أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2014
أيام القضاة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
القاضي الثاني:

إِهُودَ بْنَ جِيرَا الْبِنْيَامِينِيَّ

ملخص لأيام القضاة

عند موت القواد في إسرائيل كان الشعب يرجع ويعصى الله، ويُفسد وراء آلهة أخرى، الأمر الذي كان يجلب عليهم غضب الله مجددًا، لكن الله في رحمته كان يُقيم لهم قضاة ليُخلصوهم من أعدائهم، وليكونوا عونًا للأمة. وكان عُثْنِيئِيلُ أول هؤلاء المُخلِّصين أو القضاة أو المُحرِّرين الذين أقامهم الله لخير شعبه، لكن بمجرد موته حدث ما سبق وحدث من قبل، وهو تمرد الشعب وذهابه وراء آلهة أخرى، فصارت الأمة تحت عبودية ملك موآب لمدة ثماني عشرة سنة (قض3: 14). لم يكن السبب المباشر لذلك هو شجاعة ملك موآب ونصرته على الأمة الإسرائيلية، لكن كان السبب الحقيقي هو إخفاق شعب إسرائيل في طاعة الله. فما مِن أمة كانت لتستطيع الوقوف أمامهم لو ظلوا أمناء لكلام الله، لكن طالما أصر إسرائيل على خيانة إلههم، فقد أتى إلى العبودية بطرق متعددة.

تطبيق هذه النصوص التي من العهد القديم على أنفسنا:

بتطبيق هذه النصوص الواردة في العهد القديم على أنفسنا اليوم، سنجد اختلافا هائلاً بين البركة التي كان الشعب ينالها في يومه، وبين البركة التي ننالها نحن اليوم. فنحن لسنا تحت الناموس، ولا نحاول حفظ الناموس لنحصل على البركة من الله، لكننا مؤمنون بالرب يسوع المسيح على أساس سيادة النعمة، لذلك فإن بركاتنا أبدية ومضمونة في المسيح، ولا يمكن أن تُنزع منا، أما البركات التي في أيام إسرائيل فكانت تتوقف على تصديقهم لله وطاعة ناموسه. وبالطبع إذا خابوا منهما خسروا بركاتهم.

إلا أنه توجد في كل من العهد القديم والعهد الجديد سمات مشتركة، مثل الطاعة. فكما كان على الأمة الإسرائيلية مسؤولية الطاعة، كذلك على المؤمنين أيضًا أن يُطيعوا. وقضاء الله الذي يتبع فشل شعبه في الطاعة هو واحد في كل الأيام. وهناك أيضًا أمور أخرى مشتركة بين الأيام التي نعيش فيها وبين أيام إسرائيل علينا ملاحظتها، فالبركات تتبع الطاعة، كما أن التأديب يتبع العصيان. وعلينا أن نضع هذه الأمور في أذهاننا، لكي نعي فائدة تطبيق هذه النصوص على أنفسنا.

المُستعبِدون: الموآبيون

«وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَشَدَّدَ الرَّبُّ عِجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. فَجَمَعَ إِلَيْهِ بَنِي عَمُّونَ وَعَمَالِيقَ، وَسَارَ وَضَرَبَ إِسْرَائِيلَ وَامْتَلَكُوا مَدِينَةَ النَّخْلِ. فَعَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ سَنَةً» (قض3: 12- 14).

أولاً جاء العدو مِن موآب، ونحن نعلم من مواضع متعددة مَنْ هو موآب، ومِمِن جاء. لقد كانت بدايته تعيسة جدًا؛ فهو ابن لوط، وقد وُلد نتيجة فعلة آثمة (تك19: 30-38)، وكل تاريخ ذريته يستعرض ذات السمات الشريرة التي له، وهي المقاومة لله.

ففي سفر العدد 22 نقرأ أن بالاق ملك موآب استأجر بلعام - النبي الكذاب - ليلعن شعب الله. وهنا تصرف بالاق كابن لأبيه تمامًا، إذ كرر بفعلته هذه ذات بداية أبيه الشريرة، مستعرضًا سماته الفاسدة في مقاومة الله وشعبه. وعندما نصل إلى عدد 25 نجد أن بنات موآب كنّ شَركًا لبني إسرائيل، لأنهن أغوتهم بالزنا معهن، وعبادة أصنامهن، فأوقعوهم في الخطية، وجلبن على أمة إسرائيل نتائجها المريرة، فكن بحق بنات أبيهن. ولقد أعطى الله حكمًا محددًا ضد موآب في تثنية 23: 3 وهو ألا يدخل موآبي ولا عموني إلى جماعة الرب إلى الأبد. كان هذا حكم الله على الموآبيين.

في إشعياء 16: 6 يُعدّد الله صفات موآب التي تستحق الدينونة وهى الغطرسة والكبرياء والافتخار الباطل «قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ الْمُتَكَبِّرَةِ جِدًّا، عَظَمَتِهَا وَكِبْرِيَائِهَا وَصَلَفِهَا بُطْلِ افْتِخَارِهَا». هذه الصفات الشريرة متعلقة بالموآبيين، وحتى ملك الموآبيين في قضاة 3 كان يتصف بها. ونحن كمؤمنين إن عصينا كلمة الله فهناك خطر يحدق بنا، من أن نُغلب بتلك الصفات التي ظهرت في ملك موآب، فنصير متكبرين ومتصلفين وأشرار غير مُتكلين على الرب، حينئذ سنخسر مسؤوليتنا أدبيًا بين شعب الله، في إظهار شهادة مؤثرة عنه. كان هذا تطبيقًا لما يُمثله ملك موآب.

لقد كان من السهل على موآب ادعاء القرابة لإسرائيل، حيث كان إبراهيم ولوط أقارب. وقد خلَّص إبراهيم لوطًا من السبي الذي حدث له في سدوم، لكن هنا يتوَّقف التشابه. لقد كان كل أولاد إبراهيم في خط الإيمان بدءًا من إسحاق الذي وُلد لإبراهيم بمعجزة، فكانوا جميعًا رجال إيمان وجبابرة بأس لله. أما ذرية لوط؛ موآب وعمون، فكانوا أعداء إسرائيل الدائمين، وقد أثبتوا ذلك على طول خط شهادة إسرائيل، إذ كانوا دائمًا ضد شعب الله.

فكان بإمكان موآب القول بسهولة: “إننا أقاربكم، وبيننا روابط تربطنا ببعضنا البعض، ولنا ذات المركز من وجهة معينة، فيجب أن نكون معًا، ونُعين أحدنا الآخر”. ولطالما ادّعوا أنهم ذوو قرابة لإبراهيم عبر الأجيال، ولكننا نرى تناقضًا هائلاً بين أولئك الذين من إبراهيم بالفعل؛ أولاد الإيمان، وبين الذين لموآب أعداء أمور الله.

وبالنظر إلى هوية رفقاء موآب نجد أنهم عمون وعماليق (قض3: 12، 13)، وهما عدوان آخران لإسرائيل. فلا أصدقاء لإسرائيل بصحبة موآب، بل كلهم أعداء. لقد سبق وذكرنا أن الله قد قال أن لا يدخل موآبي ولا عموني في جماعة الرب إلى الأبد (تث23: 3)، وكان هذا قضاء من الرب عليهم. كما كان عماليق ضد عرش الله لأنه مُتكبر وأناني، لذلك قال الله إن له حربًا مع عماليق إلى المنتهى. وها أمامنا الآن تحالف مرعب جدًا ضد الأمة الإسرائيلية: عمون وموآب وعماليق، فكيف لهم مواجهتهم؟ ربما كانت العبودية لأي منهم مُذلة لشعب الله، لكن يبدو أنه خلال الثماني عشر سنوات لم يحاول أحد كسر نير العبودية عنهم، إذ لم يكن بينهم شجاع ولا صاحب حيلة، لكن الله في رحمته أقام لهم رجلاً استطاع أن يفعل شيئًا حيال هذه العبودية، وكان هذا الشخص هو إِهُودَ بْنَ جِيرَا الْبِنْيَامِينِيَّ.

عجلون – ملك موآب:

«وَكَانَ عِجْلُونُ (مَلِكِ مُوآبَ) رَجُلاً سَمِينًا جِدًّا» (قض3: 17)

دعونا نتأمل أولاً في عجلون الذي يمثل رجلاً يستمتع بكل ما يحيط به، بكل ما هو طبيعي ومسر، وما فيه مصلحته. لقد وصفه الكتاب بأنه «رَجُلٌ سَمِينٌ جِدًّا»، وهي حالة تمثل في الوحي المقدس الهزال والفقر الروحي أمام الله، وعادة ما تفضي إلى الاستقلال والفشل. ومن الناحية البدنية الطبيعية يمكننا أن نقول عنه إنه رجل غير معني بالتمرينات الرياضية والنشاط والحيوية، لكنه يستمتع بكل ما في العالم من حوله، وبالتالي صار على هذه الحالة المُتخمة التي تُشير إلى حالة صحية متردية. هذا من الناحية البدنية الطبيعية، وإن كانت لها مدلولات روحية.

ففي سفر التثنية 32: 15 قال الله «فَسَمِنَ يَشُورُونَ وَرَفَسَ. سَمِنْتَ وَغَلُظْتَ وَاكْتَسَيْتَ شَحْمًا! فَرَفَضَ الإِلهَ الذِي عَمِلهُ، وَغَبِيَ عَنْ صَخْرَةِ خَلاصِهِ». وهذا يعنى ببساطة أنه حينما حصلت الأمة على كل البركات التي منحها إياها الله، وبمجرد دخولهم الأرض، وصارت لهم الكروم وحقول الغلة والمعادن ومصادر المياه، وبعد أن حصلوا على كل عطايا الله التي وهبها لهم بسلطان نعمته ورحمته نسوه؛ نسوا مُعطي كل هذه البركات، واستخفّوا بإله خلاصهم. هل كان مُمكنًا أن ينسوا عبودية مصر؟ هل كان مُمكنًا أن ينسوا معجزة البحر الأحمر؟ هل كان مُمكنًا أن ينسوا أعجوبة عبور الأردن وسقوط أريحا، وكل البركات الأخرى؟ هل يمكن أن ينسوا كل هذا؟ نعم، لقد نسوا الله، وتغابوا عن صخرة خلاصهم. هذه هي الحالة التي يُمثلها عجلون في وضعه المُتخم أمام الله.

هناك توازي لهذه الحالة في العهد الجديد نجده في كلمات الرب لملاك كنيسة لاودوكية في رؤيا 3: 14-22 حيث قال اللاودوكي: «إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ» (ع17). لكن الرب في دينونته له صرح بأن مشكلته هي الاستقلال عنه والاكتفاء الذاتي، إذ كان اللاودكيون مستمتعين بما عندهم. وبالرغم من افتخارهم المقيت، كان الرب خارجًا، وليس في وسطهم. لقد نسوا كل الأمور المجيدة التي صنعها الله لهم، وكل البركات التي وهبها إياهم. ويا لها من حالة محزنة إذا اتصفت بها أية جماعة من المسيحيين!

لقد كانت حالة عجلون نموذجًا لهذه الحالة. كان هذا الطاغية يحكم بني إسرائيل، وكان لا بد من التصدي له لكي تُعتق الأمة منه، لذلك أقام لهم الرب – في مُطلَّق رحمته - مُخَلِّصًا؛ “إِهُودَ بْنَ جِيرَا الْبِنْيَامِينِيَّ”.

(يتبع)

فرانك ولاس