الصلاة لا توَّجه إلى الروح القدس في العهد الجديد
إنها لحقيقة تستحق الاهتمام، أنه في العهد الجديد، لا نجد أبدًا صلوات موجهة إلى الروح القدس. إن الترنيمات والصلوات، لا تحمل في طياتها الطابع الإلهي، إذا لم تكن بواسطة الروح القدس. ولكي يكون الشيء حقيقيًا يجب أن يكون من الروح القدس، وفي الروح القدس.
لكن الروح القدس ليس غرض الابتهال أو التوسل. إنه بواسطته فقط نسجد، وفيه ينبغي أن نُصلي. إنه موجود هنا على الأرض كمن يعمل لمجد الآب، وكمن يعمل لمجد الابن. وبالمثل وبناءً على ذلك، إذا كان الأمر يتعلق بالسجود، فيجب أن يكون “بالروح والحق”. وإذا كان يتعلق بالصلاة، فيجب أن تكون صلاة في الروح. وأكرر أنه في الكتاب المقدس لا توَّجه الصلاة أبدًا إلى الروح القدس.
التسبيح بالروح القدس
ربما يسأل البعض: وماذا عن التسبيح أو الترنيم؟ إن الكتاب المقدس يُوصينا: «وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ، مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ» (أف5: 18، 19). ونقرأ أيضًا «أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضًا» (1كو14: 15). إن الروح القدس في واقع الأمر هو المصدر لكل أفراح المؤمن المسيحي.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا نجد أي تسابيح مُعطاة لنا في العهد الجديد؟ قد تقول: انظر إلى مزامير داود، هناك العديد من التسبيحات التي نظمها. إنني أعترف تمامًا بجمال مزامير داود، لكن التسبيحات التي توافق أيام داود، والترنيمات التي تناسبنا نحن هما مختلفتان تمامًا. لماذا إذًا لا توجد ترنيمات في العهد الجديد؟! أعتقد أن السبب هو أن الروح القدس موجود هنا، وهو المصدر لكل سجود حقيقي، والله لا يمكن أن يضع صيغة أو قاعدة لذلك.
إن الناس يحبون الكلمات المُصاغة. لكن العبارات المُصاغة هي باردة وبلا حياة.
إن العبادة أو السجود لا يجب أن يكون مُصاغًا بصيغة معينة، لأن الروح القدس ينبغي أن يكون هو النبع للسجود. وأنا لا أشك في أن تلك المزامير والتسابيح والأغاني الروحية، المذكورة في أفسس 5، وكولوسي 3 هي تلك التي ألفها وكتبها الروح القدس بعد يوم الخمسين.
لقد قاد الروح القدس بعض الأواني بقوته لكي يُعبِّروا في هذه السطور الشعرية عما هو الحق، نابعًا من الفرح الذي يأتي به الروح القدس أولاً إلى المؤمن بواسطة الحق. ربما يكون هناك وفرة من الشعر، ووفرة في السجع، إلا أن عمله يكون غائبًا.
لكن الترنيمة الروحية هي ترنيمة لا يستطيع أن ينتجها إلا الروح القدس فقط. إن له الحرية أن يستخدم قلم أي خادم، أو إناء، لأجل هذه الخدمة الكنسية. كما أن له الحرية أن يستخدم شفتي أي خادم في خدمة شفوية.
ربما يفيدنا أن نعرف أن عدد الترانيم والأغاني الروحية التي كُتبت، خصوصًا في ألمانيا وانجلترا، باللغة اللاتينية واليونانية، من يوم الخمسين حتى الآن، يزيد على أربع مائة ألف، وكلها تنشر بوضوح ونقاء قوة اسم يسوع. نشكر الله لأجل هذه الترنيمات. وأنا لا أقول أن الروح القدس قد أنتج كل واحدة من هذه الترنيمات الشعرية، لكن بكل تأكيد نحن مدينون للروح القدس لأجل الكثير من هذه الترانيم الروحية التي تُظهر جمال وأمجاد المُخلِّص. ومرة أخرى أقول نشكر الله لأجلها.
لكن من المحزن أن نفكر أن كثيرين من المسيحيين قد عاشوا وماتوا دون أن يُرنموا لاسم يسوع. لماذا؟ لأنه لم يكن موجودًا في مزامير داود الذي عاش في تدبير ماضٍ. إن تلك المزامير تتحدث عن شعب أرضي، عن جماعة أرضية، ورغم أنها كانت مناسبة جدًا لحالة النفوس، والتدبير، عندما كُتبت، كما أنها كانت تتوقَّع وقت ومجد الملكوت الذي كان عتيدًا أن يؤسس، إلا أنها غير مناسبة لتكون تعبيرًا عن السجود الذي ينتجه الروح القدس نحو الآب والابن في يومنا هذا؛ يوم الفداء الكامل. إنها لا تلمس الأساس الذي يرتكز عليه القديس، الذي أُحْضِر إلى تلك الحرية التي للروح القدس. وإذا كنتَ بالحقيقة تلمس ذلك الأساس، ستجد أنك ستحتاج شيئًا أكثر امتلاءً بالمسيح، ومُعبِّرًا عن الفرح السَّماوي أكثر من مزامير داود.
ليس لي شيء أقوله ضد هذه المزامير - الله لا يسمح لمجرد الفكرة - لأنها ثمينة جدًا كمن هي تُحضر المسيح نفسه مرارًا أمامنا. لكن ما أعترض عليه هو الاستعمال الخاطئ لها، في تقييد قديس العهد الجديد لحدود تسبيح قديس التدبير القديم والسالف. وإن كانت مزامير داود جميلة وحسنة، فلم يقصد الله أن تكون هي التعبير عن سجود القديسين في زمن الروح القدس.
فعندما جاء الروح القدس، كان قادرًا تمامًا أن يستخدم أواني لإنتاج تلك الترنيمات الشعرية التي تُعبِّر عن مشاعر القديسين. وإني لا أعرف شيئًا أكثر جمالاً مِن أن تذهب إلى اجتماع الكنيسة، وأن تجد أنه من نخبة مُختارة من هذه الترانيم، تُنتقى ترنيمة بعد الأخرى تناسب تمامًا الشعور بالحالة، وتكون المُعبّر عن سجود الجماعة في تلك اللحظات. ولا يوجد شيء أكثر عونًا للكنيسة من ترنيمة مُختارة جيدًا بالروح القدس. وكذلك لا شيء يُعيق الروح القدس أكثر من ترنيمة أُسئ اختيارها.
بعض الناس يعتقدون أن أي شخص يستطيع أن يطلب ترنيمة. لكني لا أعتقد أنني أستطيع أن أطلب ترنيمة مناسبة، إذا لم يكن لي الإرشاد المُميّز للرب في اختيارها. ربما يقول أحد الإخوة: “على قلبي ترنيمة، فلهذا طلبتها”. نعم، لكن ليس ذلك برهانًا على الإرشاد الإلهي، لأن أي أخت يمكن أن يكون لها ترنيمة على قلبها، إلا أنها ينبغي أن تكون صامتة في الكنيسة، ولا تطلبها بالتالي. يجب أن يكون لنا إرشاد الرب في هذا الأمر العظيم الأهمية.
الروح القدس في سفر الرؤيا
لكن دعونا الآن ننظر إلى الحق المرتبط بالروح القدس في سفر الرؤيا. إن تقديم هذا الحق واضح وبسيط. إن الروح القدس يُقدَّم في طابع جديد، في زمن قادم، حينما يستلم الرب زمام الحكم مرة أخرى، ويأتي إلى الأرض في صفته القضائية، حينما ستكون الأرض تحت حكم الله المباشر، وحينئذٍ يُقال عن روح الله: ««سَبْعَة أَرْوَاحِ اللهِ». وفي الأصحاح الرابع والعدد الخامس نقرأ: «وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ». من هذا يتضح أن السبعة مصابيح من نار تتضمن أن الله يتعامل مع الأرض كلها قضائيًا، مثلما نجد أيضًا في الأصحاح الخامس «وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ» (رؤ5: 6).
ومن الأصحاح السادس إلى نهاية الأصحاح التاسع عشر، نجد أمامنا أعمال الله القضائية المختلفة على الأرض، بينما هو يعد المشهد لدخول البكر من الأموات؛ الرب يسوع. هناك نجد العمل الشامل للروح القدس في ذلك الوقت. إن هذا سيأخذ شكل الدينونة. إنه سيُزيل ويُطهر الأرض من كل ما فيها من دنس حتى يمكن تأسيس ملكوت الله.
وحينما سمع يوحنا ورأى كل هذه الويلات الآتية، نقرأ: «فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ للهِ! فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ» (رؤ19: 10). إن الفكرة السائدة هنا، أن عمل الروح القدس ينتج بين قديسي ذلك اليوم، انتظارًا نشطًا لما هو قادم. فهناك شيء ينتظرونه لم يأتِ بعد؛ أعني ملكوت الرب يسوع، الذي سيُحضر لهم البركة والحرية.
أما من جهتنا، فنحن لا ننتظر هذه البركات، لأننا نمتلكها الآن. لقد أتى بنا الروح القدس إلى الآب، وأتى بنا إلى المُخلِّص، كما أتى بالمُخلِّص إلينا. نحن فيه، وهو يسكن فينا. نحن لا ننتظر مجيء الروح القدس. إنه يسكن معنا، وهو فينا. ذلك هو فرحنا؛ إن الروح القدس كالروح الواحد، قد أتى بنفوسنا إلى كل هذا.
قريبًا، في زمن سفر الرؤيا، ستكون شهادة يسوع هي روح النبوة، وذلك هو ما ينتظره القديسون المذكورون هناك، ويتنهدون لأجله، ويرغبون في نيله. إنهم ينتظرون الخلاص والبركة – ينتظرون السلام. أما نحن فقد أُحْضِرْنا إلى ذلك الذي هو راحتنا إلى الأبد – إلى محبة الله. والشيء الوحيد الذي علينا أنتم وأنا أن ننتظره الآن، هو يسوع. وسفر الرؤيا يُختَّم بصرخة العروس إلى العريس: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ»، «وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ!» (رؤ22: 20، 17).
وفي نهاية السفر، والذي هو ختام كلمة الله، نجد الرب مرة أخرى يُقدِّم نفسه لقلوب شعبه. والروح القدس الساكن في الكنيسة لكي يُشكّل عواطفها بحسب العلاقة التي تقف فيها بالنسبة للمسيح، يُعطي الإجابة التي ينتظرها: «الرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ!» (رؤ22: 17). إن العروس لا تزال على الأرض، تفكر في اللحظة التي فيها ستُقَدَّم إلى المُخلِّص الآتي لأجلها.
والآن – يا أصدقائي الأحباء – ماذا علينا أنتم وأنا أن نفعله؟ أن ننتظر الرب يسوع، ولا شيء غير يسوع، لأن لنا الروح القدس. نحن ننتظر ونتوقع مجيء المُخلِّص – عريس قلوبنا – الشخص الذي مات لأجلنا، الذي أسلَم نفسه لأجلنا، والذي يُحبنا بمحبة أقوى من الموت، والذي سوف لا يشبع حتى يأتي بعروسه المُشتراه بدمه إلى بيت الآب «وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ!».
الدعوة الأخيرة
لكن، ربما أسمع البعض يقولون: أنا لم أفكر أبدًا في مجيء الرب بتلك الطريقة. كان يجب أن تشارك في الصرخة التي ينطق بها الروح القدس هنا: «وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ!». إذا كنت في المسيح فيجب أن تنضم إلى فرقة المُرتلين. لكن ربما تقول: أنا غير مستعد. توجد في هذه الحالة كلمة لك: «وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» (رؤ22: 17). يُمكنك أن تأخذ هذا الماء الآن حيث أنت جالس «وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا». بينما يسوع ينتظر، ويتأنى في مجيئه، انظري إليه أيتها النفس العطشانة القلقة، واشربي من هذا الماء الحي. ثم ماذا؟ حينما يأتي سوف لا تُترَّكين على الأرض «وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ! وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ! وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا».
ليُعطنا الرب في نعمته أن نعرف كيف نسلك في الروح، ونخدم الرب، بينما نحن ننتظر مجيء المُخلِّص، مُنتجين ثمر الروح، لكي نكون مقبولين في سلوكنا وطرقنا. حينئذٍ، حينما نسمع صوته، وننهض للقائه، أي فرحٍ، وأي بركةٍ ستكون لنا! حيث ننهض لنكون معه كل حين، ولا نعود أبدًا أن نجرحه أو نُحزنه، أو نضل عنه. إن أبديتنا هي أبدية مُفعمة بالبركة الدائمة والتمتع بالله. لكن دعونا لا ننسى أن الغرض من حصولنا على الروح القدس الآن، هو أن يُحضرنا إلى التمتع الحاضر بذلك الذي سيكون نصيبنا إلى الأبد.
(تمت)