ارتضى الله في نعمته قديمًا أن يكون له مسكن في وسط شعبه بعد إخراجهم من أرض مصر. ولأنه إله قدوس فلا بد أن تُميِّز القداسة مسكنه. ومع أول إعلان عن بناء مسكن لله أو بيت له على الأرض جاء الإعلان عن قداسته «هَذَا إِلَهِي فَأُمَجِّدُهُ (ابنى له مسكنًا)، إِلَهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ»، ثم «مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ؟» (خر15: 2، 11).
وعلينا أن ندرك أن ما ميَّز مسكن الله في العهد القديم، هو ذاته الذي يُميز مسكن الله في عهد النعمة، وأقصد به: الكنيسة كمسكن لله على الأرض. ففي رسالة بطرس الأولى حيث يأتي الحديث عن الكنيسة كبيت (1بط2: 4، 5)، يأتي الحديث أولاً عن قداسة الله وعن قداستنا، فيقول: «نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (1بط1: 15، 16).
وحتى عن الهيكل الألفي الذي سيُبنى في المستقبل يتحدث حزقيال عن أهمية قداسة البيت ويصفها بأنها سنة (قانون) البيت «هَذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ: عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخُمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ. هَذِهِ هِيَ سُنَّةُ الْبَيْتِ» (حز43: 12).
من هذا ندرك أن القانون الأول في بيت الله، لكل الأجيال، وعلى اختلاف التدابير، هو القداسة، والقداسة المرتبطة بالبيت تعني خمسة أشياء هامة:
لأن الله قدوس، فعلى الكهنة الذين يخدمون في بيت الله أن يُمَيِّزهم القداسة المُمثلة في الانفصال عن كل صور الشر. والكتاب مليء بالتحريضات التي توضح أهمية الانفصال بالارتباط ببيت الرب. يكفي أن نُفكر في الانفصال في اتجاهين هامين للغاية:
أولاً: بالارتباط باليهودية: هناك انفصال عن كل ما يرتبط بإسرائيل وعبادتها، مع أنها محلة مُرتبة مِن قِبَل الله. فبعد إعلان الكنيسة الواضح نحتاج كمؤمنين أن نخرج خارج هذه المحلة تمامًا. والرب ذاته عندما كان على الأرض خرج منفصلاً خارج هذه الدائرة اليهودية القديمة، خرج قائدًا للخراف، ولذا علينا نحن أيضًا أن نتبعه «فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا» (يو10: 3)، ولذلك جاء التحريض للإخوة العبرانيين «فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عب13: 13).
ثانيًا: بالارتباط بالتنظيمات البشرية في المسيحية: مع مرور الوقت صارت المسيحية بيت كبير، حيث توجد آنية للكرامة وأخرى للهوان، وعلى المؤمن أن يرتبط بآنية الكرامة، وينفصل عن آنية الهوان «وَلَكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهَذِهِ لِلْهَوَانِ. فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هَذِهِ يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2تى2: 20، 21). مِن هذا الجزء نفهم أن أواني الهوان هذه تحمل تعليمًا مضادًا للحق المُسلَّم مرة للقديسين (يه3)، ولذا علينا أن ننفصل عن هَذِهِ، أي عن أواني الهوان.
الشيء المُقدَّس هو الشيء المُخصَّص والمُفرز لله، وعلينا ككهنة أن نُدرك أنه لا يليق بعد أن صرنا للرب أن نستعمل كياننا للعالم أو للجسد أو للشيطان، ولذا جاء التحريض الرائع «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ» (رو12: 1).
الآنية التي كانت في الخيمة قديمًا لم تكن قداستها تعني فقط أنها نظيفة، بل كانت تعني أنها خُصِّصت وكُرست لخدمة الله. والأمر ذاته ينطبق علينا كقديسين الآن، لقد صرنا نحن وكل ما لنا نخص الله تمامًا «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ ... لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ» (1كو3: 16، 17).
لقد فشل حنانيا وسفيرة في يومهما في اختبار القداسة هذا، حيث حاولا أن يظهرا أنهما وكل ما لهما هو للرب، مع أنهما عندما باعا الحقل اختلسا من الثمن، وجاء عليهما القضاء الإلهي نتيجة لذلك (أع5: 1-11). وكم نحاول نحن أيضًا أن نُظهر أننا للرب تمامًا، وفي الوقت ذاته نُبقي لذواتنا أشياء معينة.
كل مَن يريد أن يُمارس كهنوته في بيت الله، عليه أن يتحرك بحسب ما يقتضيه الإعلان الإلهي، وأي شيء يُخالف الإعلان الإلهي يُخالف قداسة الله. في خيمة الاجتماع قديمًا صنع موسى كل شيء بحسب المثال الذي أعطاه الرب له على الجبل. لم يكن الأمر متروكًا لاستحسان موسى أو خياله البشري. وفي داخل بيت الله لا بد أن يسرى الشيء ذاته. فلكي نعلم كيف يجب أن يُتصرف في بيت الله، لا بد مِن العودة للإعلان الإلهي والطاعة له.
لكي نحافظ على القداسة في بيت الله، لا بد أن نكون في شركة مع المسيح الذي هو الرأس، وفي خضوع لعمل وقيادة الروح القدس. ونحن بدون الشركة مع المسيح ذاته، لن نتعلم القداسة الحقيقية، ولن نستطيع أن نمارسها بصورة صحيحة، بل وقد تبغتنا الروح الفريسية الرديئة. لذا فإن الرسول بولس بعد أن تحدث عن الأمم الذين يسلكون في كل نجاسة بطمع، قال: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هَكَذَا، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ» (أف4: 20، 21).
حسنًا قال رجل الله سبرجن: ”إن محضر الله لا يتطلب القداسة فقط، لكنه ينشئها فينا أيضًا ولذا جاء التحريض: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (ابط1: 16). كثيرون يقتربون إلى الله جغرافيًا، إذ يتوجهون إلى أماكن اجتماعات القديسين، بينما هم في منتهى البعد عنه أدبيًا، هذا لأنهم يفتقدون للشركة مع الله. ينطبق عليهم قول الرب: «هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا» (مر7: 6).
عندما قرر يعقوب أن يصعد إلى بيت إيل «قَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ، وَتَطَهَّرُوا، وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ. وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، فَأَصْنَعَ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلَّهِ». إن إدراكه لقداسة بيت إيل دفعته أن يتقدس هو وكل من له (تك35: 1-4).
كم نحتاج أيضًا أن نكون في شركة مع الله، وفي حساسية وخضوع لعمل الروح القدس أثناء التفافنا حول الرب. فكل الأخطاء التي تصدر منا في سجودنا تنتج عن التسرع وعدم التواصل مع الله، وعدم الانقياد لعمل وإرشاد الروح القدس.
هذا واحد من أهم متطلبات القداسة، وكم نحتاج أن نحكم على الشر فينا قبل أن نحكم على الشر في الآخرين.
أولاً: الحكم على الشر فينا: أحد حاخامات اليهود الذين تعرَّفوا على الرب يسوع، سؤل مرة من خادم الرب ”سبرجن“ عن الفارق بين القداسة في اليهودية والقداسة في المسيحية. فأجابه الحاخام: ”القداسة في اليهودية خارجية تتعامل مع الجسد، بينما القداسة في المسيحية هي أن أكون نقيًا من الداخل. وعلق ”سبرجن“ على كلام هذا الرجل قائلاً: كنا نعقد اجتماعًا في منزلنا للقديسين الذين يقطنون الضواحي المجاورة لضاحيتنا مِن فترة لأخرى. وكنا نستدعي طباخة ماهرة لتُجهّز لنا الأطعمة التي نتناولها في هذه الفرص. كانت هذه الطباخة تعمل في المطبخ، وكان يتساقط منها على الأرض بعض الأشياء من المواد التي كانت تطهيها، فكانت تمسك المكنسة، وتدفع هذه النفايات أسفل أثاث المطبخ، في الأماكن التي لا تراها العين، ثم تقوم بتنظيف أرضية المطبخ. وعند دخولنا المطبخ كنا نشعر بأن كل شيء على ما يرام. ولكن مع مرور الوقت كانت هذه النفايات الغير ظاهرة تتعفن، وتنشر رائحة كريهة في المكان.
وللأسف إننا نفعل الشيء ذاته في المجال الروحي؛ فنحن نحضر إلى الاجتماعات، ونظهر بأروع الصور، ولكن كم نُخبئ الكثير مِن الخطايا في قلوبنا، والنتيجة هي ضعف اجتماعاتنا، والبرودة وغياب مظاهر القوة الحقيقية.
لقد خبأ عخان الرداء الشنعاري والذهب والفضة تحت أرضية خيمته، ولكن سرعان ما انبعثت الروائح الكريهة (يش7). قال أحدهم: ”كم أتمنى أن يُفتش الله خيامنا وقلوبنا ومخادعنا ولا يجد فيها شيئًا يُهينه أو يُعيق مجده في حياتنا“. ولأجل هذا قال بولس لإخوة كورنثوس الذين خبأوا شرهم، وأكلوا عشاء الرب بدون استحقاق: «مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا» (1كو11: 30، 31).
ثانيًا: الحكم على الشر في إخوتنا: نحتاج أن نحكم على الشر على الذين هم مِن داخل، ففي داخل جماعة الرب التي انفصلت لاسم المسيح، قد يسقط أحدهم في شرور وخطايا، سواء تعليمية أو أدبية. وهنا يأتي دور الكنيسة كجماعة تجاه أولئك الأفراد، وهو الحكم عليهم وعزلهم، ولذا جاء التحريض «فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (1كو5: 13).
هناك نتائج مُرّة لغياب القداسة في بيت الله سأتناول ثلاثًا منها فقط:
1- غياب التعزية
نام أفتيخوس في أعمال20، وسقط من الطاقة، وحمل ميتًا. ولكن الرسول بولس أقامه، ثم صعدوا وكسروا خبزًا، وتحدث بولس كثيرًا إلى الفجر، ويصف الكتاب ما حدث فيقول: «أَتُوا بِالْفَتَى حَيًّا، وَتَعَزُّوا تَعْزِيَةً لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ» (أع20: 12). نلاحظ أن الكتاب لم يقل إنهم تعزوا تعزية كثيرة، مع أن أفتيخوس لم يرتكب خطايا بشعة، فهو لم يسقط في الزنا أو السكر، ولم يسلك بخبث أو بمكر، بل سقط نتيجة تثقله بالنوم. وهذا أدى إلى نقص منسوب التعزية. فماذا نقول عندما تمتلئ حياة القديسين بتقصيرات وخطايا لا تُرضى الرب، ثم نجتمع إلى اسم الرب منتظرين التعزية؟! مِن الطبيعي في هذه الحالة أن تصير سماؤنا نحاسًا، وأرضنا حديدًا، ونمسى بلا تعزيات.
2- غياب المجد
في أيام عالي الكاهن أخذ الفلسطينيون التابوت الذى يُمَثِّل حضور الله. حدث هذا نتيجة شر الكهنة، حفني وفينحاس. وعندما أُخذ التابوت، أطلقت زوجة فينحاس وهي تحتضر، اسم ”إيخابود“ على ابنها الذي كانت تلده. والاسم يعني: ”زال المجد“.
ونحن الآن نشغل أماكننا ككهنة في محضر الله، وإذا فرطنا في قداستنا، سنأتي إلى اجتماعاتنا دون أن نشعر بحضور الرب، سنفتقد المجد كما فقد الشعب قديمًا التابوت، وهذا شيء طبيعي، لأن «الْقَدَاسَةَ ... بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ» (عب12: 14). بدون القداسة لن نرى الرب، وبالتالي لن نرى مجده.
3- غياب السلام
عندما تغيب القداسة من بين شعب الرب، يغيب الترتيب الذى يُميز القديسين، وتزداد الصراعات والانشقاقات والتحزبات، كما حدث مع إخوة كورنثوس. وعندما نراعي حقوق الله في بيته تتوحد توجهاتنا، وتغيب الصراعات من بيننا.
شيء محزن أن يكون التحيز للخدام في كورنثوس نقطة الانطلاق لشقاقاتهم (1كو1: 12)، وأيضًا أن يتحولوا ليقاضوا بعضهم بعضًا في محاكم العالم، عند الظالمين (1كو6: 1-11)!
أخيرًا أتوقف أمام عبارة خطيرة قالها الرب لعالي وهو يُوقع عليه القضاء «تَرَى ضِيقَ الْمَسْكَنِ فِي كُلِّ مَا يُحْسَنُ بِهِ إِلَى إِسْرَائِيلَ» (1صم2: 32). لقد اتفق أغلب الشراح أن المقصود بالمسكن هنا هو خيمة الاجتماع، وليس بيت عالي. فنتيجة لشر عالي وأولاده ستشهد هذه الخيمة الضيق. وهكذا نقرأ: «وَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَزِيزَةً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. لَمْ تَكُنْ رُؤْيَا كَثِيرًا» (1صم3: 1). ثم نقرأ عن أن تابوت الرب قد أُخذ، وسُبيَّ إلى أرض الفلسطينيين (1صم4). كما أن شاول في يومه أمر دواغ الأدومي فقتل كل الكهنة (1صم22). فنتيجة لشر الكهنة - عالي وأولاده - شهدت هذه الخيمة ضيقًا عظيمًا، وهو صورة لما يحدث اليوم. فعلينا أن نرجع مرة ثانية للرب بالتوبة، ليرفع الرب يده عنا، ويُبعد الضيق عن مسكنه.
ويُلاحظ أنه عندما أراد الروح القدس أن يصف شر أولاد عالي تحدث عن اغتصابهم للذبائح، واستهانة الشعب للتقدمة نتيجة شرورهم (1صم2: 12-17)، وعندما أرسل الرب رجل الله لعالي لم يذكر الرب كلمة واحدة عن الشر الأدبي الذي كان يقوم به أولاد عالي في خيمة الاجتماع، والمتمثل في مضاجعة النساء هناك، ولكنه تحدث عن استهانة حق الله في الذبائح «لِمَاذَا تَدُوسُونَ ذَبِيحَتِي وَتَقْدِمَتِي الَّتِي أَمَرْتُ بِهَا فِي الْمَسْكَنِ, وَتُكْرِمُ بَنِيكَ عَلَيَّ لِتُسَمِّنُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَوَائِلِ كُلِّ تَقْدِمَاتِ إِسْرَائِيلَ شَعْبِي؟» (1صم2: 29)؛ بينما عندما تحدث عالي لأولاده عن شرورهم، لم يتحدث عن استهانة حق الله في الذبائح، وحدَّثهم عن شرورهم الأدبية في خيمة الاجتماع، وهذا كان موضوع أحاديث جميع الشعب «وَشَاخَ عَالِي جِدًّا، وَسَمِعَ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ بَنُوهُ بِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُضَاجِعُونَ النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ فِي بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ؟ لأَنِّي أَسْمَعُ بِأُمُورِكُمُ الْخَبِيثَةِ مِنْ جَمِيعِ هَذَا الشَّعْبِ» (1صم2: 22، 23). الشر الذي تحدث عنه الرب كان الاستهانة بالمُقدَّسات وبالتقدمات، بينما الشر الذي تحدث عنه عالي وجميع الشعب هو الشر الأدبي. ولعلنا نخرج من هذا بدرس خطير: أن الشر الأكثر إيلامًا وحزنًا لقلب الله هو الاستهانة ببيته. فعندما تُغتصب حقوق الله في بيته يُسبب هذا جرحًا لله أكثر من كل الشرور الأدبية الأخرى التي قد تتواجد في حياتنا. بينما يُركز الكثير من المؤمنين على الشرور الأدبية الموجودة في شعب الرب، أكثر مِن استهانة وامتهان حقوق الرب في بيته، بمعنى أنه قد تطن آذاننا ونحن نسمع عن سقوط أحد الإخوة في خطية أدبية معينة، بينما نأتي نحن إلى اجتماعنا كل يوم، ونتحرك ونتصرف بالجسد دون أن يتحرك فينا شيء.
كان الشعب في أيام ملاخي في حالة أدبية مُزرية جدًا حيث الطلاق والخيانة بينهم وبين البعض، ولكن الروح القدس أرجأ الحديث عن شرورهم الأدبية إلى الأصحاح الثاني، وتحدَّث أولاً في الأصحاح الأول عن الاستهانة ببيت الله، وعن الذبائح المعيبة التي كانوا يُقدمونها «تُقَرِّبُونَ خُبْزًا نَجِسًا عَلَى مَذْبَحِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ نَجَّسْنَاكَ؟ بِقَوْلِكُمْ إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ مُحْتَقَرَة» (ملا1: 7).
أيها الأحباء: علينا أن نرجع ونُقيّم تحركاتنا ونشاطنا داخل بيت الله، وعلينا أيضًا أن نقف ضد الشرور الأدبية الموجودة في حياتنا، وإلا وصلنا إلى الحالة التي يقول عنها الرب لملاك كنيسة لاودكية: «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا. هَكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي ... فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ» (رؤ3: 15-19).