تروفيمس كان من أهل أفسس في أسيا الصغرى (تركيا الحالية)، اهتدى إلى المسيح، ثم رافق بولس في سفره إلى أورشليم. لم ترد عنه في العهد الجديد سوى إشارات قليلة (أع20: 4؛ 21: 29؛ 2تي 4: 20). ولنا في هذه الشخصية بعض الدروس الروحية:
1- حالتنا قبلاً: كان تروفيمس من أهل أَسِيَّا التي تعني “وحلاً” أو “مليئًا بالطين” ومن هذا نرى حالتنا قبل افتقاد النعمة لنا “في حمأة الذنوب”.
يقال عنه في أعمال 21: 29 “الأفسسي” وهنا نجد تروفيمس واحدًا من أهل أفسس الذين كانوا عبدة أوثان (أع19: 23-28)، وسحرة (أع19: 19)، ووحوشًا (1كو15: 32)، بل أمواتًا بالذنوب والخطايا (أف2: 1). أخي القارئ: هذه هي حالة وسلوك سائر الأمم أيضًا الذين أنت واحد منهم!
2- النعمة المُخلِّصة: ماذا فعلت النعمة مع الأفسسي؟ يوضح الرسول بولس في أفسس2 أن الله أجرى تغييرًا في المؤمنين نتيجة لثلاثة عوامل مجيدة هي: الرحمة، المحبة، النعمة، ثم تحدث بعدها عن نتائج عمل الله فينا: «أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ»؛ أي منحتنا ذات حياة المسيح المُقام. ثم «أَقَامَنَا»؛ أي أخرجنا خارج دائرة هذا العالم المليء بالموت والشر، وجعلنا خليقة جديدة في المسيح. أخيرًا «أَجْلَسَنَا (مَعًا) فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»؛ أي اتحدنا بالمسيح الرأس ونحن أعضاء جسده. ثم يؤكد بولس أن كل ما حدث هو على أساس نعمة الله الغنية (أف2: 5، 8، 9).
فهل أدركتك نعمة الله، وفعلت عملها العجيب فيك؟
3- سلوك جديد: تروفيمس يعني “مُتعلّم بشكل جيد جدًا”، وهنا نقول: إن النعمة التي تُخلّصنا هي نفسها التي تُعلّمنا في مدرستها أجل الدروس؛ ليس فقط تمسح ما كناه وما كنا فيه، بل نعيش بالتعقل (مع أنفسنا)، والبر (في علاقتنا بالآخرين)، التقوى (في علاقتنا بالله). بل يصير تروفيمس أفسسيًا جديدًا في سلوكه، يسلك في الأعمال الصالحة (أف2: 10)، سالكًا كما يحق للدعوة (أف4: 1)، في المحبة (أف5: 2)، وبالتدقيق (أف5: 15)، وفي النور (أف5: 8).
ليتنا - بمعونة الرب - نُزيّن تعليم مخلصنا الله من خلال السلوك الحسن أمام الآخرين، فيظهر عمل وتعليم النعمة فينا.
4- رفيق بولس في السفر: في أعمال 20: 4 كان تروفيمس واحدًا من السبعة الذين رافقوا بولس في سفره، وبولس هنا يمثل الحق الإلهي والتعليم الصحيح؛ إنسان الله المُتمسك بالتعليم الصحيح. ليعيننا الرب لنكون برفقة هؤلاء، فنتبع «مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تي1: 13، 14؛ 2: 15، 22؛ 3: 10-17). ليحفظنا الرب متمسكين بكلمته رغم الخرافات المصنعة المنتشرة بكثرة في هذه الأيام، متممين قول الكتاب: «اِقْتَنِ الْحَقَّ وَلاَ تَبِعْهُ» (أم23: 23).
5- حكمة الله من وراء ظروفنا: ترك بولس تروفيمس مريضًا في ميليتس (2تي4: 20)، وهذا يبدو غريبًا لأول وهلة! كيف لم يستخدم بولس سلطانه الرسولي في شفاء تروفيمس! وهنا ربما أدرك بولس حكمة الله وقصده من مرض تروفيمس. وهنا نخلص بدرس هام: ربما يسمح الرب بمرض مؤمن وقتًا، ورغم صلوات المؤمنين لأجله، يستمر يعاني في مرضه! لذلك دعونا لا ننسي أن هناك إلهًا حكيمًا، يعمل بحكمة في كل ما يسمح به. فربما من وراء مرض المؤمن يقصد الرب تنقيته من شوائب كثيرة عالقة به، هذا يتضح من معني اسم “ميليتس” التي ترك فيها تروفيمس ”أنقى من الصوف”.
لكني أود أن أشجع المؤمن الذي يعاني من أمراض بكلمات مزمور 41: 3 «الرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الضُّعْفِ. مَهَّدْتَ مَضْجَعَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ». قد نُترك في مرضنا من الآخرين، لكن لنطمئن، فإن وجود الرب يسوع بجانبنا - ونحن علي فراش المرض - يُبدل الحزن بفرح حتى وإن أظهر الآخرون نوعًا من عدم المبالاة وعدم الفهم (مز41: 8).