أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2015
ببراهين كثيرة قاطعة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
الفصل الأول1

خلال الأربعين يومًا

«اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا 
بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ (قاطعة)2
بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» (أع١: ٣)

«اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ (قاطعة)، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».. بهذه العبارة وصف لنا الأصحاح الأول من سفر أعمال الرسل، الفترة القصيرة بين موت المسيح وبين صعوده المجيد إلى السماء. ولا يمكن لأي مؤمن أن يقرأ هذا العدد إلا ويحس شيئًا من المغزى الفريد لهذه الأربعين يومًا.

«قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ» ... فالإنسان يسوع المسيح ربنا، قام باكرًا من القبر. ونفس العدد يُخبرنا أيضًا أنه «ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ» (مر١٦: ٩؛ انظر أيضًا يوحنا ٢٠: ١١). وظهر أيضًا للنساء اللواتي أتين من القبر (مت٢٨: ٩).

وبعد ذلك ظهر لسمعان بطرس؛ ذلك التلميذ الذي سقط بعمق، ويبدو أنه أول مَن رأى الرب من التلاميذ، وأول شاهِد مِن الرجال للقيامة (لو٢٤: ٣٤؛ ١كو١٥: ٥).

«وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ» (مر١٦: ١٢؛ لو٢٤: ١٣-٣٥). وأيضًا في مساء يوم القيامة، «وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ»، دخل الرب وَوَقَفَ فِي وَسْطِ خاصته «فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ» (لو٢٤: ٣٦-٤٩؛ يو٢٠: ١٩-٢٣).

وظهور الرب في الأحد التالي كان خصيصًا لتوما الشكاك، الذي لم يكن معهم في الأسبوع السابق (يو٢٠: ٢٤-٢٩).

وبعد ذلك يصف الكتاب المُقدس مقابلتين مع الرب المُقام في الجليل: الأولى: عند بحيرة طبرية، حيث كان هناك سبعة فقط من تلاميذه، ذكر لنا الكتاب أسماء خمسة منهم (يو٢١: ١-٢٣). والثانية: عند جبل لم يذكر الكتاب اسمه، وجّه الرب يسوع الأحد عشر إليه (مت٢٨: ١٦-٢٠). ومع أن الرسالة ترقى لأن تكون خطابًا وداعيًا، إلا أننا نرى التلاميذ مع سَيِّدهم ثانية عند جبل الزيتون، قرب بيت عنيا، حيث «انْفَرَدَ عَنْهُمْ»، وإذ أكمل خدمته «أُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ» (مر١٦: ١٩، ٢٠؛ لو٢٤: ٥٠، ٥١).

وبالإضافة إلى الظهورات التسع للرب المُقام المُسجّلة في الأناجيل، فواحدتين أو ثلاثة مذكورة باختصار في الأصحاح الخامس عشر من رسالة كورنثوس الأولى، تُشير إلى خمسمائة شخص، وإلى يعقوب، وإلى الرسل أجمعين، بافتراض أن هذه لا تُشير إلى الظهور على الجبل في الجليل، ولا إلى الصعود. وهذا الأصحاح يُعطي سبع شهادات لقيامته إذ تضمن بينها شهادة الكتب (ع٣)، وشهادة بولس نفسه (ع٨). وحسب عادة تلك الأيام لم تُعتبر شهادة النساء صحيحة قانونيًا، فلذلك لم يذكرهن الأصحاح الخامس عشر من رسالة كورنثوس الأولى، مع أنهن كن أول مَن ظهر لهم الرب المُقام وتراءى لهن.

والإشارة في إنجيل يوحنا إلى “الآيات الأُخَر الكثيرة” التي «صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ»، توضح بجلاء أن هذه الظهورات كانت إحدى عشر أو اثنتى عشر لربنا يسوع (وما سُجل منهم بالتفصيل تسعة)، ليست سوى جزء من “البراهين الكثيرة القاطعة” التي أظهر فيها الرب نفسه حيًا لرجال ونساء ممن تبعوه (أع١: ٣). ويواصل يوحنا هذه الفكرة في أصحاحه الأخير، فيقول: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ» (يو٢١: ٢٥).

وحيث إن روح الله يُنهي الأناجيل الأربعة بهذه الكلمات من قلم يوحنا، فيغمرنا الشعور أنه يغمرها مجد ابن الله المتجسد. وربما أن روح الله لم يشأ بالمثل أن يأخذ مساحة كافية لينقل إلينا “البراهين الكثيرة القاطعة” المُتعلقة بحقائق قيامته، فكيفما تكن فإن المادة المُستقاة من الروايات القليلة عن هذه الأربعين يومًا كافية لتزودنا بتأملات ثمينة لقلوبنا.

«وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ» (أع١: ٣). فيا لكلمات التعليم الفريدة من فم الرب المُقام! لقد تساءلوا قبلاً: «مَا هُوَ الْقِيَامُ مِنَ الأَمْوَاتِ؟» (مر٩: ١٠). ويُخبرنا لوقا أن الرب أخبرهم إنه «فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ. وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ هَذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ» (لو١٨: ٣٣، ٣٤). وبالطبع فإنهم ظلوا غير فاهمين تمامًا لأن الروح القدس لم يكن قد جاء بعد (أع١: ٦).

ولو نظرنا إلى التلاميذ باعتبارهم البقية الأمينة في إسرائيل، فيُمكننا القول إن ملكوت الله كان في وسطهم في شخص الملك (لو١٧: ٢١)، وفتح ذهنهم ليفهموا الكتب لكي تلتهب قلوبهم الغبية والبطيئة في الإيمان فيهم، وفسر لهم جميع الكتب عن الأمور المختصة به «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ» (لو٢٤: ٢٥-٢٧، ٤٥، ٤٦).

وفضلاً عن ذلك حدث لقاء مشهود هو المسيرة إلى عمواس. فإذا كان سابقًا قد أغلق صليب الجلجثة والقبر على آمالهم، وأن شائعات غير متيقنة قد أربكت سلام ذهنهم (لو٢٤: ٢١-٢٤)، وإذا كان البكاء والنحيب أصبح من نصيبهم، إن لم يكن الخوف والجزع والدهشة أيضًا قد أصابت قلوبهم المسكينة، ولكن الآن «لاَ تَخَافُوا»، قد طردت كل المخاوف، و«سلاَمٌ لَكُمْ» منه، قد هدأتهم. وكلمته حقًا «وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ»، قد تمت (يو١٦: ٢٢). وهكذا أصبح هذا اليقين المُفرح من نصيبهم، وهو «أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ (قاطعة) ... وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا»، وبالتالي أصبحوا هم الشهود الموثوق بهم المؤمنين بقيامته (أع١: ٢٢).

والآن قد أُعطيَّ لنا الإيمان بنعمة الله أن نكون “الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالمسيح بِكَلاَمِهِمْ”، وتبرهنت شهادة إلهية كاملة سبعة أضعاف - ليس لنا فقط، ولكن لكل العالم – أن المسيح «قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (يو١٧: ٢٠؛ ١كو١٥: ٤-٨). وما أسعد الشخص الذي يستطيع أن يُرنم للرب:

هَلِّلُويَا الرَّبُّ قَامْ        بَعْدَ إِكْمَالِ الْعَمَلْ
بَعْدَ مَوْتٍ وَآلامْ         فَلْنُعَظِّمِ الْحَمَلْ
مَاتَ عَنَّا وَهْوَ الْبَارّْ     ذَلِكَ الْخِلُّ الْوَدُودْ
أَبْطَلَ الْمَوْتَ أَنَارَ     الْحَيَاةَ وَالْخُلُودْ

(يتبع)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب ترجمة الأخ الفاضل إدوار فارس

2 وردت “قاطعة” في الترجمة العربية التفسيرية، وأيضًا في بعض الترجمات الإنجليزية.

١ الكتاب ترجمة الأخ الفاضل إدوار فارس

٢ وردت “قاطعة” في الترجمة العربية التفسيرية، وأيضًا في بعض الترجمات الإنجليزية.
فريتز فون كيتسل