أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2009
خمس خطوات تقود إلى الفشل والخراب
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَلُوطٌ ... َنَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ» (تك13: 12)

يفشل الناس لعدة أسباب، ولكن هناك دائمًا شيء مشترك في كل حالات الفشل، ألا وهو أن الفشل عملية تدريجية لا تحدث فجأة. وينطبق هذا الأمر على الحياة المسيحية أيضًا، فالمؤمنون لا يفشلون فجأة، ولكن الطريق إلى الفشل عبارة عن رحلة طويلة يسلكها الإنسان خطوة خطوة.

قصة لوط التى نقرأ عنها في تكوين13، 14، 19 هي قصة بائسة لأب فشل في القيام بدوره. لوط كان مؤمنًا بلا شك، ففي 2بطرس2: 7، 8 يُذكر اسمه ثلاث مرات مقترنًا بصفة "البار". لكن «لوط البار» فشل في استخدام حياته لمجد الله وسلك طريق الفشل. ومن الممكن أن يحدث هذا لأي مؤمن. فالمؤمن إما أن يبني حياة يُكرم فيها الله، أو يهدم حياته ويجعلها أنقاضًا، وهذا فيما يخص القيم الأبدية (1كو3: 11-15).

كم سيكون شيئًا مؤسفًا ومخجلاً الوقوف أمام الرب وإعطاء حساب عن حياة فارغة وضائعة (2كو5: 10)، مع أن هذا النوع من الفشل لا يحدد مصير الإنسان ليكون في السماء أو جهنم، إلا أنه يوجد العديد من الأجزاء في كلمة الله، تدفع المؤمن غيرالمطيع إلى التأكد من التزاماته في حياته وأمر خلاصه (يو15: 4-6؛ كو1: 23). ولنتأمل معًا الخطوات الخمس المؤدية للفشل، والتي نراها واضحة في قصة لوط، ولنبذل أقصى جهدنا للابتعاد عنها:

الخطوة الأولى: نظرة ورؤية خاطئة

جاءت أولى خطوات لوط على طريق الفشل نتيجة للنظرة الخاطئة التى ينظر بها للأمور. اختار اختيارًا تميز بالأنانية الشديدة «فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ» (تك13: 11). كان اختياره مبنيًا على ما بدا وقتها أنه الأفضل لمصالحه «فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ» (تك13: 10). لم يأخذ في اعتباره أن تلك المدن الشريرة التي تقع في الوادي كان مقدرًا لها الهلاك «قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ» (تك13: 10). كان للوط نظرة ورؤية خاطئة للأمور، لأنه لم يكن في شركة مع الله. وهكذا تكون رؤية أي مؤمن لا يتمتع بالشركة مع الرب، وستتصف بالأنانية والعالمية وقصر النظر.

يبدأ معظم المؤمنين، مثل لوط، سلوك طريق الفشل، عندما "يرفعون عيونهم" ليروا كل الإمكانيات والفرص التي يقدمها العالم. من الطبيعي أن يختار الإنسان ما سيجلب له أكبر قدر ممكن من اللذة والغنى والقوة، لكن تلك هي النظرة الخاطئة، فكلمة الله تقول إن العالم وما يقدمه يزول (1كو7: 31؛ 1يو2: 17)؛ كل هذا العالم سيقع تحت دينونة الله مثل سدوم وعمورة. إنها مجرد مسألة وقت قبل أن تهلك الأرض ويأتي مكانها «سَمَاوَاتٍ جَدِيدَة وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ» (2بط3: 13).

لن يسعى أي مؤمن يفكر تفكيرًا سليمًا لأن يخزن ويكنز في هذا العالم الحاضر. فهل ستضع مالاً في بنك أنت تعلم تمامًا أنه سيشهر إفلاسه في اليوم التالي؟ وهل ستشترى بيتًا تقول السلطات إنه على وشك الانهيار؟ بالطبع لا! لكن هذه صورة رمزية لما يعمله البعض بحياتهم، لأن عندهم رؤية عالمية وطبيعية، فهم يستثمرون وقتهم وطاقتهم في أشياء ليس لها أية قيمة أبدية. المؤمن ذو الرؤية الخاطئة هو في طريقه حتمًا إلى حياة الفشل والسقوط.

يا له من تناقض كبير بين لوط وإبراهيم! إبراهيم كان مؤمنًا أمينًا ويرى الأمور بنظرة صحيحة، كما كان يتمتع بشركة قوية مع الله. بالرغم أنه كان يشارك لوط في بعض الصفات الوراثية، والخلفية الاجتماعية والمحيط الثقافي (تك11، 12)، إلا أنه كانت له نظرة مختلفة جدًا للأمور، لأنه سار مع الله. لاحظ في تكوين13: 4، 5 كيف عبد إبراهيم الرب عندما جاءوا إلى مذبح بيت إيل «وَدَعَا هُنَاكَ أَبْرَامُ بِاسْمِ الرَّبِّ». لوط كان مؤمنًا أيضًا لكننا لا نقرأ أنه صلى أو دعا باسم الرب. لا نقرأ عنه إلا «وَلُوطٌ ... كَانَ لَهُ أَيْضًا غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ».

وماذا عنا نحن؟ هل نأتي للحياة ونتناولها بنظرة إبراهيم أم بنظرة لوط؟ في عبرانيين11: 10 نعرف أن إبراهيم «كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ». كان يتكل بالإيمان على مواعيد كلمة الله له (تك12: 1-3). لم يكن منشغلاً أو مهتمًا بمدن أرضية من صنع البشر كسدوم وعمورة، بل كان ينظر لأساسات أقوى وهي قيم الله الأبدية. تُرى إلى أي نوع من المدن ننظر؟

الخطوة الثانية: التصالح مع العالم

الخطوة الثانية للوط نحو الفشل نراها في تكوين13: 12 عندما «نَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ». لم ينتقل إلى سدوم بعد! لكنه اقترب من العالم. عادة هذه الخطوة هي الخطوة الثانية التي تؤدي إلى السقوط الروحي. لا نعتبر هذه المرحلة مثل العيش في خطية ما بصورة فاضحة، لكنها مجرد خطوة في الاتجاه الخاطىء. العمل بوظيفة ذات راتب مغر لكنها تورطك في ممارسات غير شريفة، الاشتراك في نشاطات مدرسية متعددة تلهيك عن حضور الاجتماعات أو المؤتمرات، إقامة علاقة عاطفية مع شخص غير مؤمن لكن جذاب جدًا، كل هذه الأمور قد تبدو خطوات بريئة لكنها تسير في الاتجاه الخاطىء. كان الأمر مجرد مسألة وقت في حالة لوط قبل أن ينتقل إلى سدوم. وعندما نصل إلى تكوين14: 10 نجده قد انتقل ليعيش في سدوم.

نرى العكس يحدث للمرة الثانية ففي ع 18 نقرأ أن إبراهيم أيضًا نقل خيامه، لكن ليس إلى سدوم، بل إلى حبرون «فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ وَأَتَى وَأَقَامَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الَّتِي فِي حَبْرُونَ» وأيضًا «بَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ». لم يكن هناك مذبح بالقرب من سدوم! ونقرأ أيضًا أن الله وعد إبراهيم بالأرض كلها (تكوين13: 14-17). يا له من درس! فكلمة الله تقول وتؤكد أن الرب يسوع سيأتي ثانية ويقيم مملكته على هذه الأرض (2تي4: 10)، وتعد المؤمنين الأمناء الصابرين في هذه الحياة، بنصيب وافر في ذلك الملكوت (يع2: 5؛ 2بط1: 5-11؛ 2تي2: 12). لنحرص على ألا نفقد مكافآتنا!

الخطوة الثالثة: الاندماج والتورط في العالم

في تكوين14 وبسبب اختلاط لوط بأهل سدوم، صارت مشاكل هذه المدينة الشريرة كأنها مشاكله. لكن إبراهيم ـ من الناحية الأخرى ـ كان بعيدًا عن حروب ومنازعات سدوم. ابتعاده لا يعني بالضرورة لا مبالاة وعدم اكتراث، بل كان قلقًا على حالة سدوم، وبخاصة حالة لوط، فهو مؤمن مثله ويمت له بصلة قرابة وثيقة. وفي النهاية لم يقف ساكنًا! يا له من درس ثمين لنا هنا عن علاقة المؤمن المناسبة بالعالم. إذا سرنا مع الله سيخلصنا من هموم واضطرابات العالم، لكن ينبغي أن ندرك أن علينا مساعدة الذين وقعوا فريسة بين أنيابه، مما يحتم علينا أن نعمل ما بوسعنا لإنقاذ إخوتنا وأخواتنا الضعفاء.

علينا أن نفكر مثل إبراهيم: ليس بالضرورة أن نصبح جزءًا من سدوم لمساعدة أناسها، لكننا أحرار خصيصًا لنمد يد المساعدة لهم، لأننا لسنا جزءًا من النظام السائد هناك. قال الرب يسوع إننا سنكون على اتصال بالعالم ولكن ليس جزءًا من نظامه الشرير (يو17: 9-23). لاحظ أن إبراهيم لم ينخدع بملك سدوم ولا بغنائم النصرة (تك14: 21-24)، ولم يكن صدفة أن ملكي صادق جاء في ذلك الوقت ليبارك ويشجع إبراهيم، فالله له دائمًا طرق وأساليب ليمدنا بالقوة اللازمة في الأوقات الصعبة.

الخطوة الرابعة: الانخداع والوقوع في شرك العالم

نرى في تكوين19 أن لوطًا قد وقع بالكامل في شرك شؤون سدوم، وهى خطوة منطقية أخرى، وثالث خطوة نحو السقوط. كان على لوط أن يتعلم درسًا عندما أظهر له إبراهيم محبته بإنقاذه من الأسر (تك14)، لكن المؤمن الضعيف يصبح قلبه متقسيًا نحو المحبة والتفكير المنطقي السليم. تخيلوا قدر الإحباط الذي شعر به إبراهيم، من المؤكد أن البعض منا يتفهم موقفه لأنه اجتاز فيه. قد يتطلب الأمر أحيانًا حادثًا فظيعًا أو صدمة عنيفة لإخراج مؤمن من سدوم. زيارة ملائكة ونار من السماء نجحت أخيرًا في إخراجه من سدوم، لكن بعد صراع ومماطلة وخسارة (تك19: 15-29).

ومقاومة لوط في الرحيل لم تكن المؤشر الوحيد على انغماسه في سدوم. إذا درسنا هذه الأصحاحات دراسة دقيقة فسنجد أنه من المحتمل أن يكون قد تزوج بامرأة من سدوم، وتخلص من خيامه، واشترى بيتًا في سدوم ليقيم فيه بصفة دائمة. سكن مع أسرته في سدوم، وبالطبع كان من الصعب قطع تلك الجذور والروابط الأسرية. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يبدو أن لوطًا قد وقع في شراك الفساد السياسي لسدوم. فعندما جَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً «كَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ» (تك19: 1)؛ تعبير يعني تورطه في إدارة شؤون سدوم.

قد يبدو الأمر أن لوطًا كان يحاول أن يقوم بحركة إصلاح في المدينة، لكن من الجدير بالملاحظة أن شهادة إبراهيم وهو خارج المدينة، كانت أقوى تأثيرًا من شهادة لوط المقيم داخل المدينة. المؤمن المنخدع من العالم مثل لوط قد لا يكون متورطًا في خطايا أهل العالم الفظيعة كالشذوذ الجنسي والعنف والقتل (تك19: 2-9)، لكن تفكيره يصبح ملتويًا ومشوهًا (تك19: 8)، لأنه فقد شركته مع الله. وقد يسخرون ويتجاهلون أي آثار صغيرة لشهادته (تك19: 14). المؤمن الساقط وقتها تصبح حالته بائسة ومؤسفة.

الخطوة الخامسة: فقدان كل شيء

المشهد الأخير في قصة لوط مشهد حزين للغاية. الله في مراحمه الواسعة أنقذ حياته، لكن الخطوة الخامسة على طريق الفشل تؤدى إلى فقدان كل شيء: الوظيفة والبيت والممتلكات والزوجة. صحيح أن لوطًا استطاع إخراج ابنتيه من سدوم، لكنه لم يستطع إخراج سدوم منهما. ومن علاقتهما الشاذة النجسة مع أبيهما جاء "موآب" و"عمون"، شعبان مررا حياة شعب الله لسنين طوال (تك19: 30-38).

فشل لوط، الذي بدأ باختيار واحد قام به، كان له نتائج مدمرة عليه وعلى أسرته، وعلى كل إسرائيل فيما بعد. إن قصة لوط بمثابة تحذير لكل مؤمن وخاصة الآباء والتحذير هو: لا تسلك طريق الفشل