أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2021
راعيَّ ... والرقم ١٠٠
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

ببلوغنا السنة المئوية لمجلتنا الغراء “المراعي الخضراء”، التي تحدثنا عن المسيح الذي يستطيع كل خروف أن يتغنى عنه: بأن الرب هو الراعي والمراعي، طبيبي ودوائي، وشافي أوجاعي، نوري وشعاعي، سفينتي وشراعي في بحر هذه الحياة الذي يعج والنفس فيه تئن وتعاني. يليق بنا أولاَ بأن نشكره قائلين: «إِلَى هُنَا أَعَانَنَا الرَّبُّ» (١صم ٧: ١٢). ثانيًا: بوصولنا إلى هذا العام المئوي للمراعي الخضراء، يكون صوتها الذي ظل يُعلن طوال هذه السنين أن المسيح هو الراعي الذي يبحث عن الضال حتى يجده. ويا ليتنا نتذكر أن «اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ» (أي٣٣: ١٤)، وأن «اَلْكَثِيرُ التَّوَبُّخِ، الْمُقَسِّي عُنُقَهُ، بَغْتَةً يُكَسَّرُ وَلاَ شِفَاءَ» (أم٢٩: ١). وبهذه المناسبة نذكر بأن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي سبق كل الكتب وذكر الأرقام العامة مثل الرقم ١٠٠ و١٠٠٠ ومضاعفاتها مثل: ربوة؛ عشرة آلاف (نش٥: ١٠)، وألف ألف؛ مليون، وربوات ربوات؛ مئات الملايين (دا٧: ١٠؛ رؤ٥: ١١). لنا دروس غنية، بل في غاية الأهمية، من العدد ١٠٠ نذكر منها:

(١) الرقم ١٠٠ هو رقم الثمر المتصاعد الكثير

جاء في مثل الزارع: «وَسَقَطَ آخَرُ فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، فَأَعْطَى ثَمَرًا يَصْعَدُ وَيَنْمُو، فَأَتَى وَاحِدٌ بِثَلاَثِينَ وَآخَرُ بِسِتِّينَ وَآخَرُ بِمِئَةٍ» (مر ٤: ٨). فالرقم ١٠٠ هو أعلى درجة في مقياس النجاح ونسبته. ومن مِنَّا لا يحب الثمر والنجاح؟! فالثمر مُبهج، والنجاح مُفرح، ولكن لا يأتي الثمر والنجاح، إلا بعد الزرع والكد والكفاح، لأن «الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ. الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ» (مز ١٢٦: ٥، ٦). والثمر يُمجِّد الله أبينا؛ قال الرب يسوع: «بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي» (يو ١٥: ٨)، ولكي نكون مُثمرين علينا أن نثبت في المسيح، كما يثبت الغصن في الكرمة، كما أنه يتحتم علينا، لكي نُثمر أكثر، أن نتقبل كل معاملات الله التأديبية والتهذيبية، لكي نأتي بثمر أكثر (يو١٥: ٢).

(٢) الرقم ١٠٠ هو رقم التعويضات، والخير الوفير

«وَزَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ فَأَصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ الرَّبُّ» (تك ٢٦: ١٢). إلهنا هو إله التعويضات، فلقد مرَّ إسحاق بسنوات عجاف، ثم تعرَّض لموقف مُخجل أمام أبيمالك ملك الفلسطينيين بخصوص رفقة امرأته (تك ٢٦)، إلا إن الرب أكرمه وعوَّضه، وعندما زرع حصد ١٠٠ ضعف. وما يزال الرب يُعوِّض أولاده عن السنين الضائعة، والمواقف المخجلة غير المُوَفَّقة. ووعد الرب لنا ثابت وصامد، يتحدى الزمن مهما طال، وإبليس مهما صال أو جال: «وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ» (يو ٢: ٢٥).

(٣) الرقم ١٠٠ هو رقم الحماية ونصرة القدير

«إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا ... وَأَجْعَلُ سَلاَمًا فِي الأَرْضِ، فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ ... وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً، وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً» (لا ٢٦: ٣-٩). وإن كان ذلك في العهد القديم حيث الناموس والطقوس، لكن روح النص واضح وجلي من القول: «إِذَا أَرْضَتِ الرَّبَّ طُرُقُ إِنْسَانٍ، جَعَلَ أَعْدَاءَهُ أَيْضًا يُسَالِمُونَهُ» (أم ١٦: ٧)، وهذا عين ما قاله الرب يسوع: «إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ» (يو ١٥: ٧).

(٤) الرقم ١٠٠ التكريس والخدمة كالنذير

لقد ظل إيمان نيقوديموس - لفترة من الزمن - في الخفاء، لسبب الخوف من اليهود، لكن فجأة تفجرت فيه نيران المحبة للمُخلِّص، الذي كان وقتها يقاسي آلام الصليب، فذهب مع يوسف الرامي وهو تلميذ أيضًا ليسوع، الذي كان قد طلب من بيلاطس الوالي جسد يسوع فأَذِن له بدفنه: «وَجَاءَ أَيْضًا نِيقُودِيمُوسُ ... وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا (المَنَا = ٥٠٠ جرام تقريبًا)»، وبكل الحب «أَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ ... وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ (يو ١٩: ٣٨-٤٢).

لكن نلاحظ أن نيقوديموس اشترى ١٠٠ مَنًا من الطيب، فإذا كان الطيب الذي سكبته مريم على رأس يسوع وهو مَنًا واحد (أي رطل واحد)، يساوي أكثر من ٣٠٠ دينار، فإن الـ ١٠٠ مَنًا طيب التي كفَّن بها نيقوديموس المسيح ربما لا يقل ثمنها أيضًا عن ٣٠ ألف دينار (وهو ما يُساوي مليون جنيهًا مصريًا تقريبًا). هكذا كان المسيح غاليًا ومُقدَّرًا في أعينهما. فهل المسيح غالٍ في نظرك، نظير مريم أخت لعازر، أو نظير نيقوديموس؟ أم – للأسف - لا يساوي أكثر من ٣٠ من الفضة، المبلغ الكريم الذي باع به يهوذا الخائن سيده؟!

(٥) قواد المئات يُصرحون بأن لا شيء عسير

ما أكرم وما أروع كل قائد مئة جاء ذكره في الإنجيل (تذكر البشائر خمسة من قواد المئة)؛ كل منهم مؤمنٌ، وكل منهم كريم، واحدًا منهم في لوقا ٢٣: ٤٦، ٤٧، شهد للمسيح شهادة ما أحلاها وإني أتخيله كما لو كان قطف وردة جميلة ووضعها على هامة المسيح يوم أن كان هذا الرأس الكريم مكلل بالأشواك. فعندما «نَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ. فَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ مَا كَانَ، مَجَّدَ اللهَ قَائِلاً: بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!». أما بقية القواد فجاء ذكرهم في لوقا ٧؛ أع ١٠؛ ٢٢؛ ٢٧. ومن هنا نتعلم: «هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟» (تك ١٨: ١٤). وهذه رسالة موجهة لكل ضابط ولكل قائد، لكل مدير وكل مسؤول؛ أن لا عذر له، مهما كان الوسط الذي يعمل فيه، فنعمة الله تشمله وتكفيه، تسنده وتشجعه وتزكيه.

(٦) الرقم ١٠٠ العقوبة القصوى، والدين الثقيل

للخطية أجرة وعقاب، أتعاب وحساب، وكل إنسان مسؤول عن تصرفاته وأعماله، ويمكن للإنسان أن يصير حكيمًا أو جاهلاً. يقول الكتاب: «اَلانْتِهَارُ يُؤَثِّرُ فِي الْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ جَلْدَةٍ فِي الْجَاهِلِ» (أم ١٧: ١٠). وضرب المسيح مثلاً عن الدين الثقيل بذلك الرجل الذي «كَانَ مَدْيُونًا... بِمِئَةِ دِينَارٍ» (مت ١٨: ٢٨). لكن كم نشكر الرب، فالحكيم تحمل الجلد بدل الجُهَّال، والبار مات من أجل الأثمة الفجار، حمل حملنا الثقيل، وسدد ديننا الرهيب، عندما قالها من فوق الصليب: «قَدْ أُكْمِلَ» (يو ١٩: ٣٠).

(٧) الرقم ١٠٠ أقصى مسؤولية، ورسالة تحذير

«أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا، أَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَيَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ؟» (لو ١٥: ٤).

الرقم ٥ هو رقم المسؤولية. وبذلك يكون الرقم ١٠ رقم المسؤولية المضاعفة، أما الرقم مئة ١٠ × ١٠ فهو مسؤولية المسؤولية. والمسيح هو الذي تحمل المسؤولية كاملة، «لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ» (مت ٢٠: ٢٨)، وعندما جاءت ساعة الصليب قال: «أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا» (يو ١٧: ١). إنه الرَّاعِي الصَّالِحُ الذي بَذَلَ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ” (يو ١٠: ١١). والمسيح تعهد، ليس عن فدائنا فقط، بل عن إطعامنا روحيًّا وجسديًّا، وحفظنا وحمايتنا، إرشادنا وتعزيتنا. وهو الآن يبحث عن الشقي والضال مهما بُعده طال، عن البعيد والفاجر مهما انغمس في الشرور وفي الأوحال. إنه لا يزال:

يُزِيحُ الْجِبَالَ يُنَادِي: “تَعَالَ”

بِصَوْتٍ يَهُزُّ الضَّمِيرْ

يُشِيعُ السَّلامَ يُنِيرُ الظَّلامَ

فَيُبْصِرُ حَتَّى الضَّرِيرْ

فهل تُقَدِّر هذه الرسالة التحذيرية؟ وهل تتحمل مسؤولية حياتك الأبدية؟ إنه الصوت رقم ١٠٠، ليتك تقبل هذه الدعوة الحبية الغنية، بتوبة حقيقية قلبية، رجاء لا تؤجل للغد، فمن يدري ما الذي تحمله مفاجآت البرية في الأيام القليلة الباقية؟

صفوت تادرس