كان الطوفان معجزة بكل المقاييس، وهو قضاء إلهي من حق الله، يستعمله متى شاء عندما يرى بحكمته ضرورة لذلك. والقضاء سلطان مُطلق لا يوضع في يد الإنسان لأنه قد يُسيء استخدامه، لكن الله منزه عن الخطأ، لذلك جعل هذا السلطان من حقه هو وحده.
مع الطوفان، ذلك الغمر الجارف العظيم الذي قلب الأعالي في أسافل، بسبب خطية الإنسان وظلمه، أعطى الله علامة عهد بينه وبين الناس، علامة تأسست على عمل المذبح، وتلك هي «قوس قزح»؛ قوس الله في السحاب. هي قوس من ألوان الطيف الناشئة من تحلل حزمة من الضوء على قطرات الماء في السحاب.
الله نور، وحينما ظهر في الجسد ولمس مع سحب أحزان وآلام وإعواز الأرض، استُعلنت طبيعته (المحبة) في جمال نعمة فائقة لطيفة لم تظهر من قبل، ولا رآها الإنسان من بعد.
ينتهي الأصحاح التاسع من سفر التكوين بنبوة رمزية شمولية، نطق بها نوح، يذكر فيها أسماء أبنائه الثلاثة، لكن المقصود بالأسماء الثلاثة سلالتهم عبر الزمان، هذه النبوة تحققت بصورة واضحة جدًا.
- لقد أخذ سام دسم البركة، ومن نسله جاء المسيح مخلص العالم.
- ويافث فتح الله له، فزاحم سام وسكن في مساكنه. تحقق ذلك بعد ألفي سنة حين جاء الإسكندر (من مساكن يافث) وأخضع شعوب الشرق (مساكن سام) وتوالت بعده غزوات أوربا.
- وحام سكن أفريقيا، التي ظلت لقرون لطويلة مهدًا للعبودية. إنها لعنة، ولكن هذه اللعنة مثل باقي اللعنات ألغاها الرب يسوع تمامًا.
نطق نوح بهذه النبوة منذ أربع آلاف سنة تقريبًا، وكان لا بد لها أن تتحقق بحذافيرها.
ثلاث عبارات، جمع نوح ولخص بها تاريخ شعوب الأرض كلها. وفي كل علم الكلام وفي كل الأزمنة السابقة واللاحقة، حتى في الأبدية، لا يوجد ما يضارع كلمات نوح في اختصارها واتساع معناها، سوى كلمة مختصرة قالها ذاك الذي هو أعظم من نوح بما لا يُقاس، قبل أن يسلِّم الروح، نطق بها ليعلن انقضاء شوكة الموت والهاوية، وكمال فداء الإنسان، عبارة تحوي الأزل والأبد، كانت هذه كلمته التي نطق بها بعد ساعات الظلام من فوق الصليب: «قد أُكمل».
(يتبع)