معمودية الروح القدس
مواهب الروح القدس
أفسس4؛ كورنثوس الأولى12- 14
الهدف من إعطاء المواهب الروحية
دعونا الآن نتأمل قليلاً في هذه المواهب التي أعطاها المسيح لكنيسته على الأرض بسبب محبته لها. وفي البداية لاحظوا الهدف من إعطائها: «لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح» (أف4: 12). إنه من الجميل أن نرى الطريقة التي يقدم بها الروح أهداف الرب من إعطاء هذه المواهب. أول كل شيء، نجد الهدف الأساسي والنهائي من إعطائها «تكميل القديسين». أي أن القديسين يُحْضَرون أفرادًا إلى التقدير والتمتع بما يخصهم في المسيح. إن الحق هو للفرد أولاً. فإذا لم نكن أصحاء وعلى حق كأفراد، فكيف يمكن أن نكون أصحاء وعلى حق معًا كجماعة؟ وإذا لم نكن سعداء كأفراد، فكيف يمكن أن نكون سعداء كجماعة؟ وإذا لم نكن فرحين في الرب كأفراد، فكيف يمكن أن نكون هكذا في مجموعنا؟ لذلك، هنا، كما هو الحال دائمًا، نجد الحالة الشخصية تُذكر أمامنا أولاً. ثم تأتي الواسطة لإنجاز هذا الغرض ”لعمل الخدمة“. إن المواهب في ممارستها تؤدي إلى عمل الخدمة في مظاهر ونواحي متنوعة. هذا كما ذكرت سابقًا، هو ثمر عطية المسيح، وليس ناتجًا عن الذكاء البشري، أو المعرفة الإنسانية. ربما يكون الشخص متكلمًا لامعًا، لكن، في وسط الجماعة، إذا لم يكن له قوة روحية، فليس لديه القدرة أن يخدم لأجل المنفعة الحقيقية. ربما تجد أُناسًا قادرين أن يتكلموا بطلاقة، لكن إذا لم يمتلكوا موهبة من المسيح، فلا يوجد إطلاقًا أية نعمة أو مسحة أو قوة في كلامهم. وهنا نتذكر ما ذُكِرَ في سفر الأمثال «سحاب وريح بلا مطر الرجل المفتخر بهدية (أو موهبة gift) كذب». (أمثال25: 14). إنكم تتوقعون عبثًا أي انتعاش أو تعزية. ومن الوجهة الأخرى، ربما تجدون شخصًا غير فصيح أو طَلِق اللسان، إلا أن خدمته ـ التي هي ثمر موهبة من المسيح ـ تكون ثمينة جدًا، وقيِّمة، ونافعة للقديسين. والرسول بولس متحدثًا عن نفسه، يقول إن البعض حكموا أن «حضور الجسد ضعيف، والكلام حقير» (2كو10: 10). لكن لا يمكن لأي شخص أن يقول إن خدمته كانت حقيرة، ولا حتى أعداؤه استطاعوا أن يقولوا ذلك.
كان هناك أيضًا لأجل هذا الغرض وهو تكميل القديسين: «بُنيان جسد المسيح» ـ أي بناء ونمو جسد المسيح. هذا يعطينا الغرض الواضح للرب من إعطاء هذه المواهب، وهو مستمر في إعطائها. أما الفائدة من إعطائها، وما هو فكره العجيب من منحها فهو «إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف4: 13). لذلك، فإن ما يحتاجه القديسون هنا سيزودون به باستمرار بواسطة رأس الكنيسة، طالما يستمر وجود الجسد على الأرض. ولن توجد لحظة أثناء رحلة الكنيسة عبر العالم، سوف تكف هذه المواهب عن الوجود. لذلك كيفما كانت المواهب اللازمة لبركة النفوس، ولأجل نمو القديسين، ولأجل بُنيان الكنيسة، فسوف يستمر الرب في إعطائها طالما الكنيسة موجودة في هذا المشهد، أي حتى يأتي ليأخذ عروسه إلى بيتها، لتسكن معه في المجد، حيث لا حاجة بعد إلى هذه المواهب.
الرسل والأنبياء
لكن لنلقي نظرة سريعة على النوعيات المختلفة للمواهب المذكورة هنا. «وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء». تأتي هذه المواهب معًا، وغالبًا في الشخص نفسه. كان بولس على وجه الخصوص نبيًا، كما كان أيضًا رسولاً (انظر أعمال13: 1). أما عن ماهية اختصاصات هاتين الموهبتين، فنجدها في الأصحاح الثاني من الرسالة إلى القديسين في أفسس «مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية» (أف2: 20). ليست الإشارة هنا إلى أنبياء العهد القديم كما يعتقد البعض، كما أن الرسل هم رسل العهد الجديد. ولو كان المقصود هنا أنبياء العهد القديم، لانعكس الترتيب. إن الكتاب المقدس يضعهم هكذا: «الرسل والأنبياء» ويقصد بهم بلا شك رسل وأنبياء العهد الجديد، لأن أنبياء العهد القديم لم يعرفوا شيئًا عن الكنيسة. فهم لم يكونوا منها ولا فيها. لقد أمكنهم أن يتنبأوا عن آلام المسيح، وعن أمجاد الملكوت العتيدة، وكما أن جزءًا من هذه النبوات قد تم، فكذلك ستتحقق بقية نبواتهم. لكن الرسل والأنبياء الذين يُذكَرون هنا كانوا أولئك الذين عليهم أن يكشفوا السر، الحق الخاص بكنيسة الله، جسد المسيح، المؤسسة على الفداء، وموت الرب يسوع وقيامته وصعوده إلى المجد.
إن كنيسة الله مؤسسة على الحق الخاص بموت المسيح، الذي كإنسان دخل إلى الموت، وخرج منه. ثم كمَن صعد إلى السماء أرسَل الروح القدس. إن هؤلاء الرسل لم يكونوا الإثنى عشر. ولا أعتقد أن الإثنى عشر الذين أرسلهم الرب هم المُشار إليهم في هذا الفصل الذي نتأمل فيه، لأنه ولا واحد منهم أعلن الكنيسة كجسد المسيح في خدمتهم المكتوبة. وأنا أعتقد أنه يشير إلى الرسول بولس، وإلى الآخرين الذين كانوا معه في حمل هذه الشهادة. إن برنابا رفيقه في الخدمة لفترة طويلة، دُعِيَ رسولاً، وأنا لا أشك أنه كان هناك آخرون. وفي أفسس3: 1-9؛ كولوسي1: 24-27 يذكر بوضوح، أن إعلان السر أعُطى أولاً لبولس، ثم نُقِلَ وكُرِزَ به بواسطة آخرين أيضًا، لذلك فإن هذا الفصل يشير بلا شك إلى رسل وأنبياء العهد الجديد. إن الرسل والأنبياء في خدمتهم الشفوية والمكتوبة وضعوا الأساس الذي بُنيت عليه كنيسة المسيح.
لكن هل مثل هذه المواهب ـ أي الرسل والأنبياء لا تزال موجودة الآن؟ من الواضح أننا نجدهم في كتاباتهم، وفي الحق الذي كشفوه وأعلنوه. لكن يجب أن نعرف تمامًا أن اختصاصاتهم الخاصة بعد أن مورست، لا توجد بعد حاجة لتكرارها. لقد وضعوا الأساس، وأنتم تعرفون أنه حينما توضع أساسات منزل، فإن كل ما تحتاج أن تفعله هو أن تقوم بالبناء. وبالتالي فإن كل شخص يدَّعي الآن أن له مركز الرسول، هو في موقف حَرِج جدًا. هناك ادعاء بالخلافة الرسولية، لكن أتجاسر أن أقول لأولئك الذين يدَّعون بذلك، انظروا إلى ما يقوله الروح القدس عن أولئك الذين سيأتون مُدَّعين بأنهم خلفاء للرسل. في الأصحاح العشرين من سفر الأعمال تقرأون «بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تُشفق على الرعية» (أع20: 29). وما قاله الرسول بولس قد أصبح صحيحًا تمامًا. ثم في الأصحاح الثاني من سفر الرؤيا نقرأ «وقد جرَّبت القائلين إنهم رسل، وليسوا رسلاً، فوجدتهم كاذبين» (رؤ2: 2). لذلك فأي شخص الآن يدَّعي أنه يشغَل مركز الخلافة الرسولية، يرتكب خطأً فظيعًا، واضعًا نفسه في جماعة ملومة. ربما تقول، هذا خطير جدًا. نعم إنه خطير جدًا للإنسان، لأنه واضح وبسيط جدًا في كلمة الله. فحينما يتكلم الله، يجب الالتفات لكلمته والثقة بها.
إذًا، فإن رسل وأنبياء العهد الجديد أظهروا الحق، وبذلك أوضحوا فكر الله، ووضعوا الأساسات. إن إيمان القديسين مبني على ذلك الذي أعلنه الله بواسطة شهادتهم في الأيام الأولى. هناك عبارة في الأصحاح الأخير من رسالة رومية تجعل هذا الأمر واضحًا جدًا لكل ذهن خاضع. هناك نقرأ «وللقادر أن يثبّتكم حسب إنجيلي، والكرازة بيسوع المسيح، حسب إعلان السر، الذي كان مكتومًا في الأزمنة الأزلية (أو منذ ابتداء العالم)، ولكن ظهر الآن، وأُعْلِمَ به جميع الأمم، بالكتب النبوية، حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان» (رومية16: 25، 26). واضح أن الإشارة هنا هي إلى الكتب النبوية للعهد الجديد، والتي نشكر الله كثيرًا لأنها بين أيدينا.
(يتبع)
و. ت. ب. ولستون