث الحية مع حواء عن الشجرة المنهي عن الأكل منها، أضفى للشجرة بهجة خاصة أمام حواء، دون كل شجر الجنة، فمع أنه «أنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل» (تك9:2)، لكن «رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر» (تك6:3)، وإن كانت الشجرة تشير إلى العالم في مجده (مت8:4)، فنجد أن ثمرتها تشير إلى ما في العالم من مباهج «لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة» (1يو16:2). والمقابلة بين كل من الشجرة وثمرتها، والعالم وما فيه هي كما يلي:

  • شهوة الجسد: بالمقابلة مع ”جيدة للأكل“.
  • شهوة العيون: بالمقابلة مع ”بهجة للعيون“.
  • تعظم المعيشة: بالمقابلة مع ”شهية للنظر“.

 ولم تكتفِ الحية بهذا الإغراء المرتبط بالشجرة، بل أنها أقنعت حواء بأن نتيجة الأكل سيكسب كل من آدم وحواء بصيرة وحكمة إلهية إذ قالت لحواء: «يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر» (تك5:3)، وأيضًا لن تكون هناك عواقب للخطية «فقالت الحية للمرأة: لن تموتا» (تك4:3).

 وهكذا جمَّلت الحية لحواء الشجرة ونتيجة الخطية، وأخفت عنها اللعنة والحقيقة الردية، فوقعت حواء في فخ الإغراء.

  1.  خدعتها: «كما خدعت الحية حواء بمكرها» (2كو3:11)؛ وهنا نرى الشيطان في خداعه. ولأن «الحية أحيل جميع حيوانات البرية» (تك1:3)، فقد استخدمها الشيطان في خداع حواء، لأن هذا يتوافق مع طبيعته الشيطانية، فلم يظهر إبليس نفسه لحواء كعدو لله، بل كصديق للإنسان «لأن الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور» (2كو14:11)، فانخدعت حواء بحيلة الحية ومكرها، فسايرتها في الحديث، إلى أن أسقطتها الحية بالخديعة.
  2. أغوتها: «المرأة أُغويت فحصلت في التعدي» (1تي14:2)، وهنا نرى الجسد في شهواته.

 استطاعت الحية في حديثها مع حواء أن تثير ما فيها من شهوة، وهذه الشهوة من نتاج الجسد، لذلك دنت حواء من الشجرة المنهي عن الأكل منها، وبذلك صارت آلة في يد الشيطان فبدلاً من أن تكون معينًا لآدم، كانت السبب في سقوطه، فقد أخذت من ثمر الشجرة وأكلت، وأعطت رجلها فأكل، وعلما أنهما عريانان.

 وهكذا نجد أن أعداء المؤمن الثلاثة وهم: العالم بإغرائه، والشيطان بخداعه، والجسد بشهواته، قد تحالفوا ضد حواء لإسقاطها .. وقد كان.

 وإن كان الشيطان قد أدخل الخطية وعقوبتها وهو الموت للإنسان عن طريق المرأة، لكن النعمة تنتصر لأنه عن طريق المرأة أيضًا أتي المسيح المخلِّص «نسل المرأة» (تك15:3)، وكما هو مكتوب «لكن لما جاء ملءُ الزمان أرسل الله ابنه، مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس.. لننال التبني» (غل4:4).

 وقبل أن يعود الرب الإله للحديث مع حواء مرة أخرى، كانت قد استمعت إلى الحوار الذي دار بين الرب الإله والحية، وموضوعه نسل المرأه الذي سيسحق رأس الحية، وفي هذا الحوار رأت حواء النصرة على الشيطان، لذلك بعد طردها هي وآدم من الجنة، تطلعت حواء إلى النسل الموعود به «نسل المرأة»، الذي سوف ينتقم لها من الحية، ويرد لها ولآدم العلاقة مع الله التي فُقدت بسبب السقوط، وأيضًا يمجِّد الله الذي أُهين بسبب الخطية «إذ الجميع أخطأوا، وأعوزهم مجد الله» (رو24:3)، لذلك عندما ولدت حواء ابنًا أسمته قايين قائلة: «اقتنيت رجلاً» (تك1:4)، إذ ظنت أنه النسل الموعود به، ولكن لم يكن هو النسل المشار إليه، وخاب ظنها في قايين. ولكن الله له الوقت المعين وهو «ملء الزمان»، ولقد أرسل ابنه، المخلِّص بعد حوالي 4000 سنة.

 فيا من تبحث عن الخلاص، هل وجدته؟ إن كنت قد وجدت المسيح، فأنت قد حصلت على الخلاص. لقد تطلعت حواء إلى الأمام لترى المخلِّص، ولك الآن أن تتطلع إلى الخلف، إلى الجلجثة، لتجد المخلِّص معلقًا على الصليب فاتحًا ذراعيه الداميتين قائًلا: «تعالوا إلىَّ ياجميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (مت28:11). واعلم «أنه ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أع12:4).

نشأت راغب