داود وتابوت الله
يمكننا وصف ما فعله داود وهو يُحضر تابوت الله إلى أورشليم (2صم6) بأنه ”عمل صحيح بطريقة خاطئة“، وهو يُعلّمنا أن عمل الله لا د أن يُعمل بطريقة الله. حاول داود نقل تابوت العهد على عَجَلَة، ولكن الله كان قد سبق وأعطى تعليمات صريحة بخصوص نقله، فكان على بنو قهات حمل التابوت بالعصي على أكتافهم (عد7: 9؛ 1أخ15: 13- 15).
كان تابوت العهد يمثل حضور الله في وسط شعبه كما كان أيضًا رمزًا للمسيح. قبل أن يُؤخذ التابوت، كان يستقر في قدس الأقداس، وعليه كرسي الرحمة، حيث يتقابل الله مع شعبه. والتابوت هو من أوضح الرموز التي تتكلم عن المسيح في العهد القديم. فكان مصنوعًا من مادتين: ”ذهب نقي“، إشارة إلى لاهوت المسيح، و”خشب سنط“ شارة إلى ناسوته. فالتابوت في تركيبه هذا رمزًا رائعًا لحقيقة مجيدة ألا وهي أن ”الله ظهر في الجسد“.
لقد استولى الفلسطينيون على التابوت في أيام صموئيل، ولكنه رجع مرة أخرى لإسرائيل على عَجَلَة، وتُرك في بيت أبيناداب الذي يقع على بعد حوالي 13 كم غرب أورشليم، حيث ظل هناك لمدة 70 سنة. وعندما فتح داود أورشليم، أراد أن يُحضر التابوت هناك لأنه شعر أن هذا هو مكانه الصحيح.
في 2صموئيل 6 سأل داود رجاله المنتخبين عن كيفية إحضار التابوت لأورشليم، وهذه كانت غلطته الأولى. فبدلاً من أن يسأل الرب كما فعل في حربه مع الفلسطينيين (1صم23: 2، 4، 10، 12)، نراه هنا يتشاور مع رجاله (2صم6: 1؛ 1أخ13: 1، 2)؛ وبدلاً من استشارة الكتاب التمس نصيحة البشر. يخبرنا أمثال 3: 6 «فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ». وفشلنا في هذا لا بد أن يؤدي إلى كارثة. وهذا ما حدث في قضية داود، فطريقته الخاطئة لحمل تابوت الله أدت إلى موت عُزة.
«فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ اللَّهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو، ابْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ الْجَدِيدَةَ» (2صم6: 3). وهذه كانت غلطة داود الثانية، أن يُحمل تابوت الله على ”عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ“. هذا ما فعله الفلسطينيون عندما أرجعوا التابوت لإسرائيل حيث جعلوا التابوت على ”عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ“ (1صم6: 7- 8). فبدلاً من الانتباه للتعليمات الإلهية بوضع التابوت على أكتاف اللاويين (القهاتيين)، تجاهل داود مشيئة الله المعلنة واتَّبع الأفكار البشرية. فمع أن إحضار التابوت إلى أورشليم يُعد عملاً نبيلاً، ومع أن دوافع داود كانت مخلصة، إلا أنه نفَّذ ذلك بطريقة خاطئة. عندما نقل الفلسطينيون التابوت بطريقة خاطئة، لم يكن عندهم علم بأسلوب الله. فعندما نعرف طريقه ونتجاهله حينئذ نصبح مسؤولين عن ذلك.
لقد أعطى الله تعليمات محددة لنقل التابوت، ولكن داود لم يتَّبعها. فكان ينبغي تغطية التابوت، وإدخال العصي في الحلقات، ثم يحمله بنو قهات على أكتافهم (عد7: 9). هذه كانت طريقة الله. أما نقله على عجلة تجرها الثيران فهذه هي طريقة الإنسان. وإذا لم نتبع طريقة الله في الخدمة سوف تأتي النتيجة مأساوية.
«فَأَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ مَعَ تَابُوتِ اللَّهِ. وَكَانَ أَخِيُو يَسِيرُ أَمَامَ التَّابُوتِ، وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ» (2صم6: 4-5). ولأن داود كان عازفًا أحضر التابوت لأورشليم في جو مليء بالموسيقى.
موت عُزة
أدَّت طريقة داود الخاطئة في إحضار التابوت، لموت عُزة. كانت تعليمات الله واضحة بخصوص التابوت ”ممنوع اللمس“. «يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو قَهَاتَ لِلحِمْلِ وَلكِنْ لا يَمَسُّوا القُدْسَ لِئَلا يَمُوتُوا» (عد4: 15). وإذ كان التابوت على العجلة انشمصت الثيران. والرب سمح للثيران بأن تنشمص ليكشف خطأ داود. «مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللَّهِ وَأَمْسَكَهُ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ (تَعَثَّرَتْ)». خاف عزة على التابوت من السقوط فتدخل ليتفادى وقوع الكارثة. ولكن هذا كان عصيانًا «فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ، وَضَرَبَهُ اللَّهُ هُنَاكَ لأَجْلِ غَفَلِهِ، فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ اللَّهِ» (2صم6: 6-7). فعصيان أمر الله أدى إلى دينونة إلهية.
غضب داود وخوفه
«فَاغْتَاظَ دَاوُدُ لأَنَّ الرَّبَّ اقْتَحَمَ عُزَّةَ اقْتِحَامًا» (2صم6: 8). وهذه كانت غلطة داود الثالثة. فلا يصح أبدًا أن نلوم الله. فجاء تصرف داود مؤسفًا، لأن الرسول يحرضنا «يَا ابْنِي، لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ» (عب12: 5). فكان ينبغي على داود أن يخضع تحت يد الله القوية (1بط5: 6)، معترفًا بفشله ومصححًا لخطأه. فمهما كان تأديب الله مؤلمًا، علينا أن نقبله بخضوع لأنه ينبع من محبة الله، ويُرتَّب بحكمة إلهية لمنفعتنا نحن (عب12: 10).
«وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَالَ: كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ الرَّبِّ؟» (2صم6: 9). وهكذا وصلنا إلى غلطة داود الرابعة. لقد استحوذ الخوف على داود بسبب موت عُزة. يجب أن نركز هنا على أمرين لنوضح مبدأ هامًا ونتعلَّم درسًا نافعًا:
أولاً: خوف داود كان سببه إيمان غير فعَّال. فهناك علاقة قوية بين الإيمان والخوف؛ فإذا كان الأول هو المسيطر سيكون الآخر ساكنًا، والعكس صحيح. وهذا تؤيده آيات كثيرة مثلاً «هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي، فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ» (إش12: 2). فعندما نشعر بالخوف يجب علينا أن نصرخ للرب ليقوي إيماننا «فِي يَوْمِ خَوْفِي أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ» (مز56: 3).
ثانيًا: كان إيمان داود غير فعال بسبب عصيانه، فلم يتصرف بحسب مشيئة الله المُعلنة. ولأن الإيمان هو عطية الله، فلا يمكن زيادته إلا بواسطة روح الله. فالخوف يدل على ثلاثة أمور: إيمان غير فعال، إحزان الروح القدس، وتصرفات لا تُرضي الله. وعلاج كل هذا، هو أن نجعل قلبنا على طرقنا (حج1: 5)، ونعترف بخطيتنا، ونسلك في طريق الطاعة.
«وَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَيْهِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، فَمَالَ بِهِ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ» (2صم6: 10). وهذه هي غلطة داود الخامسة. لقد تمكن منه الخوف حتى شلَّه تمامًا، فعدل عن غرضه النبيل بإحضار التابوت لأورشليم. وهكذا نرى أن الخطية الواحدة تقود عادة للخطية الأخرى. فالأمر بدأ بالعصيان، الذي نتج عنه إحزان الروح القدس، وبالتالي تعطل عمله، مما أدى إلى إيمان غير فعال، وهو ما جاء بالخوف وتسبب في التراخي.
التابوت في بيت عوبيد أدوم
«وَبَقِيَ تَابُوتُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ» (2صم6: 11). لقد كان عوبيد أدوم ”جتي“ أي فلسطيني (يش13: 3)، مثل جليات، فالجتيون هم سكان جت (1أخ20: 5). والعجيب أن داود وهو رجل بحسب قلب الله، رفض أن يفعل أي شيء مع التابوت بسبب الخوف، بينما في نفس الظروف يقبل فلسطيني التابوت في بيته لمدة ثلاثة أشهر. كثير من المفسرين يعتقدون أن أدوم الجتي قد تغير فعلاً وأصبح من أتباع الرب؛ ولهذا السبب نراه يُقدِّر كل ما يخص الرب. إن كلمة ”عوبيد“ تعني ”خادمًا“، وهو قدم بالفعل خدمة حقيقية للرب عندما استضاف تابوت الرب.
وما يؤيد أن عوبيد أدوم كان مؤمنًا حقيقيًا، هو أن الرب باركه هو وكل بيته. والرب أعلن «حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي» (1صم2: 30). فعوبيد أدوم أكرم الرب بقبوله للتابوت، وبالتالي أغدق الرب البركة عليه وعلى بيته. فما خسره داود بسبب العصيان كسبه عوبيد أدوم بسبب الطاعة.
يمكننا أن نستخلص درسًا آخر من بركة عوبيد أدوم بسبب قبوله للتابوت في بيته؛ فنظرًا لأن التابوت يرمز للمسيح، فيكون إذا سكن قلوبنا بالإيمان وأعطيناه المكانة الأولى في تفكيرنا، لا بد أن نحصل على البركة. وإذا سلمنا أنفسنا لسيادة المسيح، ومثل عوبيد أدوم كان لنا التوجه في خدمة ابن الله، وأعطيناه المكانة التي تليق به في السمو، فسوف نحظى بالبركة بالتأكيد.
«فَأُخْبِرَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَقِيلَ لَهُ: قَدْ بَارَكَ الرَّبُّ بَيْتَ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ مَا لَهُ بِسَبَبِ تَابُوتِ اللَّهِ. فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ اللَّهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ» (2صم6: 12). هناك خمسة أمور تستحق الانتباه في هذه الفقرة:
أولاً: لابد أن تُكافأ الطاعة بالبركة، بينما يجلب العصيان التأديب.
ثانيًا: بركة الرب في منتهى الوضوح، حتى إن الآخرين لا بد أن يلحظونها.
ثالثًا: سوف يدرك الآخرون السبب في هذه البركة، ففي حالتنا هذه بُورك بيت عوبيد أدوم، وفهم الناس سر هذه البركة.
رابعًا: لا بد أن يتكلم الناس بعضهم مع بعض عن تقديرهم لبركة الله على من يرضونه ويخافوه.
خامسًا: كان لبركة الرب على عوبيد أدوم تأثيرها الواضح على داود، فسكن خوفه، واشتعل حماسه من جديد حتى إنه تشجع في استئناف خطته الأصلية في إرجاع التابوت إلى أورشليم.
رد نفس داود
إن داود الذي رأيناه وقد ضل الطريق، نراه الآن يستعيد شركته مع الرب، وبرهن على ذلك ما يلي:
الفرح: « فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ اللَّهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ» (2صم6: 12).
الرقص: «وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ أَمَامَ الرَّبِّ» (2صم6: 14).
الموسيقى: «فَأَصْعَدَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ تَابُوتَ الرَّبِّ بِالْهُتَافِ وَبِصَوْتِ الْبُوقِ» (2صم6: 15).
الذبائح: كان داود «كُلَّمَا خَطَا حَامِلُو تَابُوتِ الرَّبِّ سِتَّ خَطَوَاتٍ يَذْبَحُ ثَوْرًا وَعِجْلاً مَعْلُوفًا ... وَأَصْعَدَ دَاوُدُ مُحْرَقَاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ» (2صم6: 13، 17).
البركة: «بَارَكَ (داود) الشَّعْبَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ» (2صم6: 18).
الطعام: «وَقَسَمَ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ ... عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ ... وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ» (2صم6: 19-20).
احتقار ميكال، وعقابها
«وَلَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ الرَّبِّ مَدِينَةَ دَاوُدَ، أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الْكُوَّةِ وَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَطْفُرُ وَيَرْقُصُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا» (2صم6: 16). وهنا نرى ما كدَّر على داود يومه السعيد الذي فيه أحضر التابوت لأورشليم، فميكال زوجة داود لم تستطع أن تشاركه حماسه تجاه الله، فأزعجتها غيرته واستنكرت فرحته. وبالتأكيد أن الشيطان العدو اللدود لشعب الله كان وراء تصرفات ميكال. فموقفها كان مليئًا بالجحود تجاه من كان في قمة الإخلاص لها، حتى إن داود رفض أن يقبل التاج الملكي إن لم ترجع ميكال إليه (2صم3: 13).
«فَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لاِسْتِقْبَالِ دَاوُدَ، وَقَالَتْ: مَا كَانَ أَكْرَمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ الْيَوْمَ، حَيْثُ تَكَشَّفَ الْيَوْمَ فِي أَعْيُنِ إِمَاءِ عَبِيدِهِ كَمَا يَتَكَشَّفُ أَحَدُ السُّفَهَاءِ!. فَقَالَ دَاوُدُ لِمِيكَالَ: إِنَّمَا أَمَامَ الرَّبِّ الَّذِي اخْتَارَنِي دُونَ أَبِيكِ وَدُونَ كُلَّ بَيْتِهِ لِيُقِيمَنِي رَئِيسًا عَلَى شَعْبِ الرَّبِّ إِسْرَائِيلَ، فَلَعِبْتُ أَمَامَ الرَّبِّ. وَإِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذَلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي، وَأَمَّا عِنْدَ الإِمَاءِ الَّتِي ذَكَرْتِ فَأَتَمَجَّدُ. وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ وَلَدٌ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا» (2صم6: 20-23).
ترينا الفقرة السابقة كيف أن زوجة داود المفضلة انقلبت ضده، ولامته بظلم على تكريسه وولائه للرب، وبالرغم أن ميكال هي زوجة داود إلا أنه عندما ذُكر اسمها في الفقرة السابقة نراه مرتبطًا ثلاث مرات بعلاقة مختلفة، إذ يقول عنها إنها ”بنت شاول“ (ع16، 20، 23). وهذا يحمل لنا رسالة واضحة. فتسمية ميكال ”بنت شاول“ ليس فيه أية كرامة، بل هو عار وخزي، وذلك لأنها لا تهتم بمجد الله، فلم تستطع مشاركة ابتهاج وفرح زوجها بإحضاره تابوت الرب لأورشليم، ولم يعجبها أن داود وضع رداءه الملكي جانبًا، واتهمته بالسفاهة.
في رد داود على ميكال، نراه لا يجد سببًا يخجل منه، فكل تصرفاته كانت من أجل مجد الله. فميكال نظرت إلى داود من خلال عدسات مشوهة، وما رأته عيناها بدا لها عار وسفاهة، ولكن ضمير داود كان صافيًا. فقال: «وَإِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذَلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي» (2صم6: 22)، وما قصده داود من كلامه هو أنه إذا اعتُبر تخليه عن رداءه الملكي ”تكشفًا“، فهو يضع نفسه أكثر من ذلك أمام الله. فجاء جواب داود متهكمًا على اتهام ميكال.
ولكن هناك أمرًا يجب أن نقف له بهيبة في آخر هذه القصة: «وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ وَلَدٌ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا» (2صم6: 23)، وما هذا إلا عقاب إلهي على ميكال، إنه قصاص عادل على خطيتهاـ حيث احتقرت زوجها ظلمًا، وهو الرجل الذي بحسب قلب الله. والرب قد أعلن «الَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ» (1صم2: 30). وميكال لم تحتقر داود فحسب بل احتقرت سيده أيضًا، فما كان عقمها إلا ترجمة عملية لكونها ”تصغر“ مِن ذاك الذي يفحص القلوب. ولا بد لنا أن ننبه قلوبنا جيدًا لهذا: لا يجب مطلقًا أن نتكلم بشر على رجال الله، لئلا يصبح العقم الروحي هو نصيبنا.
موريس بسالي
العدد القادم: ”داود ومفيبوشث“