إنه في الحقيقة مقام مبارك ذلك الذي يبدأ بـ «لا شيء من الدينونة» وينتهي بـ “لا انفصال عن محبة الله”. ذلك هو ما نجده بالفعل في هذا الأصحاح رومية 8. وإنني أريد بمعونة الرب أن أضع أمامكم قليلاً من البركة الكاملة الأكيدة التي تخص كل شخص أصبح بالنعمة «في المسيح». وإني أعتقد أن الأصحاح الثامن من رسالة رومية هو مهر المسيحي ـ لا أقول على وجه التحديد مهر العروس، لأن الأمر هنا يتعلق بالوجهة الشخصية للحق، إلا أنك سوف تجد فكرة الزواج بالارتباط مع الحق الموجود في الأصحاح السابع من الرسالة.
في الأصحاحات الثلاثة السابقة: 5، 6، 7 نجد ثلاث حقائق هامة للغاية. وهذه الحقائق الثلاث لخصها الروح القدس في الأعداد الثلاثة الأولى من الأصحاح الثامن موضوع تأملنا. وقد رأينا أن الجزء الأول من الرسالة إلى رومية ينشغل بإظهار كيف يمكن للخاطئ المُذنب، المُفلس، الفاسد، والهالك، أن يُحْضَر إلى محضر الله بالتوافق مع بر الله، وكيف يتبرر أمامه. إن ذلك السؤال العظيم الأهمية الذي سأله أيوب في الأصحاح التاسع من سفره «كيف يتبرر الإنسان عند الله؟» لم يُجَاوب عليه أبدًا، إلى أن كتب روح الله بواسطة الرسول بولس هذه الرسالة، حيث نتعلم فيها كيف يمكن للإنسان أن يتبرر أمام الله.
كيف يتبرر الإنسان عند الله؟
حتى العدد الحادي عشر من الأصحاح الخامس، انشغلت الرسالة بالحديث عن كيف يتبرر الإنسان عند الله من الذنوب. ومن الأهمية بمكان أن نتعلم كيف يتم هذا. إنه بنعمة الله السامية، بواسطة الفداء الذي بيسوع المسيح؛ بينما الأعمال استُبعدت تمامًا من طرف الخاطئ، وأخذ الإيمان مكان هذه الأعمال، الإيمان الذي يُحسَب برًا للنفس في اللحظة التي تؤمن فيها بمَن أقام ربنا يسوع من الأموات. في هذا القسم من الرسالة نجد خطايانا وإثمنا وتعدياتنا وشرورنا، وقد تم التعامل معها وقد سُترت، ومُحيت ووضعت جانبًا، بواسطة دم الرب يسوع المسيح، وأصبح بر الله الذي كان ضد الخاطئ وهو في خطاياه، هو الآن له، للشخص الذي يؤمن ويثق في يسوع. إن الله «بار ويُبرر مَنْ هو من الإيمان بيسوع» (رو3: 26). إن التبرير يفيض من نعمة الله، لأنها هي النبع والمصدر له، لكنه مؤسس على عمل المسيح، كما يذكر الأصحاح الخامس «ونحن مُتبررون الآن بدمه، نخلص به من الغضب» (رو5: 9).
ثم نتقدم أكثر حيث نقرأ في العدد الأول من الأصحاح الخامس «فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح». لا يعني هذا أنه توجد ثلاثة طرق للتبرير، لكن يوجد ثلاثة أطراف لتبريري. هذه الأطراف الثلاثة هي: الله، وابنه، وأنا. ما هو جانب الله؟ إنه يبرر «مجانًا بنعمته» (رو3: 24). إن قلبه المُحب هو النبع والمصدر له. وما هو جانب المسيح؟ «ونحن مُتبررون الآن بدمه» (رو5: 9). إن دم يسوع هو الوسيلة والقاعدة للتبرير. ذلك هو جانب المسيح. أما جانب الإنسان فهو «إذ قد تبررنا بالإيمان» (رو5: 1). إن النعمة تَعرِض، والدم يضمن، والإيمان يقبل هذا التبرير. إن الإيمان هو اليد الممدودة التي تأخذ البركة التي تقدمها محبة الله بسخاء.
الرأسان، والسيدان، والزوجان
لكن ابتداء من عدد 12 من الأصحاح الخامس نقرأ عن ”تبرير الحياة“ حيث نجد روح الله ينشغل بموضوع آخر تمامًا. إنه لا يتعامل مع ما فعلتُه، مع الخطايا التي ارتكبتها، لكنه يتعامل معي أنا الإنسان الذي ارتكبها. إن الأمر ليس بعد التعامل مع ثمر الشجرة، لكن مع الشجرة نفسها، التي من الطبيعي أن تنتج مثل هذا الثمر الرديء والشرير. ثم نتعلم تحت ثلاثة تشبيهات متقاربة، كيفية الخلاص الكامل والتام، الذي من حق المؤمن بالرب يسوع المسيح.
في الأصحاح الخامس ستجد روح الله يُحضر أمامنا الرأسين؛ ثم في الأصحاح السادس السيدين، وفي الأصحاح السابع الزوجين. ولا أحتاج أن أقول إن الرأسين في الأصحاح الخامس هما آدم والمسيح. إنه من المستحيل أن أرتبط أو أتحد مع رأسين في الوقت نفسه ـ مع آدم ومع المسيح. فإن كنت في آدم فأنا لست في المسيح، وإذا كنت في المسيح فلست في آدم. ذلك واضح تمامًا. وواضح بالمثل أن آدم لم يصبح الرأس للجنس أو العائلة البشرية إلا بعد أن صار إنسانًا ساقطًا خاطئًا خارج جنة عدن. كما أن المسيح لم يصبح رأس جنس إلا بعد أن قام من الموت والدينونة التي احتملها لأجل أولئك الذين كانوا تحتها.
ثم في الأصحاح السادس نجد هناك سيدين ـ الخطية والله. فإذا كنت تحت سيادة وتسلط الخطية، فأنا لستُ “عائشًا لله” ، ولا أصير خادمًا لله. لكن هناك أتعلم لبركتي الوفيرة أن «الذي مات قد تبرأ (أو تبرر بحسب حاشية الكتاب) من الخطية» (رو6: 7). «عالمين هذا، أن إنساننا العتيق قد صُلب معه (مع المسيح) ليُبطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضًا للخطية» (عدد6). لقد مات المسيح، «لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله» (عدد10). وعلى ذلك يأتي التحريض «كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (عدد11). إن الوسيلة التي بها أنتقل من انتسابي لآدم كالرأس، إلى المسيح، هي بموت المسيح الذي أحسبه بالإيمان موتي أنا ـ ليس موته لأجل خطاياي، لكن موتي أنا معه للخطية. وكيف يستطيع المؤمن أن يتعلم أنه ليس بعد تحت سيادة الخطية؟ في رومية6: 8 نقرأ «فإن كنا قد مُتنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضًا معه: عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضًا، لا يسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذي ماته، قد ماته للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله» (رو6: 8- 10). إن المؤمن الذي هو في المسيح يعترف ويسلِّم بأن الجسد الذي فيه والذي هو شرير في ذاته لا بد من دينونته الحتمية. لكنه يجد أن مثل تلك الدينونة قد أخذت مجراها في موت المسيح الذي هو حياته. وبهذا أصبح له الحق أن يحسب كل الذي حدث للمسيح، كأنه حدث له، ويعرف أن إنسانه العتيق قد صُلبَ مع المسيح. إنه بالإيمان يشترك في موت يسوع لأجله، وبذلك يهرب من دينونة وسلطان الخطية، ويصبح حرًا ليعيش لله. لقد أصبح الله هو السيد الجديد.
وعندما نصل إلى الأصحاح السابع نجد الناموس والمسيح كالزوجين. هناك نقرأ أن المرأة لا يمكن أن يكون لها زوجان. فيجب أن يموت الأول قبل أن تتزوج بآخر. مَن هو الزوج الأول؟ إنه الناموس. هذا ما يقوله الرسول «أم تجهلون أيها الأخوة (لأني أكلم العارفين بالناموس) أن الناموس يسود على الإنسان ما دام حيًا. فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي. ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذا كان الرجل حيًا، تُدعى زانية إن صارت لرجلٍ آخر. ولكن إن مات الرجل، فهي حُرة من الناموس، حتى أنها ليست زانية إن صارت لرجلٍ آخر. إذًا يا إخوتي، أنتم أيضًا قد مُتم للناموس بجسد المسيح، لكي تصيروا لآخر للذي قد أُقيم من الأموات لنُثمر لله» (رو7: 1- 4). لاحظوا أن الرسول لا يقول إن الناموس مات، لأن ع6 يُقرأ هكذا «إذ مُتنا عن الذي كنا مُمسَكين فيه». إن موت أحد الطرفين قد فسخ الرباط كما يوضح الرسول. إنه يقول ما معناه “أنتم قد مُتم، ولكن لكم حياة جديدة، إذا كنتم في ذلك الشخص الذي قام من الأموات”. «لكي تصيروا لآخر للذي أُقيم من الأموات، لنُثمر لله. لأنه لما كنا في الجسد، كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا لكي نُثمر للموت. وأما الآن فقد تحررنا من الناموس، إذ مُتنا عن (بحسب التعبير الأصح حسب الحاشية) الذي كنا مُمسكين فيه، حتى نعبد بجدة الروح، لا بعتق الحرف». وأكرر أن الناموس لم يَمُت، لكن الذي مات هو الإنسان الذي وضع نفسه تحت سلطانه. والآن صارت حياته هي في شخص آخر. إن حياة المسيحي هي حياة المسيح، والحياة التي يحياها المسيحي أمام الله هي حياة المسيح، فهو لا يعيش فيما بعد أمام الله في حياة آدم، لكنه يعيش في الحياة الجديدة التي له في المسيح يسوع. وما هي النتيجة؟ الحرية، السلام، الفرح، والبركة، بقوة الروح القدس.
(يتبع)