«وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ:
مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ،
طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ،
إِيمَان، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ» (غل5: 22-23)
دعونا نتأمل كيف يمكن استخدام ثمر الروح ذي التسعة أوجه في تدعيم العلاقة الزوجية بين اثنين من المؤمنين بالمسيح.
محبةهناك بعض العبارات التي أحيانًا نسمعها من المتزوجين: “أتمنى أن يحاول زوجي أن يفهمني”، “إن زوجتي لا تتوافق واحتياجاتي”، “ما النفع من هذه الزيجة بالنسبة لي؟”.
إن يوحنا 3: 16 لا يقول: “أحب الله العالم حتى يحصل في المقابل على المحبة”، بل بالحري يقول «بذل!». فلو بذلنا من أجل شريك الحياة انتظارًا للمقابل فلا بد أن نخزى باستمرار، حتى إننا ربما نصل إلى حد القول: “دعك من هذا، لن أبذل مرة أخرى”. لكن ليست هذه هي المحبة ولا هي الطريقة التي أحبنا بها الله.
إن المحبة الحقيقية هي العطاء، والعطاء، والعطاء أيضًا. كم أحبنا المسيح؟! كم أعطانا؟! «وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أف5: 2).
هنا بعض سمات المحبة: فالمحبة عطاء، وتضحية بالذات (يو3: 16؛ أف5: 2). المحبة غير مشروطة، ولا تعتمد على حسن سير وسلوك المحبوب (رو5: 6-10). المحبة ليست أنانية، ولا تتمحور حول الذات (1كو13: 4- 5). المحبة لا تحتد بسهولة، ولا تتبنى الأحقاد أو تحتضنها (1كو13: 5). المحبة تحتمل كل شيء (1كو13: 7).
في دراسة حديثة أجريت على 750 من الأزواج الذين يعانون من مشكلات زوجية، وُجد أن السبب الرئيسي فيها هو أن أحدهما يحب ذاته، والسبب الثاني هو عدم اكتراث أحد الطرفين بالآخر. وكل من هاتين الصفتين، أعني الأنانية وعدم الاهتمام، هما على النقيض من المحبة التي هي من “ثمر الروح”.
يا أزواج: هل تحبون زوجاتكم؟ يا زوجات: هل تحببن أزواجكن؟ حقًا؟! هل تحبون شريك الحياة بتضحية، تمامًا كما أحب المسيح الكنيسة؟ هل أنت على استعداد أن تُضحي ببعض أو بكل مسراتك ووقتك وأصدقاءك وهواياتك وملذاتك حتى تأتى لشريك الحياة بملء اللذة والابتهاج؟ هل حاولت قط أن تكتشف ما يُسِرّ شريك حياتك؟ إذا علمت أن الطرف الآخر لا يحب نوعًا من الأنشطة التي تُمتعك، هل تمتنع عنها أو تُقلل منها كثيرًا، حتى يتسنى لك صرف الوقت في فعل ما يُسر الطرف الآخر؟
ربما تسأل: “ماذا لو كنت أنا الوحيد الذي أُعطى؟ ماذا لو كان شريك حياتي يأخذ فقط ولا يعطى شيئًا في المقابل؟”. أولاً أنت تحتاج لأن تنتبه أكثر، وتُقدِّر المحبة التي يُظهرها لك شريك الحياة، لكن حتى وإن كنت لا تجد دليلاً على المحبة أو العطاء من جانب شريك الحياة، فلك الامتياز المبارك للمحبة والعطاء كما فعل المسيح: لقد مات من أجل الفجار الخطاة، بل ومن أجل أعدائه (رو5: 6-10).
تشجّع أن تُثابر في مزاولة المحبة الحقيقية: «فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ» (غل6: 9).
ليس لدى شك في أن الله قد أعد مكافآت خاصة لمن يُسرّون بالعطاء والعطاء والعطاء، دون أخذ أي شيء في المقابل.
فرح سلام «فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (نح8: 10)، «لْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ» (كو3: 15). لو كان كل من الزوج والزوجة يختبر “فرح الرب” و“سلام الله” في حياته اليومية سيكون من السهل عليهما أن يخلقا جوًا في زواجهما يتواءما فيه معًا – جسديًا وعاطفيًا وروحيًا.
سيشعر كل منهما بالراحة التامة في وجود الآخر، وسيكون حرًا لمشاركة أفكاره وآراءه ومخاوفه واهتماماته وأسراره ومشاعره الدفينة مع الطرف الآخر، دون خوف من الرفض أو تقليل الشأن أو التوبيخ بالوعظ أو السخرية. سيكونان على سجيتهما في الاعتراف بالفشل دون خوف من نقد الآخر أو امتعاضه، وسيكونان على سجيتهما أيضًا في الحديث عن نجاحهما دون توبيخ من الطرف الآخر على افتخاره.
إن الفرح هو الشعور بنعمة الله وحضوره وسط التجارب (أع 16: 25؛ فى4: 4). والكلمة اليونانية للفرح (chara) لها ارتباط بكلمتي النعمة (charis) والشكر (eucharistia). لذلك فإن الشعور بنعمة الله وإحسانه علينا، يأتي بالفرح إلى قلوبنا، وهذا الفرح بدوره سيفيض بالشكر من قلوبنا. وطالما وُجد هذا الفرح في العلاقة الزوجية، ستتردد تعبيرات الشكر والتقدير دائمًا على فم كل من الزوج والزوجة للآخر.
السلام هو العتق من الهم ومن الخوف مما يمكن أن يصير، والذي في الغالب لا يحدث (فى4: 6-7). عندما نسمح للروح القدس أن يُمكِّن ثمر الفرح والسلام من حياتنا، سنزداد حرية ونتمكن من الوصول إلى شريك حياتنا، وإلى وأولادنا، وإلى آخرين من حولنا.
طول أناة “نحن متزوجان منذ 15 عامًا، وشريك حياتي لا يزال يفعل كذا وكذا”، هكذا يشكو الطرف الآخر. إن كنت مجرَّبًا أن تفكر أو أن تقول هكذا، ضع نفسك مكان الله. منذ متى وأنت ابن لله؟ منذ متى وهو يحاول أن يثنيك عن عادات وتصرفات سيئة؟
إذًا فطول الأناة يعنى التأقلم بصبر على طباع الآخر وعوائده دون محاولة تغييره إلى صورتك «بِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ» (أف4: 2). وطول الأناة هو عكس الضجر وقصر الأناة، ويتضمن الصلاة من أجل شريك الحياة لا وعظه.
لطف«كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ» (أف4: 31- 32). «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ ... لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ» (مت11: 29- 30). عكس اللطف هو التسلط أو الاستبداد؛ فيريد الشخص أن يكون سيد المشهد، ويُصيّر الكل حسب طرقه وآرائه، ويُصرّ على أن قراراته هي التي تُحتسب، وهى التي يُعمل بها، لأنه يظن أنها الأفضل دائمًا.
لاحظ أنه في أفسس4: 32 يقود اللطف إلى التسامح. وعلى الأزواج والزوجات ألا يحملوا مرارة لبعضهما البعض: «المحبة ... َلاَ تَظُنُّ السُّوء» (1كو13: 5). لكن ربما تقول: “أنت لا تدرى كم أساء إلىَّ شريك حياتي”، لكنك لست تدرى أنت أيضًا كم أخطأت إلى الله. لقد سامحك كليةً وبدون مقابل، وعليك أن تسامح شريك حياتك بنفس الطريقة وإلى ذات الحد (أف4: 32).
صلاح يُشير الصلاح في العهد الجديد إلى المساعدة للآخرين، ومَثل السامري الصالح الذي قاله المسيح يبيِّن هذا النوع من التعامل الذي يجب أن ننسج على منواله مع شريك الحياة. “عزيزي ماذا أصنع لك؟” يجب أن تأخذ الأولوية على “ائتني بالحذاء والجرائد”؛ لأنه هكذا قال الرب: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هكَذَا، بَلِ الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ ... كَالْخَادِمِ» (لو22: 26).
إيمانإن إيماننا لا يتوقف عند حد الثقة في الرب يسوع المسيح من جهة خلاصنا «لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ» (2كو5: 7). «إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيرًا» (2تس1: 3). فحياتنا بجملتها كمسيحيين لا بد أن يُميزها ممارسة الإيمان، أي الثقة والاتكال على الرب. تمامًا كما قبلنا المسيح في حياتنا بالإيمان، ولنا الثقة المباركة أننا قد خلصنا، ومحفوظين للسماء، علينا أن نثق بهذا المقدار أن نستودعه كل أمر من أمور حياتنا اليومية، وندعها لإرشاده ولتسديد كل احتياج لدينا.
لو كان كل من الزوج والزوجة يعيش ويسلك بالإيمان والاتكال على الرب، كل يوم، لرجعا بكل قرار لهما إلى الرب، باحثين عن إرشاده ليعرفا وليتمِّما مشيئته الصالحة من نحوهما؛ وبهذه الطريقة كم من خلافات زوجية كانت ستُستبعد، وبدلاً من أن يتجادل الطرفان عما يريدا أن يفعلا، يكرسا أنفسهما بصدق لمعرفة مشيئة الله من نحوهما.
وداعة تتضمّن الوداعة التنازل عن حقوقنا، وليس النقمة من الطرف الذي قال أو فعل شيئًا يجرح (عد12: 3، 13؛ 1صم25: 32- 34). مثلاً لو أنفق شريك الحياة كثيرًا في ملذاته الخاصة، بدلاً من الإنفاق فيما يعنى الطرف الآخر، فعلى هذا الآخر أن يبذل قصارى جهده ليعين الأسرة على رأب الصدع الذي تسبب فيه عدم حكمة شريك الحياة. ويقول المسيح مثالنا: «لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» (مت11: 29) ويقول أيضًا: «طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ ... أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (مت5: 5، 44) ويضيف بطرس قائلاً: «الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ» (1بط3: 4).
والإنسان الوديع هو الإنسان الذي يعترف بخطئه. لقد فعل الملك داود فظائع في حياته، لكننا نجده في مزموري 32؛ 51 رجل الاعتراف. لذلك وبالرغم من خطاياه دعاه الرب “رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي” (أع13: 22). فالاستعداد للاعتراف بالخطإ الذي ارتكبناه بكلماتنا وتصرفاتنا الجارحة لشريك الحياة، هو مؤثر فعال لزيجة قوية.
تعفف وضبط نفس أي عضو في الجسد عُرضه أكثر لأن يجمح؟ يجيبنا يعقوب 3 أنه اللسان: «فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ ... يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ ... وَأَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا. بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآب، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ» (يع3: 6-9).
هناك مقولة شائعة كنا نرددها ونحن صغار: “الكلام لا يلصق بنا” لكن في الواقع أن الجراح التي يتسبب فيها اللسان عادة ما تجرح أكثر ولمدة أطول من الجراح الجسدية، الأمر الذي يحدث أيضاً بين الأزواج. «اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ» (أم18: 21).
في دراسة طويلة المدى على الأزواج لمعرفة العوامل التي تُنبئ بالطلاق أعلنت صحيفتا “يو أس نيوز” (The U.S. News) و“ورلد ريبورت” (The World Report)، في 21 فبراير 1994، أن العامل المميِّز للطلاق خلال سنوات الزواج الأولى أو المتأخرة هي تكرار السباب والإهانات التي يُكيلها كل طرف للآخر.
يا ليت الروح القدس يُعين كل زوجين على السيطرة على اللسان، واختيار كلماتهما بحرص، وأن يستخدما قدرتهما على الكلام لبنيان زواجهما بدلاً من هدمه. ويا ليتنا نتعلم هذه الدروس من سليمان: «اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ، وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ يُهَيِّجُ السَّخَطَ ... وَالْكَلِمَةُ فِي وَقْتِهَا مَا أَحْسَنَهَا» (أم15: 1، 23).
بول كانر