تبدأ قصة “بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ” بفزع وضجر الملك “بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ” بسبب نزول بنى إسرائيل بجوارهم. لماذا ارتعبوا هكذا؟ السبب كما يقول سفر العدد ٢٢: ٢: «لَمَّا رَأَى بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ جَمِيعَ مَا فَعَلَ إِسْرَائِيلُ بِالأَمُورِيِّينَ». لقد رأوا فقط ما يمكن للعين الطبيعية أن تراه، واستنتجوا تلقائيًا أنهم اللاحقون في الهزيمة على يد شعب الله المختار. أما ما لم يعرفوه فهو ما تراه عين الإيمان وحدها في كلمة الله؛ أن الرب كان قد قال للإسرائيليين «لاَ تُعَادِ مُوآبَ وَلاَ تُثِرْ عَلَيْهِمْ حَرْبًا، لأَنِّي لاَ أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِهِمْ مِيرَاثًا» (تث٢: ٩).
واحدة من أعظم بركات الإيمان هي القدرة على معرفة فكر الله. شيء لا يمكن لبَالاَق ولا لبَلْعَام أن يعرفاه. فبَالاَق استأجر بَلْعَامَ ليتحاشى هجومًا لن يحدث أبدًا، وبينما كان بَلْعَامُ يسعى ليلعن إسرائيل، كانت تأتي البركات في كل مرة.
كيف يرى العالم بَلْعَامَ؟ في سنة ١٩٦٧، وأثناء تنقيب علماء الآثار في الأردن (موآب القديمة)، اكتشفوا مخطوطة تشهد عن نبوات بَلْعَامَ، الذي ظل معروفًا - لقرون بعد موته - بأنه عرَّاف استطاع أن يتصل بالآلهة من خلال السحر والعرافة (عد٢٢: ٤٠، ٤١؛ ٢٤: ١)، وهكذا يوجد أناس أيضًا اليوم.
كيف يرى الكتاب المقدس بَلْعَامَ؟ في الوقت الذي يُظهر اكتشاف علماء الآثار أن العالم قد رآه كعرَّاف مُحنك، دانه ثلاثة كُتّاب من العهد الجديد لارتكابه الآثم، إذ قال بطرس عنه إنه: «أَحَبَّ أُجْرَةَ الإِثْمِ»، وأشار يهوذا أن عِلّتِهِ كانت الطمع، ويقول يوحنا إنه أغرى الشعب لعبادة الأوثان وللرذيلة الجنسية، إذ «كَانَ يُعَلِّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقِيَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، وَيَزْنُوا» (٢بط٢: ١٥؛ يه١١؛ رؤ٢: ١٤).
أما العهد القديم فقدَّمه لنا في صورة مُبهمة عندما استطاع حماره أن يرى ملاك الرب قبل بَلْعَامَ (عد٢٢: ٢٢-٣٠).
إذًا لماذا نكرس اهتمامنا لشخص أُشير إليه في دراسة نلسون للكتاب بأنه “يستحق أقسى تعنيف... مثال للشر وصورة للشيطان”؟ السبب – بكل أسف - أن أمثاله لا زالوا حولنا حتى اليوم.