منذ أكثر من ألفي سنة وهذا السؤال يُحيّر الكثيرين، قال البعض: لقد قام يوحنّا المعمدان من الأموات، وأعتقد قومٌ أنّ ايليّا النبي الّذي صعد حيًّا الى السماء قد ظهر ثانية، بينما افتكر آخرون أنّ نبيًّا من القدماء قام، فتحيّر هيرودس أنتيباس حاكم الجليل وتساءل مندهشًا: من هو هذا؟ (لو٩: ٧-٩).
وعندما انتهر الريح وأبكَمَ البحر، خاف تلاميذه أيضًا خَوْفًا عَظِيمًا وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» (مر٤: ٣٩-٤١).
لعلّك أنت أيضًا بعد مرور ألفي سنة تفتكر في هذا السؤال عينِهِ: من هـو هذا؟ فالبعض يقولون انّه أفضل مُعَلّم على الإطلاق، وغيرهم يجزِم: هو أعظم داعية سلام وتسامح ومحبّة، وقد تختار أنت كالكثيرين طريقًا وسطًا لتنال القبول من الجميع فتقول: إنّه بلا شك أحد الأنبياء الأفاضل كالّذين كانوا قبله وبعده.
والعجيب أنّ تعبير المسيح عن نفسه رغم عظمة معناه جاء قصيرًا للغاية، فلم يبدأ بسرد قصّة حياته مع أنّها مِن الإثارة بمكان، ولا أخذ يشرح أُمورًا عميقةً صعبة الفهم - رغم أنّه في العُمق لا يُبارى - لكنّه قال ببساطةٍ ووضوحٍ مُذهلَين: «أَنَا هُوَ».
اسمعه يقول: «إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ»، ومن ثمّ يردف: «مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ»، وفي وسط حيرة ِ سامعيه يورد توضيحًا لتعبير «أنا هـو» قائلاً: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو٨: ٢٤، ٢٨، ٥٨)، فأدرك اليهود أنّه ينسب بذلك لنفسه صفات الله، لكنّهم في عدم إيمانهم وغباوة قلوبهم رفعوا حجارةً ليرجموه.
«أَنَا هُوَ» ... إعلانٌ مجيدٌ يُظهِر إلوهية الرب يسوع، وهو يعادل الجواب الّذي أجاب الله به موسى عندما سأله عن اسمه، فقد قال قَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ»، أي ”أكون من أكون“ (خر٣: ١٤). إنّ يسوع ربّنا هو بالحقيقة الله الظاهر في الجسد كما كُتب عنه: «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ» (١تي٣: ١٦).