أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2015
آبار إسحاق
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

لنا في تكوين ٢٦ سجل يؤرخ لعودة إسحاق إلى “بئر سَبْع” بعد عيش مع الفلسطينيين. وبطول الطريق كان يحفر أبارًا، لأن المياه كانت ذات أهمية قصوى للحياة. ومنابع الحياة كانت آنذاك – كما هي الآن – نادرة. وكانت ثمة قوى مُعادية لإسحاق؛ إما يغتصبون هذه الآبار لأنفسهم، أو يطمّوها لعل إسحاق يفشل ويرحل. ورحل إسحاق ولكنه بطول الطريق استمر يحفر آبارًا.

إسحاق مؤمن عادي

دُعيَّ إسحاق: “ابنٌ عادي لأب غير عادي؛ إبراهيم. والأب العادي لأبن غير عادي؛ يعقوب”. ورغم ذلك، ففي القسم الثاني من تكوين ٢٦ نرى إسحاق يُظهر أيضًا فضائل غير اعتيادية. فتكوين ٢٦ هو الأصحاح الوحيد في سفر التكوين الذي يركز الحديث بصورة أساسية على إسحاق. عديد من الأصحاحات تركز على إبراهيم أبي إسحاق. والعديد يركز على يعقوب ابن إسحاق. وقد تناول العديد من الشراح حياة إبراهيم وحياة يعقوب. ولكن نفرًا قليلاً تناول حياة إسحاق. فإسحاق حينما يرد في الكتاب يرسم صورة للمؤمن الاعتيادي، ومن ثم نجده في العديد من الوجوه شبيهًا بنا.

في النصف الأول من تكوين ٢٦ نقرأ عن حدوث مجاعة، ومن ثم ذهب إسحاق ليعيش على الساحل الجنوبي لكنعان، وهي منطقة يسكنها الفلسطينيون. ويبدو أنه لم يستشر الرب قبل تحركه. مع أن الله كان يفضل أن يظل إسحاق حيث كان قبل تحركه؛ واثقًا في الله ليمده بكافة إعوازه، ويعتني به. وبعدما تحرك إسحاق، ظهر له الرب وأذن له أن يمكث بصورة مؤقتة في منطقة الفلسطينيين. في ذلك الحين أكد الرب عهده الإبراهيمي لإسحاق ونسله. وأكد أن وعوده غير المشروطة لإبراهيم ستجد إتمامها في إسحاق وفي نسله. إسماعيل ونسله أيضًا قبلوا وعودًا من الله. ولكن وعود العهد الإبراهيمي لم توهب إلى إسماعيل (تك٢١: ٨-٢١).

أعطى الله وعودًا خاصة إلى إبراهيم في العهد الإبراهيمي (تك١٢)؛ وعده الله ببركة روحية ومادية، له ولنسله. وعد الله إبراهيم أن كنعان ستُوهب إلى أنساله، وأن من خلاله ستتبارك جميع أمم الأرض. ويقينًا أن ذلك لن يكون إلا بواسطة المسيا؛ يسوع المسيح، نسل إبراهيم.

ومع أن إسحاق علم أن الله متكفل بسداد إعوازه وبركاته المادية، من خلال الوعد الإبراهيمي، لكن يبدو أنه لم يثق في الله لكي يوفر احتياجاته إبان المجاعة. وفضل أن يشق طريقه اعتمادًا على ذراعه، فارتحل إلى أرض الفلسطينيين. وفي فترة معيشته بين الفلسطينيين، كذب بشأن رفقة زوجته، مثلما فعل أبوه إبراهيم في موقف مشابه في مصر. فقال للفلسطينيين عن رفقة إنها أخته، فعرَّض زوجته للخطر ليحمي حياته! واضح أنه لم تكن له الثقة الكافية في الله لحمايتهما. ومرة أخرى اتخذ طريقه معتمدًا على ذراعه، ولكن الله كان أمينًا في وعوده، ونجا إسحاق ورفقة من مغبة تلك الكذبة الكارثية التي كادت تعصف بهم (تك٢٦: ٧-١١). وبقي الله أمينًا في وعوده على الرغم من ضعف الإيمان، والأخطاء، والقرارات السيئة، والافتقار إلى الثقة من جانب شعبه.

لم يرضَ الفلسطينيون بمعيشة إسحاق في منطقتهم لأن الله باركه فنجح وأفلح جدًا (تك٢٦: ١٢-١٤). فحسده الفلسطينيون لنجاحه، وخافوا منه لأن قوته تعاظمت. ولكي يطردوا إسحاق من جوارهم، ابتدأ الفلسطينيون يطمّون الآبار التي حفرها عبيد إسحاق. وعوضًا عن الشجار، ابتدأ إسحاق يرتحل حتى وصل أخيرًا إلى “بئر سَبْع”، حيث عاش إبراهيم.

واليوم بمقدور زوار الموقع الأثرية في “بئر سَبْع” أن يروا هناك بئرًا عميقة قديمة، قد تكون هي البئر المذكورة في تكوين ٢٦: ٢٣ وقد دعاها إسحاق “شِبْعَةَ” وتعني “قَسَم”. وللآن تُدعى هذه البلدة “بئر سَبْع”، والتي تعني “بئر القَسَم”.

وقد ظهر الرب لإسحاق في ليلة عودته إلى “بئر سبع”، الأمر الذي يعني مصادقته على أن “بئر سبع” هي المكان الذي يريده الرب أن يعيش فيه. صحيح أن منطقة الفلسطينيين هذه كانت جزءًا من كنعان، وأن الله سمح لإسحاق أن يعيش هناك لفترة المجاعة، إلا أن إرادة الله لإسحاق لم تكن أبدًا أن يعيش هناك بصورة دائمة، ويتشكَّل بثقافة وعادات هؤلاء الوثنيين.

ورغم أن إسحاق نجح إبان معيشته في أرض الفلسطينيين، إلا أن الرب لم يظهر له في تلك الأثناء حتى عودته إلى منزله في “بئر سبع”. وهكذا نرى أن ثمة فارق بين بركة الرب المادية، وبين حضور الرب في حياة المؤمن. لم يذكر الكتاب أن إسحاق بنى أي مذبح فترة معيشته بين الفلسطينيين. وكونه بنى مذبحًا عند عودته إلى “بئر سبع”، فهذا يعني أن قلبه أصبح مستقيمًا، وشركته مع الرب اُستردت. لقد تحرك إسحاق مستمدًا شجاعته من ثقته في الله، وهو ما ينبغي أن نعول عليها.

الوداعة موجودة ولكن قد لا نراها

كثيرون منا يخلطون بين الوداعة والضعف، ولكن ثمة تمايز بينهما. الوداعة هي احتمال الأذى بصبر دونما مقاومة، حتى عندما تكون قادرًا على الرد. المسيحي الوديع يُحيل كل المشاكل والشتائم والمظالم والمضايقات، إلى الرب، ويتكل عليه للحماية والدفاع والمدد. المؤمن الوديع يفهم ويمارس المبادئ الواردة في رومية ١٢: ١٧-٢١ ١٧ «لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ . لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ».

وقد أظهر إسحاق وداعته عندما طم الفلسطينيون الآبار أو نازعوه عليها. لم يُقابل إسحاق الأذى بمثله، مع أنه يستطيع! ولقد اعترف الفلسطينيون: «لأَنَّكَ صِرْتَ أَقْوَى مِنَّا جِدًّا» (تك٢٦: ١٦). ولحرص إسحاق على السلام لم يحارب لأجل حقوقه. كان بمقدوره أن يلجأ إلى المعاهدة التي أبرمها أبوه إبراهيم مع الفلسطينيين (تك٢١: ٢٢-٣٤). ولكن اتباعًا للسلام تحمل عداوة الفلسطينيين بوداعة.

وتكوين ٢٦: ١٩ يُخبرنا أن «حَفَرَ عَبِيدُ إِسْحَاقَ فِي الْوَادِي فَوَجَدُوا هُنَاكَ بِئْرَ مَاءٍ حَيٍّ». ولما خاصم أهل جرار عبيد إسحاق من أجله، تخلى إسحاق عن مصدر الماء الثمين طواعية ودون عراك، رغم ندرة الماء هناك. وهكذا أظهر إسحاق وداعة أصيلة. لقد تعلَّم أن الله جدير بالثقة، وأنه ينبغي أن يتكل عليه آمنًا، وأن يستودع أموره لله.

كان ربنا يسوع وديعًا. كتب بطرس: «الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ» (١بط٢: ٢٣). كان بمقدوره أن يُقابل الأذى بمثله. بكلمة واحدة كان يقدر أن يبيد أولئك الذين اضطهدوه، ولكن عوضًا عن ذلك «كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل»، ذاك الذي لأجلنا «حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ» (١بط٢: ٢٤).

علينا نحن أيضًا أن نكون ودعاء. ولكن ذلك ليس دائمًا سهلاً، فالوداعة الحقة ليست هي الاستسلام لشروط الخصم لأنه أقوى منا. الوداعة الحقة لا تعني أن نصير مثل “المداس” الذي يطأه كل أحد. الوداعة الحقة تعني اختياريًا ألا نرد الصاع بالصاع حرصًا على السلام. ومن ١كورنثوس ٦: ٧ نرى أنه يمكن أن يُخطأ في حقنا أو نُسلب، ولكن «لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ بِالْحَرِيِّ؟ لِمَاذَا لاَ تُسْلَبُونَ بِالْحَرِيِّ؟».

على مدى سنوات أظهر المبشر العظيم “بيلي جراهام” وداعة حقة؛ لقد هوجم عدة مرات حتى من قِبَل مؤمنين شركاء له، لكنه لم يرد على الذين حاولوا النيل منه، من أجل اعتبارات السلام. قد تقول: “أنا لست بيلي جراهام. أنا فقط مؤمن عادي”. هكذا كان إسحاق، وبقوة الرب أظهر وداعة.

هل عليك أن تتخلى عن منصب أو ممتلكات لأجل اعتبارات السلام؟ هل باختيارك رفضت أن تنتقم من خصوم يروجون عبارات سلبية مسيئة، عملاً بالمكتوب: «مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ» (أف٤: ٣). كانت وحدانية المؤمنين هي صلاة ربنا قبيل ذهابه للصليب «مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ. لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لأَنَّهُمْ لَكَ. وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ» (يو١٧: ٩-١١).

السلام الذي يكتنف أعضاء جسد المسيح، موضوع مهم، يملأ صفحات العهد الجديد. وفي بعض المواقف المعينة، على المؤمنين الناضجين في جسد المسيح، ممارسة الوداعة للحفاظ على سلام ووحدة جسد المسيح. اذكروا إسحاق. عادة ما نفتقد الوداعة في المؤمنين، ولكن ينبغي إظهارها.

لسنا نغفر دائمًا..

ولكن علينا أن نفعل

عندما أتى “أبيمالك” ليعمل اتفاقًا مع إسحاق، استطاع إسحاق ببساطة أن يقول: “لا”. وعلى كل حال كان إسحاق محقًا عندما قال لأبيمالك: «مَا بَالُكُمْ أَتَيْتُمْ إِلَيَّ وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْغَضْتُمُونِي وَصَرَفْتُمُونِي مِنْ عِنْدِكُمْ؟» (تك٢٦: ٢٧). ثم لاحظ كلام “أبيمالك” إلى إسحاق: «كَمَا لَمْ نَمَسَّكَ وَكَمَا لَمْ نَصْنَعْ بِكَ إِلاَّ خَيْرًا وَصَرَفْنَاكَ بِسَلاَمٍ» (ع٢٩). كانت تلك كذبة. لقد كسر الفلسطينيون الاتفاق الذي أبرمه إبراهيم معهم (تك٢١: ٢٢-٣٤). لقد طموا الآبار، ثم سحبوا الماء من الآبار التي حفرها إسحاق. ثم أجبروا إسحاق أن يُغادر أرضهم، وليس بوسائل سلمية.

ثم بعد كل هذه المشاحنات، يطلب أبيمالك من إسحاق إبرام معاهدة سلام! ماذا فعل إسحاق؟ لقد مارس تعليم رومية ١٢: ١٨ «إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ». لقد صفح إسحاق عن أبيمالك والفلسطينيين اتباعًا للسلام. لقد صنع صلحًا معهم «صَنَعَ لَهُمْ ضِيَافَةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. ثُمَّ بَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَحَلَفُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَصَرَفَهُمْ إِسْحَاقُ. فَمَضَوْا مِنْ عِنْدِهِ بِسَلاَمٍ» (ع٣٠، ٣١). ولاحظ أن إسحاق لم يطلب من أبيمالك اعتذارًا رسميًا، ولم يجبره أن يُعطي تعويضًا عن الآبار المسروقة؛ لقد صفح عنه إلى التمام، وشيع أبيمالك بسلام. هذا هو الغفران الحق.

ونحن لا نقصد بمقالنا ألا يقاصص المجرمون وفاعلو الشر وناقضو العهد، بما يستحقون قانونًا. كلا! العدل ينبغي أن يأخذ مجراه. ولكن عندما نختار أن نصفح، دعونا نفعل ذلك بطريقة حقيقية. عادة ما يكون الصفح بشروطنا. فنحن نتوقع اعتذارًا، ونبحث عن نوع من التعويض كترضية عن الإساءات التي ألمت بنا. هل هذا غفران حقيقي؟ هل هذا من صنف الغفران الذي وهبه الله لنا؟ لقد غفر لنا الله مجانًا؛ خلاصنا هبة مجانية! لقد دفع هو أجرة خطايانا! وعندما يُساء إلينا، فهو يطلب منا أن نصفح بنفس الطريقة؛ مجانًا وتمامًا. الغفران لا يتبع دائمًا من قِبَل المؤمنين ... ولكنه أولى بأن يُتبع!

تذكروا: الرب قد صفح عن صالبيه

كون أن عبيد إسحاق وجدوا نبعًا جديدًا من الماء في ذات اليوم الذي فيه صنع إسحاق عهدًا مع الفلسطينيين، فهذا علامة على مصادقة الله على ما فعله إسحاق؛ الغفران. فالغفران الحقيقي يُقابل دائمًا بمصادقة الله.

والذي يُحدد عمق الغفران الحقيقي ليس شخصية الذي تمتع بالغفران، بل شخصية الغافر. فالروح القدس دائمًا ما يعمل في المؤمن الحق ليُصبح أكثر شبهًا بالمسيح؛ في المحبة، والصبر، والعطف، والصلاح، والرقة. وما أن تنمو هذه الفضائل في حياتنا، حتى تزداد قدرتنا على الغفران، كما غفر لنا الله مجانًا «لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ» (أف٤: ٣١، ٣٢). فالغفران الحقيقي يعني التخلص من الغضب، من المرارة، من الكلام الخبيث، وتصرفات الانتقام. الغفران التام هو هبة الله لنا. وهو يطلب منا أن نغفر للآخرين على ذات القياس، خصوصًا إخوتنا وأخواتنا في المسيح. تذكروا أنه قد صفح لصالبيه.

واظبوا على الحفر

يُشار بالماء – عبر المكتوب – إلى كلمة الله. مثلاً في مزمور ١١٩: ٩ يتكلَّم عن “تزكية” أو “تطهير” بواسطة الكلمة «بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ». ويكلمنا أفسس ٥: ٢٦ عن «غَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ». فكما أن الماء ضروري للحياة الطبيعية، فكذلك كلمة الله لازمة للميلاد والنمو الروحي. ويقول الرسول في رومية ١٠: ١٧ «الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ». ويقول مزمور ١١٩: ١١ «خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ». ولكي يُتيح ماء الكلمة حياة روحية، ينبغي أن يُسمع، ويكيف الحياة بالإيمان، ويُخبأ في سويداء القلوب. هذا هو معنى حفر الآبار. نحن بحاجة لأن نحفر لأجل كلمة الله، لنحصل على التنقية الروحية، والإطعام، والإنعاش، والنمو.

ونظير الفلسطينيين الماديين، فإن العالم والجسد والشيطان، سيفعلون ما بوسعهما لطم الآبار التي لنا، ولسلب الفوائد التي نجتنيها من ماء كلمة الله. إن قوى الشر ستخلق شتى صنوف العقبات لتُبعدنا عن ماء الكلمة الروحي. إن الشيطان سيحاول أن يسرق الماء منا بتقديم مبادئ وتعاليم وأكاذيب مختلفة ضد كلمة الله. إنه يبذل قصارى جهده ليمنعنا من الاستقاء من الماء النقي الذي هو كلمة الله. فماذا علينا أن نعمل؟ فلنتقدم ونثابر على حفر الآبار.

ديفيد ريد