كلما تفكّرنا في هذه الكلمات كلما فتحت هذه العبارة لنا آفاق معانيها الرائعة. ترجمها داربي هكذا: “في الضغطةِ وسعّت لي”. وقدمها كاري هكذا: “في المضايق جعلت لي مكانًا فسيحًا”. فمهما كانت الضغطة أو الضيقة التي حلّت بي، ففي هذه الضغطة أو الضيقة نفسها - تفكَّر في هذا – يوسّعُ الرب لي، ويُفسح لي مكانًا. إنه يُهيئ لي عكس ما أنا فيه فعلاً.
وكلمة “ضغطة” عكسها “رحب”، وكلمة “مضايق” عكسها “مكان فسيح”. فإن كنا نشعر في بعض الأحيان بالضغط والشدة، فهوذا لنا رجاء حلو وراحة كبرى. فلا يجب أن يجتاحنا الإحباط أو ننزوي داخل أنفسنا، أو يُصيبنا الوهن وصغر النفس لأي موقف نتعرض له. إنه يستطيع أن يهبنا اتساعًا كاتساع البحر. نحن لن نخور تحت الثقل بل سنرتفع. وفي مضايق الألم والتجارب سنجد الله يرحب لنا.
في العدد ما قبل الأخير من رسالة يوحنا الأولى، أرى نورًا بهيًا، وبالنسبة لي، نورًا جديدًا في قصة أيوب. قال أيوب خلال تجربته الطويلة هذه الكلمات: «يَا لَيْتَنِي كَمَا فِي الشُّهُورِ السَّالِفَةِ وَكَالأَيَّامِ الَّتِي حَفِظَنِي اللهُ فِيهَا، حِينَ أَضَاءَ سِرَاجَهُ عَلَى رَأْسِي وَبِنُورِهِ سَلَكْتُ الظُّلْمَةَ» (أي٢٩: ٢، ٣).
لم يعرف أيوب وقتها، ولم يسمع ما سمعه بنو الله عندما مَثَلوا أمام الرب، ومَثَل الشيطان أيضًا بينهم. وتحدى الشيطان الرب عن موقف أيوب، وقَبِلَ الرب التحدي. وكان بنو الله – نتكلم إنسانيًا – يتمنون لو عرف أيوب أن ما يحدث له هو لمجد الله ولخيره (خير أيوب).
وكان الرب يختزن لأيوب بركة واسعة حتى إنه قال في نهاية اختباره: «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي» (أي٤٢: ٥). لقد عرف أيوب الرب بعد اجتيازه ذلك الاختبار كما لم يعرفه من قبل.
في ١يوحنا ٥: ٢٠ نقرأ: «وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ، وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ». هذا هو النور الجديد الذي أشرق على ذهني في قصة أيوب.
إن معرفة القدير كلفت أيوب كل المعاناة التي نعرفها، وكلفت يوحنا كل المعاناة التي لا نعرفها (نفيه في جزيرة بطمس، وما ترتب على ذلك من ألم، وكل ما عاناه في حياة طويلة استشهادية)، حتى تكون له بصيرة أن يعرف الحق.
في ساعة الكآبة التي حلّت بأيوب تمنى لو كان كما في الأيام السالفة التي فيها كان رضى الله يظلل خيمته (أي٢٩: ٥)، ولم يكن يعرف أنه في تلك الساعة عينها كان قريبًا من علاقة رائعة وحميمة سيتمتع فيها بالله أكثر من كل الماضي.
ألا يسبب هذا الفكر لنا فرحًا وسلامًا عجيبين؟
إن اليوم – نعم اليوم – مهما كانت ظروفك، قد تكون على أعتاب معرفةٍ أعمق وعلاقة أروع مع الرب.