أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2015
هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

منذ سنوات طويلة، كان هناك مُبشر جذب الآلاف والربوات لسماعه. كان هو رجل الله بحق. ويمكننا القول بأنه كان أكثر المُبشِرين تميزًا على الأرض، وجذب وراءه جموع غفيرة أكثر من أي مُبشِر آخر. لقد اجتمعت المدينة كلها لسماعه، الأمر الذي إذا حدث الآن، لاعتبر هذا نهضة عظيمة. وبدا أن الكثيرين قد تابوا وقتئذ، وأن العمل عظيم. لكننا كما نعلم، لا يحدث عادة تأثير حقيقي دائم من هذه النهضات؛ فلم يوجد من تبع المسيح بصدق.

للتو بعد ذلك، حدث مثل هذا التغيير الحقيقي الدائم، نتيجة عظة بسيطة لذات المُبشِّر، رغم كون العظة كانت في الهواء الطلق، وكان الجمع عبارة عن شخصين. وبشّر في هذه المناسبة بعظة مختلفة تمامًا، مكونة من ثلاث كلمات. كان التأثير رائعًا. فكلاهما تبعا المسيح وتخصصا له من ذلك الوقت فصاعدًا، وكلاهما صارا خادمين نافعين للسيد، وتلميذين مكرسين له. لقد ابتدأ منذ ذلك اليوم عمل، لم يُر قبله على الأرض وهو مستمر إلى يومنا هذا؛ لكن يجب علينا القول أنه بعد ثلاث أو أربع سنوات تعمق العمل، بل وصار أكثر بركة.

هل تود أن تعرف اسم ذلك المبشر المُرسل من الله؟ كان اسمه “يوحنا المعمدان”. ربما تكون قد قرأت التقرير عنه عدة مرات كما فعلت أنا، دون أن ألاحظ التأثير المختلف الناتج عن اختلاف بشارته، إلى أن لفت انتباهي لهذه المفارقة أحد الإخوة (يو١: ١٩-٤٢). ربما تقرأ تقريرًا مختصرًا عن النهضة العظيمة التي قادها في متى ٣: ١-١٢؛ وبلا شك أن الله قد استخدمها لإعداد الطريق للمسيا. وعادة لا يرى المُبشر الثمر الذي يُشبع قلبه في الحال، وربما لا يرى نفسًا واحدة قد أتت علانية إلى المسيح؛ إلا أن الأرض كانت تُعَد للبذار. أليس لافتًا للانتباه كم شخص قد اعتمد، وليس واحد منهم أتى ليتبع المسيح؟! كم من أناس اعتمدوا الآن لكنهم هلكوا إلى الأبد؟!

دعونا إذًا نرجع إلى العظة الصغيرة التي قُدمت لهذين الشخصين، ونلاحظ تأثيرها عليهما «وَفِي الْغَدِ أَيْضاً كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ وَاثْنَانِ مِنْ تلاَمِيذِهِ، فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِيًا فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ (Behold the Lamb of God!). فَسَمِعَهُ التِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ فَتَبِعَا يَسُوعَ». يا لها من أقوال حية! لقد كانت عينا المبشر على الرب يسوع «فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ»، وليس إلى الجمع. فمن نظر إليه، كان هو موضوع حديثه ومادته. إنه شخص الرب يسوع الحي، حمل الله! فقال: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ ». نعم، حمل الله. حتى هذا اليوم كان الإنسان يأتي لنفسه بالحَمَل، ولكن «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ»؛ ثلاث كلمات، بدونها تصير أطنان من مجلدات اللاهوت بلا قيمة. أي كلمات هذه للأذن اليهودية التي تعرف من الناموس أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة للخطايا. وكان ابن الله هو حمل الله. انظر إليه! لقد سمعه التلميذان وتبعاه. يا لبساطة الأمر! إلا أنها قوة الله. هل وصلت إلى قلبك أية رسالة بعد فَحَوَلتك عن كل شيء إلى تبعية المسيح؟ ربما تمارس الاعتراف، وربما تكون قد اعتمدت، وربما تكون عملت أعمالاً كثيرة أخرى، لكن هل اجتذب قلبك هذا الشخص المبارك؛ “حَمَلُ اللَّهِ”، لتتبعه؟

«فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ» (يو١: ٣٨)؛ لقد رآهما الرب يسوع - وهو يراك أيضًا في هذه اللحظة. «فَقَالَ لَهُمَا: مَاذَا تَطْلُبَانِ؟»، وهو يقول لك أيضًا: “ماذا تطلب؟” هل تسمعه؟ أنت مسيحي بالاسم. ماذا تطلب؟ ما هو هدفك؟ لقد أجاباه: «فَقَالاَ: رَبِّي، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ؟». هل وضع الروح اشتياقًا له داخل قلبك؟ هل تريد حقًا أن تعرف أين يمكث الرب يسوع، وأين يسكن؟ هو يجيب «حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (مت١٨: ٢٠). هل سألته: “أين يا رب؟” هل في هذا الموضع؟ «فَقَالَ لَهُمَا: تَعَالَيَا وَانْظُرَا. فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذلِكَ الْيَوْمَ» (يو١: ٣٩). هل ستأتي وتنظر؟ هل ستمكث معه؟ إنما نهاية كل شيء قد اقتربت، وقريبًا سيظهر المسيح. والآن إن كان الرب يسوع لا يعنى لك شيئًا، ستجيب: “كلا، سأبقى حيث أنا. أنا لا أرى خيرًا في أن أترك كل شيء وأتبع الرب يسوع”. ماذا يعنى لك الرب يسوع؟ هل هو كل شيء، أم أنه لا شيء؟

«تَعَالَ وَانْظُرْ»، وإن نظرت أين يمكث، امكث معه! لا بد أن تكون إما مع الرب يسوع أو مع الشيطان؛ إله هذا الدهر. أولاً امكث معه، ثم بشِّر به. هكذا فعل واحد ممن سمعوا يوحنا المبشر؛ أندراوس أخو سمعان بطرس. لقد صار مبشرًا لأول إنسان قابله. لم ينتظر حتى يجد مكانًا ليبشر فيه، سواء حجرة أو كنيسة أو قاعة «هذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ ... فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ» (يو١: ٤١، ٤٢). يا ليت كل تابع حقيقي للرب يسوع؛ حمل الله، يخرج ويطلب أخاه سمعان!

والآن لاحظ بشارة أندراوس؛ قال لسمعان: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ» (يو١: ٤١) وإن كان هذا صحيح إلا أنه علينا نحن أن نقول أكثر من ذلك؛ “قد وجدنا المُخلِّص! “كلا”، بل هو مَنْ وجدنا. نعم، إن هذا النوع من البشارة له تأثير أعمق بما لا يقاس من كل الفصاحة التي في العالم.

ها أنت تخرج إلى الشارع أو إلى أي مكان آخر فتقابل سمعان الذي يبحث عن الخلاص لسنوات طويلة بحفظ الناموس أو الطقوس أو الأعمال أو الدين. لكنه يقول لنفسه: “إنني ما زلت بعيدًا كما أنا. لا راحة ولا سلام حقيقي. لا يُمكنني أن أقول إني خلصت. لا يُمكنني مواجهة الموت والدينونة؛ ثم إن هناك آراء مختلفة قد حيرتني؛ وخطايايّ كثيرة، أحاول أن أنساها لكن هيهات. آه. كيف لي أن أعرف الصواب”.

تكلَّم إليه الآن، أخبره. خذه من يده وجرب معه بشارة أندراوس. قل له إن استطعت: “قد وجدت المُخلِّص، المخلص الوحيد، لقد وجدته، لقد وجدت كل حاجتي في الرب يسوع؛ حمل الله”. فقط افعل ما فعله أندراوس «جَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا الَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ». نعم، كان هو الرسول المستقبلي بطرس، الذي أتى للمسيح بتلك البشارة الصغيرة التي سمعها من أندراوس.

لاحظ أن هذه هي طريقة الرب يسوع «فِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي» (يو١: ٤٣). حقًا يستطيع الروح القدس أن يعمل، وقد عمل بالفعل، ولا زال يعمل، وأحيانًا بطريقة يوم الخمسين. فالآلاف قد سمعوا وتغيروا بالفعل، واجتمعوا إلى اسم الرب. لكن يوحنا كتب إنجيله بعد يوم الخمسين بسنوات كثيرة. ويا له من أمر مشجع لنا في هذه الأيام التي فيها البشارة المستحبة لدى الجماهير قد تكون خيانة علنية للرب يسوع، أو خرافة كبيرة.

وفى الحال اصطبغ فيلبس بذات الروح: «فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ» (يو١: ٤٥). ويبدو أن نثنائيل كان يهوديًا متدينًا. كان يمتحن نفسه تحت التينة. هذا الرجل المتدين تعَجَّب من فكرة أن يكون شيء صالح من الناصرة المحتقرة. تفكر في أورشليم المدعومة بكهنتها وهيكلها. أليس هذا ما هو حادث الآن بالضبط؟ المكان الذي يوجد فيه المسيح في الوسط، هو مكان محتقر. هل يمكن أن يكون شيء صالح هناك؟ «قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: تَعَالَ وَانْظُرْ». نعم، قل لنثنائيل، الرجل المتدين، إنك وجدت كل احتياجاتك، التي عبثًا سعى لأن يجدها هو، في يسوع الناصري؛ وقل له: «تَعَالَ وَانْظُرْ». وماذا وجد في هذا الناصري المحتقر؟ «أَجَابَ نَثَنَائِيلُ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!».

يا ليت الرب يعطينا المزيد من هذا النوع من البشارة، مُخبرين الآخرين أي مُخلِّص قد وجدنا، آتين بالنفوس إلى شخص الرب يسوع المبارك، حمل الله. آه، عزيزي القارئ، هل أتيت إلى المسيح؟ هل تمكث معه؟ هل تتبعه؟ إذًا بكل تأكيد تستطيع أن تخبر أخاك سمعان عنه.


تشارلس ستانلي