«كلبوة سكن وافترس الذراع مع قمة الرأس. ورأى الأول لنفسه لأنه هناك قسم من الشارع محفوظًا فأتى رأسا للشعب، يعمل حق الرب وأحكامه مع إسرائيل» (تث33: 20و21)
الآية السابقة هي جزء من الأقوال النبوية التي نطق بها موسى رجل الله قبيل موته، وكانت أقوال بركة، فيقول الوحي: «وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته قال» (تث 33: 1). والعددين السابقين هما عن نبوته أو بركته بخصوص جاد، ونصيبهم في أرض الميعاد.
وتبدأ كلمات موسى بالبركة لجاد، بتوجيه البركة أولاً لله صاحب العطايا الصالحة، فيقول موسى: «مبارك الذي وسَّع لجاد». لقد وسع الرب نصيب سبط جاد، فكانت حدود نصيبه كبيرة. ولذلك فإن الرب يستحق البركة على ذلك.
ثم تأتي الأقوال موضوع السؤال، فيقول موسى: «كلبوة سكن وافترس الذراع مع قمة الرأس». أي أن جاد سكن في حدوده المعطاة له من الرب. فيصوِّره هنا في سكون وهدوء، رابضًا كما تفعل لبوة الأسد، وقد افترست الذراع مع قمة الرأس. بمعنى أنها شلَّت قدرة العدو عن العمل (الذراع)، وشلته أيضًا عن التفكير (قمة الرأس). لقد حارب جاد للحصول على أرضه، ثم سكن في حدوده آمنًا دون مزعج، كما تفعل اللبوة بعد أن تفترس فريستها.
ثم يقول موسى: «ورأى الأول لنفسه». بمعنى أنه اختار لنفسه النصيب الأول. والأول هنا تعني الأفضل. فهو أخذ نصيبه شرق الأردن، حيث كانت الأراضي خصبة وصالحة للرعي (عد32: 1-5). لقد اختار جاد لنفسه أفضل الأراضي لتكون ميراثه.
ثم يقول موسى: «لأنه هناك قسم من الشارع محفوظًا». بمعنى أن ”الشارع“، أو المُشَرِّع، وهو موسى، له نصيب محفوظ هناك. ويعلق داربي على هذا بالقول: إن موسى دُفن في نصيب سبط جاد.
وأخيرًا يقول: «فأتى رأسًا للشعب، يعمل حق الرب وأحكامه مع إسرائيل». أو قد تُترجم كما فعل ”داربي“ في ترجمته أنه ”أتى مع رؤوس الشعب“، أي مع رؤسائه. صورة لما يرد ذكره في يشوع 22: 1-6 من أنهم حاربوا مع إخوتهم في أرض كنعان، رغم أن أرضهم كانت في شرق الأردن. وبذلك فإنهم عملوا حق الرب وحكمه. ونفذوا إرادته وتعليماته (عدد32: 16-33).
والدرس الروحي لنا بسيط جدًا، فعلينا بادئ ذي بدء أن نبارك الرب الذي باركنا. لقد باركنا الله أبونا بكل بركة روحية في السماويات (أف1: 3). ثم إنه لم يدعنا نختار نحن لأنفسنا، بل هو الذي اختارنا لنا، بل بالحري اختارنا نحن لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة (أف1: 4). فكم ينبغي علينا أن نكرم الرب ونباركه على ذلك!
لكن من الجانب الآخر علينا أن نهتم بنصيب المُشَرِّع، أن يكون نصيبه محفوظًا بيننا. والمشرع بالنسبة لنا ليس هو موسى، بل الرب يسوع المسيح، ذاك الذي أقامه الله، ورفَّعه بيمينه ”رئيسًا ومخلصًا“ (أع5: 31). وعندما يأخذ المسيح حقه في اجتماعاتنا فإننا في هذه الحالة نعمل مع إخوتنا حق الرب وأحكامه.
ونحن إذا فعلنا ذلك سيكون لنا امتياز مزدوج: أننا سنسكن في هدوء وسلام مع إخوتنا، في اجتماعاتنا المحلية، كما وسنتسع في أملاكنا الروحية لمجد سيدنا.
أمران في منتهى الأهمية، وبهذا الترتيب. يأخذ الرب مكانه، فتنعم الكنيسة بالسلام، من ثم نتجه إلى الخارج لكي نتسع لمجد المسيح. ونحن نجد فكرة الترتيب في الكنيسة المحلية هي موضوع رسالة كورنثوس الأولى الرئيسي، بينما الاتساع والامتداد لمجد المسيح هي موضوع الرسالة الثانية لكنيسة كورنثوس.