«أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ» (يو١٧: ٤)
في حياة الرب يسوع المسيح كإنسان نجد نموذجًا لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان. فمع أنه الله الكائن على الكل إلهًا مُباركًا، إلا أنه أظهر أعظم سمة تميز المخلوق، ألا وهي الطاعة. ورغم أنه الخالق القدير والحامل للكون الفسيح بكلمة قدرته، إلا أنه لم يخطُ خطوة واحدة بدون تفويض إلهي. فعندما جرّبه الشيطان، لم يتصرف إلا بموجب سلطان الكلمة. فضلاً عن ذلك، فهو لم يُجرِ معجزة واحدة ليُطعم نفسه. وهو لم يذهب إلى الهيكل – رغم كونه هيكله – إلا مُرسلاً من قِبَل الله. وهو لم يتسلم مُلكه على هذا العالم لأن توقيته المحدد من الله لم يحن بعد. كانت طاعته مطلقة وكاملة من المذود إلى الصليب، وفي ذلك كان مبعثًا للسرور لقلب الله؛ فهو بالفعل إنسانٌ طائعٌ كاملٌ.
أليس هذا ما ينبغي أن يكون عليه كل إنسان على وجه البسيطة. أليس هذا هو المقياس الذي يمتحن طاعتنا. فعندما ننظر إلى أنفسنا في ضوء هذا الشعاع الواحد من مجد المسيح، سنرى قصورنا وتقصيرنا عن ارتياد الطريق الوحيد المُرتّب من الله للإنسان المخلوق. وفي ضوء النور الساطع الصادر عن شخص المسيح وطرقه، نكتشف – كما لم يظهر من قبل – الظلمة الأدبية لحالتنا بالطبيعة. سنكتشف أننا عصاة، غير طائعين، عاملين بمقتضى إرادتنا الخاصة، لا نعمل إلا مسرّتنا الشخصية. لقد نبذنا سلطان الله علينا، ولم تعد كلمته تحكمنا. ولقد أظهر الناموس استقلاليتنا عن مشيئة الله، وعداوة قلوبنا له. ولكن من ذا الذي لا يدرك عمق الشقة بين ناموس يطالبنا بالطاعة، وبين الرب يسوع المسيح كإنسان خاضع مُطيع لله. نعم، إن هذا هو المحك الحقيقي لطاعتنا. فطاعة الرب يسوع المسيح كإنسان هي التي تُظهر حالتنا العاصية، وهو وحده كالإنسان المُطيع يقيس ويُظهر تمرد قلوبنا.