أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2021
التعزية في الأوقات العصيبة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ،
وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا» (أع ١٦: ٢٥)

بعد أن حرر الرسول بولس جارية من قبضة روح شرير، رأى أسيادها أنهم لن يكسبوا المال من عرافتها بعد، فأمسكوا بولس وسيلا وجروهما إلى الولاة (أع١٦: ١٦-٢٤)، وانضم جمع إلى هذا الهجوم، وأمر الولاة بتمزيق ثيابهما وضربهما بالعصى، وألقوهما في السجن الداخلي. هذه الحالة المُحبطة والمؤلمة كان من الممكن أن تقود بسهولة إلى الاكتئاب وخيبة الأمل، لكن كيف تفاعل كل من بولس وسِيلا مع الموقف؟ يسجل لنا لوقا: «وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا» (أع ١٦: ٢٥). لقد كانا يسبحان الله في حالة تبدو مُزرية وميؤوس منها! فمن أين لهما بالبهجة والتعزية؟!

إن الله الآب، والرب يسوع المسيح، والروح القدس، مصدر التعزية للمؤمن (أع ٩: ٣١؛ رو ١٥: ٥؛ ٢تس ٢: ١٦، ١٧). هذا النوع من التعزية ليس أمرًا نمتلكه، بل نأخذه من الله. والطرق المعروفة للحصول على التعزية هو التأمل في أجزاء الكتاب المقدس، وفي رسالة الإنجيل للخلاص بيسوع المسيح، وفي رجاء مجيء الرب لنا، وفي إيماننا المسيحي المشترك مع مؤمنين آخرين.

(١) المكتوب

إن الكتاب المقدس معزٍ لأنه رسالة الله الخاصة للبشرية. وقد كتب بولس عنه «أَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ» (رو١٥: ٤). هذا يعني أن المكتوب معزٍ، واتباعه يأتي بالرجاء لحياتنا.

علم الرسول بولس أن الكنيسة المحلية يجب أن يقودها مجموعة من الشيوخ (تي ١: ٥ - ٩)، وأحد مواصفات الشيخ هي أن يكون «مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ» (تي ١: ٩). «الْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ» هي التي علمها الرب يسوع المسيح، وسجلها الرسول بولس والرُّسل الآخرين في الكتاب المقدس. وعلى الشيخ أن يشجع الجماعة ويعزيها بالتعليم الصحيح وحقائق المكتوب.

بعد أن حرض الرسول بولس المؤمنين قائلاً: «فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا»، استطرد «وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، وَاللهُ أَبُونَا الَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيّاً وَرَجَاءً صَالِحًا بِالنِّعْمَة، يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ» (٢تس ٢: ١٥ - ١٧). أيضًا أتى الأنبياء برسائل من الله قبل أن يتم كتابة العهد الجديد في الصورة التي بين أيدينا، ورسائلهم كانت سبب تعزية للمؤمنين «مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ ... لأَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ جَمِيعُكُمْ أَنْ تَتَنَبَّأُوا وَاحِدًا وَاحِدًا، لِيَتَعَلَّمَ الْجَمِيعُ وَيَتَعَزَّى الْجَمِيعُ» (١كو ز١٤: ٣، ٣١).

(٢) رسالة الإنجيل

إن الإنجيل معزٍ لأنه مفتاح غفران الخطايا والحياة الأبدية، وعندما قال رؤساء المجمع لبولس وبرنابا «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا»، بشر بولس بالإنجيل (أع ١٣: ١٥)، مبتدئًا بالعهد القديم، وانتهى «فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا» (أع ١٣: ١٦-٤١). إن إنجيل يسوع المسيح معزٍ دائمًا.

يصف بولس إرساليته هكذا: «لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ الْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ» (كو ٢: ٢). وهكذا نرى هنا أن التعزية مرتبطة بفهم أن كل المؤمنين هم جزء من الكنيسة (كو ١: ٢٦، ٢٧)، كما كتب بولس أيضًا «فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ اللهِ، وَالْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ» (١تي ٣: ٢).

يمكن لنا نحن المؤمنين أن تَكُونُ لنا «تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ» لأننا «الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» في الإنجيل (عب ٦: ١٨). في هذا المشهد هم يهربون إلى السماء، من عالم هو رهن الدينونة.

(٣) مجيء المسيح

إن مجيء المسيح ليأخذ كل تابعيه إلى السماء لهو أمر معزٍ، لأنه يعني نهاية الأحزان والمعاناة وإحباطات هذا العالم الشرير. ويوصي الرسول بولس المؤمنين أن يعزوا بعضهم البعض بحقيقة أننا «هكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (١تس ٤: ١٣-١٨). ووعد رجوع المسيح للمؤمنين الذي يحقق لهم القول: «نَحْيَا جَمِيعًا مَعَهُ»، هو تعزية جزيلة «لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضًا» (اتس ٥: ١٠، ١١). ومن جهة رجوع المسيح وقيامة الأموات يجب على المؤمنين أن يواظبوا على الاجتماع معًا، واعظين بعضهم البعض «غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ» (عب ١٠: ٢٥).

(٤) إيماننا

إن الإيمان المسيحي معزٍ لأنه الإيضاح العملي للعيشة حسب المكتوب، والإنجيل، ورجوع المسيح. لقد تاق الرسول بولس إلى زيارة الإخوة في روما، ليتعزوا بالإيمان المشترك، قائلاً: «لِنَتَعَزَّى بَيْنَكُمْ بِالإِيمَانِ الَّذِي فِينَا جَمِيعًا، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي» (رو ١: ١١، ١٢). والتعزية هنا مصدرها إيمانهم المشترك وليست أي ظروف خارجية. وكتب أيضًا: «وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رو ١٥: ٥). هنا نجد أن التعزية والوحدة مصحوبتان باتباع الرب. وكذلك تعزى بولس أيضًا عندما سمع عن إيمان مؤمني تسالونيكي (١تس ٣: ٧)، وأيضًا يقول الرسول يوحنا «فَرِحْتُ جِدًّا ً» عندما سمع عن مؤمنين أنهم «يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ» (يو ٣: ٣، ٤).

(٥) تعزية يومية

لنتشجع بوعود الله التي لنا في المكتوب بأخبار الخلاص السارة وبرجوع المسيح وبالإيمان المشترك مع المؤمنين، وهذه كلها مرتبطة ببعضها البعض، حيث أن الإنجيل هو الرسالة المحورية المُعلنة في المكتوب، ورجوع المسيح هو رجاء الإنجيل. ومن المفرح أن هذه الحقائق لا تعتمد على ظروفنا، لكن في الواقع هي تأتي بالتعزية وسط الصراعات والمعاناة.

أيضًا دعونا نتمم القول: «عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ، لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ» (عب ٣: ١٣)، كما يوصينا الرسول بولس في ٢ كورنثوس ١: ٣، ٤ أيضًا أن نستخدم ذات الوسائل لنعزي الآخرين «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضيفتنا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ»، وأن يستخدم أصحاب موهبة التعزية موهبتهم وسط المؤمنين «الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ» (رو ١٢: ٨). ويبدو أن برنابا كانت له مثل هذه الموهبة كما يعني اسمه “ابن التعزية”، فشجع الكنيسة التي في أورشليم، ثم في أنطاكية (أع ٤: ٣٦؛ ١١: ٢٢ - ٢٣).

عندما تقسو عليك الحياة تذكر بولس وسَيلا في السجن. لا تتبع مشاعرك، ولا تسعَ وراء التعزية فقط من الظروف، لأنك ستحبط سريعًا. لا تترك الرب عندما تصعب عليك الحياة، بل شجع نفسك والآخرين بتذكر كل ما فعل الله.

جورج هوك