«فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: أَلَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعُونَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ لَهُ: هَأنَذَا. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ انْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ ... فَأَرْسَلَهُ مِنْ وَطَاءِ حَبْرُونَ ... فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هُوَذَا هَذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ» (تك٣٧: ١٣-٢٠).
رغب يعقوب أن يُغادر يوسف البيت، ويرتحل إلى شكيم البعيدة، ليسأل عن سلامة إخوته، كَمُرسَل من قِبَل الآب. ومن جانبه كان يوسف على أتم الاستعداد لأن يُطيع، رغم علمه ببغضة إخوته له.
وفي هذه الرحلة نرى ظلاً باهتًا لرحلة أخرى أعظم قام بها ابن الله، عندما ترك بيت الآب حيث النور والمحبة، وجاء إلى عالم الموت والظلمة، رغم علمه بالشر الذي سيلاقيه، ومع ذلك لم ينكص على عقبيه. وبصدد ذهابه إلى الصليب نقرأ القول: «فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ» (يو١٨: ٤).
وفي قصة يوسف المؤثرة نرى ظلاً ضعيفًا للإستقبال الذي قُوبل به رسول الآب، مِن قِبَل العالم. ولئن كان إخوة يوسف الأشرار لم يعملوا حسابًا لأبيهم، وأرادوا قتل يوسف، فإن شعب المسيح أيضًا لم يقبله، بل قالوا: «هَذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ!» (مت٢١: ٣٨؛ مر١٢: ٧؛ لو٢٠: ١٤).
إن الفساد والظلم هما طابع قلب الإنسان الشرير. ولا شيء يُظهر شر الإنسان قدر شروق الصلاح. لقد كان حضور يوسف هو الذي أظهر ظلم وفساد إخوته. وهكذا فحضور الصلاح الكامل في شخص ابن الله، كان هو المناسبة التي طما وطفح فيها شر الإنسان. وإن كان الصليب هو المكان الذي ظهر فيه الصلاح كما لم يظهر من قبل، فهو ذاته التعبير عن شر الإنسان بصورة لم يشهدها العالم من قبل. هناك غاص الشر إلى أعماق لا تُسبر أغوارها، بينما تسامى الصلاح إلى أفاق عليا لا يُمكن قياسها.