كروسبيمعمودية الروح القدسمواهب الروح القدس
أفسس4؛ كورنثوس الأولى12- 14
تحدثنا في المرة السابقة عن مواهب الروح القدس المذكورة في أفسس 4. وأشرنا إلى الرسل والأنبياء والآن نتابع الحديث عن بقية هذه المواهب. فنتحدث عن:
المبشرين
نقرأ أن المسيح أعطى «البعض أن يكونوا مبشرين». ولا أحتاج أن أتكلم كثيرًا عنهم، رغم أن موهبة المبشر هي موهبة ثمينة جدًا. وأنا أعرف أن كثيرين ينظرون إليها كشيء بسيط، ولهذا السبب ينظرون إليها نظرة الازدراء. لكن من الجدير بالاعتبار أنه هنا، حيث يتعلق الموضوع بما يعطيه الرب لأجل بركة وخير الكنيسة، يَرِد ذكر المبشرين، لأنه إذا لم يكن هناك مبشرون فسوف لا تنمو الكنيسة. والمبشر ممتلئ بالإنجيل. وما هو الإنجيل؟ إنه إعلان قلب الله، وأي شيء يمكن أن يعلو فوق ذلك الأمر؟ إنه إعلان شهادة الله عن ابنه. وغرض المبشر هو أن يُحضر النفوس إلى الرب، وبالتالي يأتي بهم إلى الكنيسة.
إن المبشر هو شخص يشغل نفسه بالنفوس. إن له محبة متقدة لهم، وعطشًا شديدًا لأجل خلاصهم. إن غرضه بكل تأكيد هو أن يربح النفس للمسيح، لكن لنلاحظ هذا، أنه إذا كان يعمل بالحق، فهو يمارس خدمته من حضن الكنيسة. إنه من الكنيسة، لذلك، فإن عمله رغم أنه ليس بالضرورة في الكنيسة، إلا أنه يخرج من الكنيسة، والنفس التي تُمسك بها نعمة الله، وتؤمن بالرب يسوع كمخلِّصها، تصبح عضوًا في جسد المسيح. وحينما يكون كل شيء في ترتيبه الطبيعي، سيوجد بين المجتمعين حول اسم الرب. وإذا كان عمل المبشر ناجحًا، ليس فقط في تغيير النفوس وإرجاعها إلى الله، بل أيضًا في بُنيان الجسد، فيجب أن يكون له ساقٌ ثابتة، أي يتذكر أنه من الجماعة، ويعمل منها، ثم يعود إليها. وبمعنى خاص فإن الجماعة هي جلجاله.
كثيرون من المبشرين ينظرون إلى عملهم كنوع من حرب العصابات. إنهم ماهرون في الرماية الروحية، غير مقيدين بجماعة، مسرورون في أنهم غير مرتبطين بأحد. لكن في كل هذا، الإرادة الذاتية هي العاملة. ينبغي أن يكون أمامي غرض ثابت في التبشير بالإنجيل، أولاً، أن أُحضر النفس إلى المسيح، وثانيًا، أن أضعها في مكانها اللائق في كنيسة الله على الأرض. إنه ليس مُحتمًا أن يُستخدم المبشر دائمًا في هذا. هناك آخرون يجب أن يكونوا مقتنعين بحقيقة الثمر الناتج من عمله.
إن المبشر الحكيم سوف لا يتسرع بإدخال الثمر الظاهر لخدمته إلى داخل الجماعة. وإني أتحدث هنا عن أولئك المجتمعين على المبادئ الكتابية للكنيسة. إنه سيكون مفتقرًا جدًا إلى الحكمة إذا فعل هذا في رأيي، لأن المبشر بطبيعة موهبته، حار القلب ومتحمس، ينقاد كثيرًا لحرارة روحه. انظروا إلى فيلبس الذي هو أول شخص والوحيد بحسب ما اعرف، الذي دُعيَ «المبشر». ماذا نقرأ عنه في أعمال8؟ كان يبشر بالمسيح، وكانت النتيجة أعدادًا غفيرة من الراجعين، وكان مشتاقًا أن ينزل الرسل إلى هناك. وكان يُدْخِل كثيرين إلى بيت الله على الأرض بواسطة المعمودية. وقد عمَّد سيمون الساحر على أساس اعترافه بالإيمان، وكان مزمعًا بلا شك أن يُدخله إلى الشركة مع القديسين لولا مجيء بطرس. وأنا لا أشك أن فيلبس اعتقد أنه اصطاد سمكة عظيمة حينما سمع أن «سيمون نفسه آمن أيضًا». ولكن بحسب النتيجة المُعلنة في كلمة الله، فهو لم يحصل عليه. لقد احتاج الأمر إلى التمييز الهادئ لبطرس لكي يُظهِر حقيقة سيمون. ومن المُحزن جدًا أنه سمع القول «ليس لك نصيب ولا قُرعة في هذا الأمر. لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام الله» (أع8: 21). إن عناية الرب واهتمامه بكنيسته، وكذلك بفيلبس المبشر، مؤثر جدًا في هذا المشهد. أية بهجة لنا أن نعرف أنه لا يزال كما هو، لذلك يستطيع المرء أن يقول بفرح إنَّ الرب يعين كل المبشرين الأعزاء، يُبهجهم ويشجعهم، ويُكثر أعدادهم ألف ضعف. إذا كنت حكيمًا، وتسير بحق «في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس» فأنت أيضًا ستساعدهم بكل وسيلة ممكنة في طاقتك أن تقدمها.
إذًا، ماذا ينبغي أن يفعل المبشر حينما يرجع شخص إلى الرب؟ إنه سيقدمه إلى الجماعة، وليس بالضرورة أن يُدخله إلى هناك. هناك آخرون سيفعلون ذلك. وحسن أن يجعل آخرين يحكمون في حقيقة وصحة عمل الله في الشخص الراجع. إنهم مسؤولون أن يفعلوا هذا الأمر. ربما تقول، يجب عليه أن يُعلِّمه. كلا، إن المعلم هو الذي يجب أن يعلمه. إنني أعترف تمامًا أنه بسبب الخراب الذي في الكنيسة، فإن المبشر غالبًا يسعى أن يفعل ذلك، لكن هذا ليس عمله. إنه بسبب خراب وسقوط الكنيسة، فإن كثيرين من خدام الله الموهوبين لا يمارسون الدور الذي تأهّلوا له. والسبب هو أن كثيرين من أولئك الذين يمتلكون مواهب حقيقية، وهم أنفسهم عطايا من المسيح إلى الكنيسة، قد دُفنوا. نعم، أنا أعتقد أن عددًا لا يُحصى منهم قد دُفنوا تحت خرائب المسيحية المعترفة. إنهم بسبب النُظم الاكليروسية يتحيرون ويُعاقون ويُحصَرون، لأن هذه النُظم تمنع ممارسة الموهبة ونموها، وبالتالي فهم لا يمارسون الموهبة التي أعطاهم الرب إياها. لقد عُزِلوا من أداء مواهبهم الحقيقية بواسطة التنظيمات الإنسانية البحتة، والتي للأسف تكثر في المسيحية الاسمية، والتي فيها يُعاق النشاط الحر للروح القدس في الأعضاء الموهوبة في جسد المسيح بذلك الذي يسمونه ”الخدمة“، والتي لا يستطيع الله أن يعتبرها هكذا، حيث إنها من حيث المبدأ، هي مقاوِمة للإرشادات المباشرة والبسيطة لكلمة الله.
لقد اغتصب الإنسان في المسيحية الاسمية مكان الروح القدس، مما أدّى إلى هذا التأثير الخطير، أن أعدادًا من أولئك الذين هم بالحقيقة خدام موهوبون للمسيح، صامتون، ولا يمارسون مواهبهم المُعطاة لهم، لأن نفس النُظم الاكليروسية التي يجدون أنفسهم فيها، لا يوجد فيها حرية لممارسة مواهبهم.
ما أجمل الترتيب الإلهي في كنيسة الله! فأولاً، يصل المبشر إلى الخاطئ، ويأتي به إلى بوابة الجماعة، ويترك أولئك الذين هم فيها ليختبروه، وإذا كانوا واثقين منه يقبلونه، لأنه من المؤكد أن الجماعة ككل، هي التي تقبل. وكل واحد كما الكل من الذين يكوّنونها هم مسؤولون. وحينما يُحكَم أن الشخص هو مولود من الله، وساكن فيه الروح القدس، يُقبَل في الجماعة. ودعونا نتحذر من إبقاء النفوس خارج الجماعة إلى أن يصبح لهم إدراك كافٍ مثل أولئك الذين في الداخل. إن هذه الفكرة شائعة جدًا، وبعض القديسين يعتقدون أن أمثال أولئك يجب أن يُترَكوا في الخارج إلى أن يحصلوا على قدر معيَّن من الإدراك. إن ذلك يُظهر قلة الإدراك التي يمتلكها الذين يتصرفون بمثل هذه الطريقة، وقلة معرفتهم لفكر الرب، لأنه كما تعرفون أنه حينما يولد طفل، فهو يحتاج إلى قدر كبير من الحضانة والانتباه والعناية. وإذا كانت الجماعة تسير بالحق، فهي المكان الوحيد الذي يجد المولود حديثًا فيه كل هذا، وهي المكان الصحيح الذي يُقاد إليه الشخص المولود من الله بواسطة المبشر، في توقع أنه هناك سيوجد وفرة من المهتمين الذين يُسرّون أن يحتضنوا ويربوا ويساعدوا الحياة الجديدة المُعطاة من الله. يا ليتنا نرى كثيرًا من هذا في أيامنا هذه.
الرعاة والمعلمون
بعد ذلك يأتي «الرعاة والمعلمين». إن الراعي لا يقل أهمية عن المعلم، فهو يشغل نفسه بحالة النفس ونموها. أما المعلم فهو ينشغل أكثر بكلمة الله، ساعيًا لكشف وشرح ذلك الذي أعطاه الله في تلك الكلمة. إن الموهبتين التأسيسيتين للرسل والأنبياء باقيتان باستمرار في الكتاب المقدس. أما المبشرون والرعاة والمعلمون، فهم يمارسون مواهبهم كما هي مُعطاة من الرب في خدمتهم الحية، إلى أن ينتهي وجود قديسين في الأرض لأجل تكميلهم. إن الرسل والأنبياء يعطوننا الحق. والمبشر يحمل إلى العالم جانب الحق الذي يحتاجه ـ وهو الإنجيل ـ ويأتي بالنفوس الراجعة. بعد ذلك يبدأ الراعي في ممارسة موهبته، بأن يعتني بهم، ويرى كيف هم سائرون. إن عمله جميل جدًا، وإن كان ليس بارزًا، لأن الراعي يرتبط عمله كثيرًا بالرعاية وليس بالوعظ. وربما لا يُسمَع صوته إطلاقًا في الكنيسة. إنه يدخل ويخرج، ويهتم بحاجة النفوس. وأعتقد أن عمله هو بالأكثر من بيت إلى بيت، وهو عمل مُبهج بلا شك. أما المعلم فهو بوجه خاص مَن يُعدّه الله ليكشف ويوضح كلمته التي سبق وأُعطيت وسُجلت في الكتاب المقدس. إنه مشغول بالكتاب، يُنقِّب ويفتش عن كنوزه، ويُطعم القديسين بذلك. إن الجزء الأكبر من عمله هو في الكنيسة. ومثل هؤلاء لا بد أن يعتني الله بهم بالنسبة للحاجات الزمنية، حيث يقول في رسالة أخرى: «ليشارك الذي يتعلم الكلمة المعلم في جميع الخيرات» (غلا6: 7). كما أنه لا ينسى المبشرين حيث نقرأ «هكذا أيضًا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون» (1كو9: 14). ومما هو جدير بالملاحظة أن الرسول بولس بينما هو يضع هذا المبدأ، نجده في الحال يرفض تطبيقه على نفسه (ع15). إن الراعي الحقيقي يفكر فقط في الخراف، وليس في إعالته الشخصية. إنه يفكر في حاجتهم الروحية، وهم من جانبهم ينبغي أن يفكروا في حاجته الزمنية، لكن الكل يجب أن يكون بالنعمة وليس كناموس. وحينما تهبط الخدمة إلى كونها ”وسيلة معيشة“ حيث لا يوجد شيء أكثر هولاً، فهذا يُشتَّم منه للأسف شخصية بلعام وطرقه (انظر 2بط2: 15؛ يهوذا11). رغم ذلك ينبغي أن يكون فرح وواجب المتعلم أن يشارك المعلم في جميع الخيرات.
إذًا في هذا الأصحاح نجد الوجه السماوي لمصدر الخدمة في وسط الجماعة فائضًا من الرب يسوع في الأعالي. وواضح أن مؤهلات الخدمة لا يمكن أن تُوَصَل بواسطة الإنسان، كما لا يمكن أن تُغَذَّى الموهبة بواسطة الإنسان. إنها تنمو فقط بواسطة الممارسة. لذلك فأنت لا تستطيع أن تعمل خادمًا للمسيح. إنه المسيح فقط الذي يستطيع أن يعمله، وفي هذه الحالة، فمن امتياز القديسين ومسؤوليتهم أن يقبلوا هذا الخادم. وهو من جانبه عليه أن يعرف طبيعة موهبته، ثم بثبات ودون إعاقة يستمر في ممارستها، في مكانه الصحيح في جسد المسيح ـ الجسد الواحد ـ الذي هو عضو فيه.
(يتبع)
و. ت. ب. ولستون