أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2014
خمس دلاءل على وجود الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

ربما لم تر الإعلانات التي على وسائل النقل العامة في إنجلترا وأوروبا وأمريكا الشمالية التي تقول: ”من المحتمل أنه لا إله “. وهو تصريح غريب لأن يُنشر على نطاق واسع بواسطة الملحدين والعلمانيين، لأنه يوحي بشك مُحتمل، حتى في أذهان المُعترفين بعدم إيمانهم. فتعبيرهم: ”من المحتمل أنه لا إله“ يُمكن أن يُقال بالعكس: ”من المحتمل أنه يوجد إله“. إذن هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عنه كل إنسان: هل هناك إله؟

إذا لم يكن هناك إله، فلا يمكن الحصول على إجابة لهذا السؤال! فشيء غير موجود لا يمكن إثبات عدم وجوده. فمحاولة إثبات عدم وجوده ربما تثبت فقط أنه موجود. كمثال على هذا المبدأ، دعونا نخترع كلمة ”سموتل“، ثم نقول إنه لا وجود لمثل هذا الشيء. كيف يمكننا أن نعلن مثل هذا الأمر؟ لكي نستطيع أن نقول أن ”سموتل“ غير موجود، علينا أن نعرف ماهيته. ثم علينا أن نبحث في العالم إن كان حقًا هذا الشيء غير موجود. لكن إن كنا وصفنا ”سموتل“ بشكل غير صحيح، فنحن نضل هؤلاء الذين يسعون للتحقق من عدم وجوده. لذلك، علينا أيضًا أن نصف ما ليس هو ”سموتل“ وهو أمر مستحيل. حتى بعد البحث المُضنِ، أفضل ما يمكننا أن نعلنه: ”من المحتمل أنه لا يوجد شيء مثل سموتل!“

لكن هل يمكننا إثبات أن الله موجود؟ في حين أن كل مسيحي يجب أن يكون قادرًا على إجابة السؤال (1بط 3: 15)، إلا أنه من المخجل أن نكتشف أن كثيرين لا يستطيعون. فكيف يمكننا أن نساعدهم؟ دعونا ننظر لخمسة أدلة:

1- السماوات والأرض

لكل رد فعل، لا بد وأن يكون هناك أولاً فعل. كيف نشأت السماوات والأرض؟ بينما يعتقد مؤيدو نظرية التطور من الملحدين أن ما نجده الآن إنما هو تطور بطيء نتج عن فوضى عارمة، لكنهم لا يعطون تفسيرًا لكيف حدثت هذه الفوضى الكونية في البداية. فالمسيحي لدية فهم أفضل لقانون السببية (أو قانون السبب والنتيجة)، إذ يُعلن الكتاب المقدس صراحة: «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» (تك1: 1). وفي استعراضه لأعمال الخالق في الكون، يقول المرنم: «السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مز19: 1). فقانون السبب والنتيجة يُوجب وجود مُسبب لكل هذه الخليقة.

عند البحث العلمي النزيه لكل الأشياء الصغيرة (الدقيقة)، والكبيرة (الضخمة)، النتيجة الوحيدة المعقولة هي أنه يوجد إله خالق. وهذه المعرفة تستوجب مسؤولية فردية: «لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةٍ بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةّ وَلاهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلا عُذْرٍ» (رو1: 20). بلا عذر من جهة أي شيء؟ بلا عذر من جهة معرفة الله.

2- التاريخ

حين خرج شعب إسرائيل من مصر، حيث كانوا قد تعرفوا بآلهة كاذبة كثيرة (رو1: 21-28)، كان من المهم أن يتعلَّموا الحق الخاص بالإله الواحد الحقيقي. وربما لهذا السبب جعل الله موسى يبدأ أول كلماته بهذا الحق البسيط: «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ» (تك1: 1). فتاريخ عمله في الخليقة، وتاريخ تعامله مع أسلافهم - كما هو مسجل في التكوين - كان واضحًا في استعلان نفسه إليهم عند خروجهم من مصر. لقد دُهِشوا من استعلان قوة الله في الضربات على مصر، وفي العجائب عند البحر الأحمر، وفي رعايته لهم في البرية.

لقد رأوا حضوره في السحابة وفي عمود النار اللذين قاداهم (خر13: 21-22). وكل الشعب آمن بالله الحي الحقيقي بعدما رأوا حضوره المخيف على جبل سيناء (خر19: 9-19؛ 20: 18-21). حتى اليوم لا زال اليهود يدَّعون مركزهم الخاص كشعبه المختار (تث7: 6-8). وكما كانوا حينئذ كذلك اليوم ما زالوا يقولون: «إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ» (يو8: 33)، ويدَّعون، كما وعدهم الله، أن أرض إسرائيل هي ملكهم. هؤلاء الملايين من الناس آمنوا لأكثر من 4000 سنة أنه يوجد إله.

وكذلك إذ نقرأ تاريخ كل أمة عبر التاريخ، نرى أنه كان هناك إيمان بإله. مع الأسف استُبدِل الله الحقيقي في كثير من الحضارات والثقافات بآلهة كاذبة، لكن الإيمان الضمني بوجود شخص أسمى ظل واضحًا. لماذا؟ لأن الله «أَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمْ، الَّتِي بِلاهَا لا يُدْرِكُ الإنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ» (جا3: 11). ربما لهذا السبب يحاول الذين يرفضون الإيمان ”بِالْإِلَهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ“ (خر6: 3) أن يجعلوا من أنفسهم آلهة. إنهم يُحاربون اللاهوت (علم اللاهوت) بكل صرامة لأنهم لا يريدون أن يكونوا مسؤولين أمامه. أ لا يدل هذا أنه، بالحقيقة، يوجد إله حي؟

3- الدليل الكتابي

الأعداد الأولى والأخيرة من الكتاب المقدس تقول إنه يوجد إله. من الكلمات الأولى، «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ» (تك1: 1)، إلى العدد الأخير «نَعَمْ، أَنَا آتِي سَرِيعًا» (رؤ22: 20)، وجوده ثابت من الماضي الأزلي، إلى المستقبل الأبدي. وإذ نتذكر أن الكتاب المقدس هو الوحي الثابت (2تي3: 16)، فمن الجدير أن نلاحظ كم المرات التي يُسجل فيها الكلمات: «يقول الرب» (879 مرة)، «قال الرب» (220 مرة)، «قال الله» (46 مرة)، «تكلم الله» (13 مرة)، كما نلاحظ الإشارات الكثيرة الأخرى لأعمال الله الشخصية. حتى إنه أشار لأسماء كثيرة كان يُعرف بها. فالله يُعلن نفسه لأولئك الذين يبحثون عنه بإيمان في الوحي (عب11: 6).

ثم إن هناك جمال في ترتيب واتساق الـ 66 سفرًا في الكتاب المقدس، والتي تُظهر أنه إعلان الله الحي. إنه يُعلن أنه ”كلمة الله“ (عب4: 12)، التي كُتِبت بواسطة أناس الله القديسين الذين تكلموا مسوقين من الروح القدس (2بط1: 21)، والتي لن تزول أبدًا (مت24: 35). ليس كتاب آخر يجرؤ أن يقيم مثل هذا الادعاء! فالكتاب الذي نال أكثر هجوم، وقف صامدًا أمام محاولات المُلحدين لتدميره عبر القرون.

4- حياتهم تغيرت

كلمة الله تغير قارئيها (مز19: 7-11)، وتعرفهم طريق الحياة الأبدية (يو5: 39). وليس كتاب آخر له مثل هذا التأثير العظيم. موسى تنبأ أن الرب يسوع سيتكلم بوصايا الله (التي سُجلت في الأناجيل)، وهذه الأقوال تتطلب استجابة (تث 18: 18، 19). فالكتاب المقدس يثبت أن الله موجود وهو يتكلَّم إلينا شخصيًا. فكيف نتجاوب؟

وبينما لا يمكننا أن نرى الله في كل مجده (1تي6: 16)، يُخبرنا الكتاب عن هؤلاء الذين رأوا الله وسمعوا صوته. مثل آدم (تك3: 8-9)، ونوح (تك6: 13)، وإبراهيم (تك18: 1)، وإسحاق (تك26: 2)، ويعقوب (تك32: 30)، وموسى (خر33: 11). بل إن حقيقة وجود الله غيرت كثيرين، كراعوث (را1: 16)، وملكة سبأ (1مل10: 1-9)، ونعمان السرياني (2مل5: 17)، وأهل نينوى (يون3: 5).

في العهد الجديد، استُعلِن الله في شخص ابنه، الرب يسوع المسيح. ورغم أن كثيرين لم يستطيعوا أن يميزوه، لكن هناك من استطاعوا (يو1: 1-14)، مثل يوحنا المعمدان (يو1: 32-34)، والتلاميذ (1يو1: 1-3)، واستفانوس (أع7: 55-56)، وشاول (أع22: 6، 7). وفي كل مرة يتغير أولئك الذين أتوا لمعرفة الله الوحيد الحقيقي إلى الأبد، من جامع الضرائب الطماع، زكا (لو19: 2-10)، إلى التلميذ الشكاك، توما (يو20: 28)، ومن إخوة الرب يسوع بالجسد (يو7: 5)، إلى شاول المضطهِد (أع9: 4)، تغيرت حياتهم. وهذا مستمر في كل أرجاء المسكونة إلى اليوم.

فليس هناك إمكانية أن يستطيع هؤلاء - الذين تحولوا من حياة الخزي - على التغيّر بإرادتهم الذاتية، لكن بقوة حياتهم الجديدة في المسيح فقط (1كو6: 9-11). كم من أناس خلال ال 2000 عامًا الماضية قد وهبوا حياتهم لذاك الذي آمنوا به؟ فعدد الذين اُستشهدوا من أجل الرب يسوع في القرن العشرين ربما يفوق الذين اُستشهدوا في كل القرون السابقة مجتمعين. هذه الملايين من الذين تغيرت حياتهم تثبت - بشكل خاص جدًا - وجود إله واحد حي.

5- شهادة المسيح

إن كون يسوع المسيح شخصية حقيقية تاريخيًا، هذا أمر لا شك فيه. فحتى التاريخ انقسم لما قبل الميلاد وما بعد الميلاد، مشيرًا إلى زمن ما قبل المسيح أو ما بعد المسيح. لكنه من المهم جدًا أن نُدرك أن المسيح ادَّعى ادعاء خطيرًا للغاية عن نفسه؛ أنه هو الله (لو22: 70؛ يو8: 58). ومثل هذا الادعاء لا يكون سوى أمر من ثلاثة: كلام هزلي من رجل مجنون، أو كذب صريح من شخص مدعي، أو حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل. والأمة اليهودية فهمت كلامه ورفضته (يو5: 18؛ 10: 30-33). لكن الكثيرين - أثناء حياته وبعد قيامته وصعوده - آمنوا بهذا الكلام. بعضهم ذُكِر في الكتاب المقدس كالتلاميذ (مت14: 33؛ 16: 15-17)، وقائد المئة الروماني عند الصليب (مت27: 54)، والرجل الذي كان فيه الشياطين (لو8: 28)، وتوما الشكاك (يو20: 28). البعض آمن أنه بالحقيقة هو الله لأنهم رأوا أعمالاً لا يصنعها سوى الله. وآخرون، كتوما وأخوته بحسب الجسد وبولس وكثيرين آخرين آمنوا به لأنه أول من قام من بين الأموات، ولن يموت ثانية (كو1: 18).

القيامة هي الدليل الذي لا يُدحَض بأن يسوع المسيح هو الله بالحقيقة. رغم أن هذه الآية العجيبة هوجمت على نطاق واسع منذ البداية (مت28: 11-15)، إلا أن الدراسة الموضوعية للحقائق جعلت الكثيرين من المتشككين يقبلون بأن القيامة حقيقة تاريخية ودليل على أن يسوع هو بالحقيقة الله.

استخدام البرهان

نعود ثانية لإعلان وسائل النقل العامة الذي يُوحي بالخطأ أن ”من المحتمل أنه لا إله“. إذا عرفت أناسًا يفكرون بهذه الطريقة، فنحن نأمل أن يساعدهم هذا المقال على تغيير قناعتهم. فالأدلة التي تثبت وجود الله أكثر من الأدلة التي تثبت عدم وجوده. وبمجرد قبولهم بوجود الله، فهم في طريقهم إلى الإيمان الذي يخلص (رو10: 8-10). لماذا؟ لأن الكتاب المقدس يقول: «بِالإيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ ... وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لَا يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأنَّهُ يَجِبْ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ» (عب11: 3، 6).




أ . بولوك