أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد ديسمبر السنة 2007
«قَدْ زَال عَنْهُمْ ظِلُّهُمْ، وَالرَّبُّ مَعَنَا» - أضواء على آية مع دروس وعبر
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(سفر العدد 14: 9)

يشير الظل إلى الراحة والاطمئنان والحماية, وبمعنى أكثر دقة, الحماية التي تبحث عن الراحة والاطمئنان. كما يشير أيضًا إلى بسط سلطان بعض الممالك على شعوب, أو دول, أو جماعات. فنسمع في التاريخ مثلاً أن هذه المنطقة أو تلك كانت تحت حماية هذه الامبراطورية أو غيرها. وفي كل هذه الحماية صدر ما صدر من قوانين, أو أُقيم ما أُقيم من مشروعات. وفي نفس هذا المعنى كان حلم نبوخذنصر في دانيآل الإصحاح الرابع, وفحواه: شجرة تحتها استظل حيوان البر, وفي أغصانها سكنت طيور السماء, وطُعِمَ منها كل البشر. وقد أكد دانيآل هذا المعنى ذاته. كذلك يتردد في الأوساط العسكرية عن مظلة جوية لازمة، لحماية القوات البرية والبحرية في ساحات الوغى وميادين الحروب, وأعني به سلاح الطيران، وما يُقدمه من حماية وغطاء جوي لتحركات القوات الأخرى. وإذ نعود إلى كتاب الحق ونُمعن النظر في بعض الآيات التي تلقي ضوءًا على هذا الأمر، نبدأ بمزمور 91 ونقرأ عن «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ» ونحن نعرف من هو المقصود بهذه الأقوال, إنه المسيا في يوم اتضاعه. كما ينطبق على الأمناء ممن يتبعون الرب في كل زمان ومكان. وسينطبق على البقية الأمينة في يوم قادم. والنتيجة الحتمية لتلك الحماية «يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ. وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ» إنه في حماية القدير، وفي ظله يبيت. ثم نأتي إلى مزمور 121 من ترنيمات المصاعد «الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى» ذاك الذي لا ينعس ولا ينام, إنها حماية أكيدة لأولئك الذين يصعدون من مجد إلى مجد «حتى يُرون قدام الله»! أما في مزمور 140 فيقول المرنم عن اختبار مجيد «يَا رَبُّ السَّيِّدُ قُوَّةَ خَلاَصِي ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْقِتَال.. أَمَّا رُؤُوسُ الْمُحِيطِينَ بِي فَشَقَاءُ شِفَاهِهِمْ يُغَطِّيهِمْ. لِيَسْقُطْ عَلَيْهِمْ جَمْرٌ». وفي هذا نجد الحماية الأكيدة, ويتحقق قول المرنم في مزمور 4 «فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ». وإذ نأتي إلى سفر المراثي لإرميا النبي الإصحاح الرابع, لسان حال الأُمناء وما آلت إليه حالهم وحال ملكهم «نَفَسُ أُنُوفِنَا مَسِيحُ الرَّبِّ» ويقصد به الملك الجالس على عرش داود «أُخِذَ فِي حُفَرِهِمِ. الَّذِي قُلْنَا عَنْهُ فِي ظِلِّهِ نَعِيشُ بَيْنَ الأُمَمِ». فلقد زال الظل, وذهبت الحماية وليس أمامهم سوى السبي إلى بابل هُم ومَلِكُهم, يا لشقاء من يجعل البشر مُتكله! ونعود أيضًا إلى النبي إشعياء 32 إذ يتكلم عن ملك مجيد سوف يملك بالعدل, ومن صفاته المجيدة أنه سيكون «كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ». ونِعم الظل, ونِعم الحماية. ونعود إلى بداية تاريخ الشعب قبل أن يكون أمة, يوم أن نزل يعقوب إلى مصر مع عشيرته, بداية صغيرة لعائلة وعشيرة. وهناك استظلوا بل ظللتهم العناية الإلهية في ظل مزدوج الطبقات: ظل يوسف سيد الأرض, وظل فرعون العظيم. وفي هذا الظل المزدوج نمت العشيرة وصارت شعبًا كبيرًا. وفجأة مات يوسف, وزال ظله, وذهبت معه نصف الحماية – لكن لا بأس لقد بقي ظل فرعون – لكن إلى متى؟ ”الإنسان مثل العشب أيامه. يزهر ثم يذبل“. لقد مات فرعون الذي كان يعرف يوسف ويحترم عشيرته, فزال ظله أيضًا، وذهبت حمايته. أيمكن أن يزول ظل مزدوج مثل هذا؟ نعم, لقد زال وتغيَّر كل شيء, ووجدوا أنفسهم شعبًا في العراء بلا غطاء, وبلا ظل, وبلا حماية. وتحولت أرض جاسان لهم وأضحت كور المشقة, وعانى القوم من لظى شمس العبودية, ومرارة الاضطهاد, كما عانوا من صقيع الذل, وصغر النفس في معاجن الطين وتحت سياط المسخرين. وهنا يظهر القدير ويجدد عهده مع الآباء. لقد جاء وقت الرأفة, لقد جاء الميعاد, ظهر الرب ليُخرج شعبه ويُظللهم ليلاً ونهارًا. سحابة في النهار تحمي وتُظلل, ونار في الليل تُنير وتُرشد. ويختبرون «الرب ظل لك... لا ينعس ولا ينام». «ظللت رأسي في يوم القتال» عودة إلى عهد الآباء البطاركة. عودة إلى سفر أيوب الإصحاح الأول والثاني. نرى نوعًا آخر من الظل والحماية وما يُسمى بلغة هذه الأيام ”الحصانة“ دبلوماسية كانت, أم نيابية, أم قضائية, لا يمكن الاقتراب من أي شخص يتمتع بإحداها، قبل أن يتقدم الخصم بطلب رفع هذه الحصانة أو الحماية. وتُستكمل الإجراءات التنفيذية للنظر في هذا الطلب والتصرف فيه رفضًا أو قبولاً. وهذا ما حدث مع الرجل الكامل والبار أيوب – وهذا ما صدم به الشيطان في يوم – لقد جعل قلبه على أيوب، لكنه ما استطاع الاقتراب إليه, أو مد يد الأذى في قليل أو كثير, من قريب أو من بعيد في ظل هذه الحصانة. فتقدم بطلب إلى جهة الاختصاص وكان ذلك له جزئيًا، وفي حدود ما سمح به الرب صاحب الظل. رفع الرب ظله وحمايته عن: ممتلكاته, وأولاده, وانتهاء بصحته وبجسده، لحمًا وعظمًا, جلدًا وأحشاء, ولكن حفظ نفسه «حفظت عنايتك روحي». واجتاز فيما اجتاز لبركة نفسه وخير أصحابه, ورأينا فيه ”عاقبة الرب“ (يع5: 11). وفي الأسفار التاريخية لنا بعض الوقفات تحت هذا الظل, وبعيدًا عنه في بعض المواقف. راعوث في يومها جاءت ”لتحتمي تحت جناحي إله إسرائيل“. جاءت من موآب هربًا من عراء الوثنية, وعار الترمل، لتحتمي في ظل القدير، فنالت حظوة ما بعدها حظوة, وشرفًا ما بعده شرف. ودخلت في شعب الرب من أوسع أبواب النعمة. شمشون في يومه كان نذيرًا يحتمي في ظل القدير فما استطاعت قوة أن تقف أمامه، رغم الكثير من مواقفه المُشينة وتصرفاته غير الأمينة. ولكن جاء عليه وقت فيه زال عنه الظل وفارقه الرب، ولم يعلم. وكان ما كان من نهاية مُشينة (قض16: 20). شاول أول ملك يطلبه الشعب في 1 صموئيل 8 ودُعي مسيح الرب, وكان بحكم منصبه هذا «في ظل القدير». ومن أسفٍ نقرأ في 1 صموئيل 16 «وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ». لقد زال عنه ظله, وبغته روح رديء، وظَلَ يتخبط حتى نهاية حياته. وقال في نهاية حياته: «الرَّبُّ فَارَقَنِي». وفي النهاية سقط صريعًا على جبل جلبوع. لقد زال عنه ظله. وما أتعسها من نهاية!

في الختام أقول لك عزيزي القارئ: هل تتمتع بظل القدير؟ فكر في هذا, وحدد موقفك. وتأمل معي كلمات الترنيمة كل من يتخذ المسيح ملجأ له فيستريح يحيا سعيدًا مُظللاً بحبه الجليل الرب قد قال أقبلوا إليَّ إني أُريحكم فأسرعوا كي تُظَلَلوا بِظله الظليل وبعدها لا تتوانَ وخذ قرارك! وتأمل مرة أخرى كلمات مزمور 140 «يَا رَبُّ السَّيِّدُ قُوَّةَ خَلاَصِي. ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْقِتَالِ... أمَّا رُؤُوسُ الْمُحِيطِينَ بِي» خارج هذا الظل «لِيَسْقُطْ عَلَيْهِمْ جَمْرٌ» إنها الدينونة الأكيدة للخطاة, ونار التاديب والخزي لمؤمن يترك مكانه ولو إلى حين.