عبرانين( 14:4-16)
«فإذ لنا رئيس كهنة عظيم»: رئيس الكهنة موضوع عظيم في الرسالة، يشغل ستة أصحاحات من 2-07
في ص2 رئيس الكهنة تمم الخلاص والمصالحة (ع17)؛ وفي ص3 هو رسول ورئيس كهنة اعترافنا, وأصبحنا شركاء الدعوة السماوية0 وهنا في ص4 هو رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات، فوق كل ما تمتد إليه تصوراتنا وأفكارنا، ودخل الى محضر الله, وجلس عن يمين العظمة مكللاً بالمجد والكرامة, هناك يمارس كهنوته ويظهر أمام وجه الله لأجلنا
. رأينا أن ”كلمة الله“ تقتادنا لندين عمق أفكارنا النابعة من إرادتنا العاصية (ع12), ولكنها أيضًا تهيئنا لنستفيد من مساعدة رئيس الكهنة وإشفاقه علينا, إذ نلتجىء إليه طلبًا للرحمة والنعمة، لحفظنا من السقوط.
نجد هنا كمالات ربنا:
-
رئيس كهنة عظيم : عظيم في استحقاق شخصه, عظيم في كمال صفاته, وعظيم في كمال عمله. لم يقل الكتاب عن أي كاهن في النظام اللاوي : ”رئيس كهنة عظيم“. حتى هارون نفسه.
-
اجتاز السماوات : اجتاز الغلاف الجوي, وسماء الكواكب والنجوم, إلى السماء الثالثة حيث مسكن الله. وهذا بالطبع صورة عن صعوده وتمجيده عن يمين الآب.
-
يسوع : انسانيته, الاسم المعطى له عند ولادته, ”وتدعو اسمه يسوع“, وبهذا الاسم عُرف في حياته على الأرض ودخل السماء. استفانوس عند رجمه «شخص الى السماء وهو ممتلىء من الروح القدس، فرأى مجد الله، ويسوع قائمًا عن يمين الله» (أع 7: 55و56).
-
ابن الله : لاهوته, ويشير هنا إلى مساواته لله الآب. ناسوته أهله من جهتنا لنقترب إليه, أما لاهوته فأهله من جهة الله ليقودنا إليه.
فلنتمسك بالإقرار : نتمسك باعترافنا أن يسوع هو ربنا ومخلصنا, وهذا حق وأساس الإيمان, ونتمسك أيضًا باعترافنا بأننا شركاء الدعوة السماوية, وأننا سندخل راحة الله. فهل نتنازل عن هذا الكاهن العظيم؟ إننا مع بطرس نقول: «يا رب إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك» (يو6: 68).
ع 15 «لأن ليس لنا رئيس كهنة..» بكلمة إيجابية ”لنا رئيس كهنة يرثي لضعفاتنا“. كنا نظن أن عظمته تمنعه من أن يرثي لضعفاتنا, لكن مع كونه ”ابن الله“، هو أيضًا ”يسوع“ ابن الانسان. هكذا عاش بين الناس على الأرض, وهكذا هو الآن بعد أن اجتاز السماوات. وبصفته إنسانًا فإنه شاركنا في اختباراتنا ويقدر أن يشعر معنا ويتفهم ما يعترض سبيلنا من تجارب. هناك ترنيمة تقول ”إن رجل الأوجاع يشاطرنا كل غصة في قلوبنا“.
يرثي لضعفاتنا : كان هارون رئيس الكهنة يحمل على كتفيه وعلى صدره أسماء الأسباط أمام الله. ونحن محمولون على كتفي وقلب كاهننا العظيم. كما نرى الصورة في لوقا 15, حيث نرى الخروف على كتفي الراعي.
لضعفاتنا : وليس لخطايانا. لأن الخطية تدينها كلمة الله، ويجب أن نعترف بها. ونقرأ في 1يوحنا1 :9 «إن اعترفنا بخطايانا...». لكنه يرثي لتجاربنا وجهاد الطريق بمحبة قلبه, وهو دائمًا مشغول بنا (إرجع إلى إشعياء 63 :9؛ مزمور 34: 7؛ أعمال9: 4).
إننا نحتاج إلى معونة رئيس الكهنة العظيم :
-
بسبب ضعفاتنا ؛
-
بسبب التجارب التي نواجهها.
العجز هو الضعفات التي تتصل بنا كوننا في الجسد وما نتعرض له. الضعف ليس خطية, ومع ذلك يمكن أن يقود إلى الخطية. الجوع ضعف, لكن التذمر بسبب الجوع خطية. لقد جُرِّب ربنا بالجوع، ومع ذلك انتصر واستشهد بالمكتوب. بولس أمام كفاية نعمة المسيح إزاء الضعفات, استطاع ليس أن يفتخر بها فقط, بل أن يسر بها أيضًا (2كو12: 9، 10).
مجرَّب في كل شيء : في ص 2 نقرأ أنه اشترك في اللحم والدم (ع14), إنه إنسان حقيقي ويشعر بالأمور التي يجتاز فيها القلب البشري، بالإضافة أنه «يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن» (مز103: 14). لقد كان رجل الآلام. لم يُختبر إنسان مثله على الأرض منذ بدء التاريخ, إلى جانب الآلام الروحية. إنه يشعر بضعفاتنا الجسدية, التعب والجوع والعطش. لقد تألم من مقاومة الأشرار, وهُوجم من حيل الشيطان, وتجرب أيضًا من تلاميذه. وهذا تعزية لنا أن كل ظرف مهما كان صعبًا نمر به, قد اجتازه هو. وهكذا كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيمًا..» (2 :17). وهكذا يقدر أن يرثي لنا وهو في المجد الذي دخله.
مثلنا : مثلنا في الخارج. لقد جُرب من الشيطان فلم ينل ذرة من مجده, وإلا لما كان أهلاً أن يكون رئيس خلاصنا ورئيس كهنة. نحن نصلي لكي ينجينا الرب من التجارب, بينما ربنا أخذه الروح القدس إلى البرية ليجرب من إبليس.
نفهم من رسالة يعقوب والأصحاح الأول أن المؤمن يواجه شكلين من التجارب: (يع 1). تجارب الضيق من الخارج (ع 2و3) «احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة». التجارب الخارجية المتنوعة يقصد بها العدو أن يحولنا جانبًا عن الدعوة السماوية، ويعطلنا عن التقدم في الحياة الروحية، وعن طاعة كلمة الله. في هذه التجارب ربنا يرثي لنا، وهو قد اختبرها قبلنا, ويطوِّب من يحتملها (ع12).
الشكل الثاني من التجارب (ع13و14) «كل واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته». هذه التجارب ربنا لم يعرفها، ولذلك يقول إنه تجرَّب مثلنا، لكن بلا خطية. ليس فقط أنه لم يسقط لا في الكلام ولا في الأفعال ولا في الأفكار ولا في الدوافع الداخلية, لكنه ”بلا خطية“ مطلقًا. ”قدوس“ ( لو35:1- أع27:4و30- أع 27:2- عب 26:7).
استخدم الروح القدس ثلاثة رسل ليشهدوا لكمال شخص ربنا:
يوحنا: «ليس فيه خطية» (1يو5:3) –
بطرس: «لم يفعل خطية» (1بط 22:2) –
بولس: «لم يعرف خطية» (2كو 21:5).
كان من المستحيل أن يخطىء سواء بوصفه الله أو الإنسان الكامل الذي أطاع الآب بشكل مطلق (يو 29:8).
ع16 «فلنتقدم بثقة الى عرش النعمة». تتأسس ثقتنا على يقيننا أنه مات لأجل فدائنا, وهو حي عن يمين الآب يشفع فينا ويحفظنا وينتظرنا بترحيب حار للاقتراب إليه. قديمًا لم يكن لأحد من الشعب أن يقترب إلى الله في قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة في يوم الكفارة, والله نفسه كان محتجبًا وراء الحجاب. أما بالنسبة لنا، فإن الحجاب قد انشق لما أسلم ربنا الروح، وصار لنا ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله، لنتقدم بقلب صادق في يقين الايمان» (19:10- 22).
بالنسبة للخاطىء الذي لم يتبرر فإن عرش اله. هو عرش القداسة والبر والدينونة، لكن بالنظر لذبيحة المسيح والنعمة التي تغفر, فإن العرش هو عرش النعمة لنا، وأمام هذا العرش رئيس الكهنة لنا ”يسوع ابن الله“، فإننا نقترب بثقة وفي أي وقت وننال رحمة ونجد نعمة.
إن رحمته العظيمة جدًا تغطي ما كان ينبغي لنا ألا نقترفه, أما نعمته فتمدنا بالقوة للقيام بما ينبغي أن نعمله، وإنما نفتقر إلى القوة اللازمة. النعمة فيها كل الكفاية. تحت الناموس كان الموت يهدد من يقترب إلى الأقداس، أما الآن فالطريق هو طريق حي, والموت لمن لا يسلك فيه
لكي ننال رحمة: نحن خلائق ضعيفة مسكينة, لكن في عرش النعمة نحصل على الرحمة المعدة لنا «رحمة الله هي كل يوم» (مز 1:52). إنها رحمة قوية «لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه» (مز11:103), بل ”رحمته أفضل من الحياة“ (مز3:63). لكننا نحتاج أيضا الى النعمة التي تؤهلنا لنواجه التجارب والصعاب فنجدها هناك.
عونًا في حينه : ما أكثر الأوقات التي نحتاج فيها إلى العون الالهي! داود إذ نظر إلى معونة الله في أحلك وأصعب الظروف قال بالاختبار في مزمور27 «قد كنت عوني»، وأضاف «إن أبي وأمي قد تركاني، والرب يضمني» (ع 9و10).
وفي ترانيم المصاعد يقول: «أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني! معونتي من عند الرب صانع السماوات والأرض» (مز 1:121و2) . وأيوب في محنته قال: «كيف أعنت من لا قوة له، وخلصت ذراعًا لا عز لها» (أي 2:26). ونحن إذ نلتفت إلى الوراء ونرى أحجار المعونة مرصوفة على طول طريق حياتنا نقول: «إلى هنا أعاننا الرب».
في حينه: أو في الوقت الحرج. نقدر أن نقول إننا في كل لحظة من رحلتنا نحتاج إلى معونة, لكن يوجد أوقات ضيق قوية جدًا حيث الخطر ضاغط أكثر. لنتقدم بثقة إلى عرش النعمة، حيث نجد المعونة مهيأة تمامًا، وما علينا إلا أن نحصل عليها. لذلك عندما تأتي التجربة لنرفع قلوبنا إلى المسيح بصرخة استغاثة فاذا بالنعمة حاضرة لمعونتنا.
إنه «يركب السماء في معونتك، والغمام في عظمته. الإله القديم ملجأ، والأذرع الأبدية من تحت» (تث 6:33و27).