لقد وردت هذه العبارة ضمن مزمور 136 الذي تتكرر فيه عبارة «لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ» 26 مرة، أي في كل عدد من أعداده، وتُعتَبر القرار لهذا المزمور الجميل. ويا لروعة العبارة! كيف لا ونحن كل يوم نتمتَّع بأعمال الرحمة الإلهية معنا، بغضِّ النظر عن كوننا نستحق أم لا. ومن أعمال رحمته معنا أنه حين تأتي علينا أيام العناء والمذلة، لا يمكن أن ينسانا، بل إنه يذكرنا. وكيف يذكرنا؟ إنه يذكرنا في المذلة بثلاثة أمور
1- نوع المذلة
وفي هذا يقول الرسول بولس «لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ» (1كو10: 13).
أي أن ما تسمح به لنا العناية الإلهية ليس خارجًا عن ما يصيب كل البشر، سواء كان حرمانًا أو فقرًا أو مرضًا أو أي شيء آخر مما يحدث للناس تحت الشمس. طبعًا هذا من رحمته التي إلى الأبد، والتي لا ينقطع عملها معنا لحظة واحدة . فيا عزيزي المُجَرَّب، لا تنسَ أن الله لم يغفل أنك بشر، فلا تدع العدو يجعلك تُصاب باليأس والفشل، بل تعالَ بما يعتمل في نفسك ساكبًا القلب في حضرته الله، حتى وإن لم يرفع عنك الآن ثقل التجربة ستفهم على الأقل قصده منها، فيملأ قلبك السلام الإلهي العميق الذي يفوق كل عقل. هذا من حيث نوع التجربة والمذلة.
2- حجم المذلة
في هذا يقول الرسول «وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ» (1كو10: 13).
وهذا يأتي بنا إلى أمر آخر، أن الرب في رحمته التي إلى الأبد لا يمكن أن يعطي تجربة فوق ما يمكننا أن نحتمل. إنه بعرف طاقة كل منا ويعرف حدود كل منا إن كان في الطبيعة المهندس المصمم للكوبري يعمل حسابات الحمولة جيدًا، فلا يُعقَل أن هذا المهندس يسير عليه بحمولة أكثر مما هو قرَّره. وهكذا فإن مهندس الكون العظيم الذي خلقنا “يعرف جبلتنا”، ويعلم طاقتنا، ولا يمكن أبدًا أن يضع علينا أكثر مما نحتمل. فيا عزيزي المتألم لا تقنط وتيأس، بل تشجَّع وثِق في اليد الحكيمة والرحيمة والتي لا تعمل شيئًا عشوائيًا، بل كل شيء بحساب دقيق للغاية. هذا من حيث حجم التجربة.
3- طريقة الخروج
في هذا يقول الرسول: «بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1كو10: 13).
يا لرحمة الرب بنا! إنه ليس فقط يضع في حسبانه واعتباره نوع وحجم المذلة والتجربة، بل يجعل مع التجربة المنفذ. فهو قبل أن يسمح بها، يُدبِّر المخرج منها، وقبل أن يرسلها لنا يرتِّب طريق الخروج منها. وأرجو أن تلاحظ عزيزي أنه لا يجعل مع التجربة مهربًا، بل منفذًا. والمنفذ الذي ترتبه لنا عناية الله لا شك أنه يعود بالمجد للرب وبالنفع لنا، وهكذا يتمجد الله في كل شيء، وهذا بعكس ما يشككنا به العدو في مثل هذه الظروف، فعلينا أن لا نسمع له وألا نعطيه فرصة مثل هذه يشكِّكنا بها في صلاح إلهنا المحب والذي في مذلتنا ذكرنا.
إنه لا يرسل تجربة إلا من نوع معروف، وحجم يُحتمَل، وطريق خروج مجيدة ومفيدة، وذا لأن إلى الأبد رحمته. له كل المجد.