بالطبع ما أسعد نصيبنا نحن المؤمنين، فعندما ننظر إلى الوراء على مدار السنة التي على وشك الأفول، لا يسعنا إلا أن نعترف - بقلوب شاكرة - أن سمتها المُميَّزة كانت هي جود إلهنا!
يمكن لكلمة “كَلَّلْتَ” أن تقصد “طوقت للحماية” أو “أحطت” كما وردت في مزمور٥: ١٢ «لأَنَّكَ أَنْتَ تُبَارِكُ الصِّدِّيقَ يَا رَبُّ. كَأَنَّهُ بِتُرْسٍ تُحِيطُهُ بِالرِّضَا». ونجد نفس الكلمة أيضًا في مزمور ١٠٣ حيث يهتف المُرنِّم: «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ ... الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ» (مز١٠٣: ١-٥).
ونحن نقرأ المواضع التي تحتوي على هذه الأعداد لا بد وأن تفيض قلوبنا بالتسبيح والشكر لإلهنا من أجل عنايته المُنعمة المستمرة خلال سنة ميَّزتها الشرور والمخاطر من كل ناحية. هذه الظروف لا يُمكننا أن نتجاهلها، لكنه أمر مبارك بالفعل أن نختبر يد إلهنا المُحيطة الحامية يَوْمًا فَيَوْمًا، وننشغل بجوده، فتتجاوب مشاعرنا، وتفيض قلوبنا بالقول: «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ» (مز١٠٣: ١).
«وَيَفْرَحُ جَمِيعُ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ. إِلَى الأَبَدِ يَهْتِفُونَ، وَتُظَلِّلُهُمْ. وَيَبْتَهِجُ بِكَ مُحِبُّو اسْمِكَ» (مز٥: ١١).
«طُوبَى لِلَّذِي تَخْتَارُهُ وَتُقَرِّبُهُ لِيَسْكُنَ فِي دِيَارِكَ. لَنَشْبَعَنَّ مِنْ خَيْرِ بَيْتِكَ، قُدْسِ هَيْكَلِكَ ... يَا إِلهَ خَلاَصِنَا، يَا مُتَّكَلَ جَمِيعِ أَقَاصِي الأَرْضِ ... الْمُثْبِتُ الْجِبَالَ بِقُوَّتِهِ، الْمُتَنَطِّقُ بِالْقُدْرَةِ، الْمُهْدِّئُ عَجِيجَ الْبِحَارِ، عَجِيجَ أَمْوَاجِهَا، وَضَجِيجَ الأُمَمِ ... تَعَهَّدْتَ الأَرْضَ وَجَعَلْتَهَا تَفِيضُ. تُغْنِيهَا جِدًّا. سَوَاقِي اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً» (مز٦٥: ٤-٩).
يقول داود أيضًا: «تَجْعَلُ مَطَالِعَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ تَبْتَهِجُ (أو تهتف بفرح)» (مز٦٥: ٨). أما “مَطَالِعَ” فتشير إلى تنوع البركات؛ حرية وينابيع إنعاش ومنجم غني ومراعي خضر، وكلها مُذَخَّرة لنا في الكلمة، وتحت يد الله، فيمكنه أن يُغنْيّ كل يوم لنا، صباحنا وكذا مساءنا أيضًا.
إن “جُود الرَّبِّ” لا يمكن أن يُقاس بتعبيرات بشرية، فهو يحمل ما هو غني ومُبهج ومُحبب، مُعبِّرًا عما هو عليه في ذاته - لأن الله جوَّاد صالح. كان الميراث الذي أتى الله بشعبه القديم إليه هو «أَرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ. عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا» (تث١١: ١٢)، وهكذا نصيبنا نحن أيضًا، فهو مُتمركز في الواحد الذي هو موضوع لذة الله وسروره، دائمًا وأبدًا؛ هو ذاك الذى ترنم عنه المرنم بلسان النبوة قائلاً: «لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُهُ بِبَرَكَاتِ خَيْرٍ. وَضَعْتَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا مِنْ إِبْرِيزٍ» (مز٢١: ٣).
وإذ قد اغتنينا واكتفينا واحتمينا، وصرنا مقبولين في محبوب الله، يا ليتنا نتقدم بثقة كاملة، هاتفين من قلوب ثابتة: «إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي»، وفى مشاعر المحبة والمودة المُتبادلة مع الله الذي باركنا هكذا، يا ليتنا نسعى دائمًا أن نكون بقربه، عالمين في يومنا هذا روعة وجمال بركة السكنى في بيت الرب «وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ» (مز٢٣: ٦).