في ثمانينيات القرن التاسع عشـر، شاء الرب في نعمته الغنية، ورعايته الأمينة لشعبه، أن يُقيم في مصـر، وبعض الأقطار العربية المُجاورة، كلبنان وسوريا، شهادة مُباركة للتعليم الصحيح، وللحقائق المسيحية الجوهرية، المُدوَّنة على صفحات الكتاب المُقدَّس، ولا سيما في أسفار العهد الجديد.
ولا يسعنا الوقت أن نكتب كل شيء بالتفصيل عن نشأة “جماعة الإخوة في مصـر”. فقد حدث حوالي سنة ١٨٧٠ أن المُرسَل الأمريكي المرحوم/ بنيامين بنكرتن، تحصَّل على أثمن مؤلفات خدام الرب الأفاضل: يوحنا داربي، وليم كلي، يوحنا بللت، وغيرهم من خدام الرب الموهوبين. وإذ درسها دراسة دقيقة، بروح الصلاة، أدرك منها الحقائق الثمينة والواضحة عن حرية العبادة والخدمة، ووحدة الكنيسة جسد المسيح، وكسـر الخبز، والرجاء المُبارك؛ رجاء مجيء المسيح لاختطاف جميع المؤمنين، وغير ذلك من حقائق العهد الجديد المباركة، فانفصل على التو من الأنظمة البشرية ليعبد الرب على أساس سليم من كلمة الله، مع الذين يدعون الرب من قلب نقي.
وإذ كان “بنيامين بنكرتن” قد درس اللغة العربية دراسة وافية، فقد كتب الكثير من النبذ والكتيبات التعليمية، وبصفة خاصة تفسيره لأسفار العهد الجديد من إنجيل متى إلى رسالة كولوسي، ولكنه لم يُكمِل تفسير بقية أسفار العهد الجديد، لأن الرب ضمه إليه.
ولقد تميَّزت الفترة من سنة ١٨٧٥ إلى سنة ١٨٨٥ بكثرة المطبوعات التي كان يقوم بنشـرها وتوزيعها، في أنحاء البلاد، خادم الرب المرحوم/ لويس شلوطهاور، الألماني الجنسية، فكانت سبب إنارة وبركة لكثيرين من المسيحيين.
وكان أول خادم للإنجيل بين الإخوة من المصـريين، المرحوم القس/ جرجس روفائيل، الذي كان راعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في ملوي. فإنه بمجرد أن أدرك الحقائق المسيحية الجوهرية، انفصل في الحال عن وظيفته، وابتدأ يُجاهر، في جهات عديدة، بالمبادئ الكتابية، مُعتمدًا على الرب في إعالته، كما أنه كتب بعض الكتب والنبذ التعليمية النافعة.
ولقد حذا حذوه آخرون من خدام الإنجيل، ومن المؤمنين الأفاضل، أمثال المرحوم القس/ بطرس ديناسيوس، وهو مؤلف الكتاب القَيِّم: “القول الصـريح في تثليث الأقانيم وتجسد المسيح”، والمرحوم/ موسى صالح، الذي كان أول من تقدَّم للشكر على مائدة الرب في أول اجتماع لكسر الخبز، وكان ذلك في مدينة ملوي محافظة المنيا.
على أنه لم يكن للإخوة في ذلك الوقت مجلة دورية لنشـر التعاليم المسيحية الجوهرية ولإطعام قطيع المسيح في الأقطار العربية، وبين المتكلّمين بهذه اللغة في باقي دول العالم. إلى أن جاءت سنة ١٩٠٩ حيث وضع الرب وقتئذٍ في قلب خادميه الوقورين المرحوم/ ناشد ساويرس ، والمرحوم/ أوتوبليدل، الدانماركي الجنسية، تحرير مجلة “صدى النعمة والحق”، وذلك ابتداءً من شهر أبريل من تلك السنة (١٩٠٩). وقد كانت هذه المجلة سبب بركة عظمى لكنيسة الله في هذه البلاد وغيرها. فقد نُشـرت بها التعاليم الروحية السامية، كما نُشـر بها شرح أسفار التكوين والخروج واللاويين، والأصحاحات الأولى من سفر العدد، التي كتبها خادم الرب الموهوب/ تشارلس ماكنتوش. ولكن هذه المجلة؛ مجلة “صدى النعمة والحق”، توقفت في شهر أكتوبر من سنة ١٩١٤ بسبب انتقال طيب الذكر المرحوم/ ناشد ساويرس إلى السماء.
وفي سنة ١٩١٩ وضع الرب في قلب اثنين من الإخوة الشبان في أسيوط، إصدار كراسة شهرية، يُنشَر بها موضوع أو اثنان على الأكثر من كتابات تشارلس ماكنتوش سالف الذكر، بعنوان “المراعي الخضراء”، ولكن الرب – في جوده العظيم، ورعايته الأمينة لقطيعه المحبوب – وضع في قلوب بعض الإخوة الأحباء بالقاهرة، ومعهم الأخ الفاضل المرحوم/ فخري لوقا الزق، المحامي بأسيوط، إصدار مجلة “المراعي الخضراء” الحالية، وذلك في سنة ١٩٢١.
ولا يسعنا الوقت لأن نُحصـي التفاسير الثمينة والقيّمة، والكتب الروحية النافعة، التي نُشـرت بها، ولا سيما بقية شرح “ماكنتوش” لسفري العدد والتثنية. وقد استخدم الرب الكثيرين من الإخوة الأحباء، البعض منهم رقدوا، والبعض ما زالوا أحياء، في ترجمة أو كتابة الموضوعات التعليمية والوعظية والتبشيرية، التي كانت ولا تزال سبب بركة وبنيان لنفوس كثيرة في بلدان عديدة.
وتميَّزت “المراعي الخضراء” بأنها طوال هذه السنوات العديدة، لم تتوقف عن صدورها، والفضل كله للرب وحده، الذي له وحده كل المجد. ومن وقت صدور هذه المجلة - حرصت على أن تكون اسمًا على مسمى، فلم تنزلق في يوم من الأيام إلى مماحكات الكلام، الأمر غير النافع لشيء، ولا جنحت إلى روح الحزبية البغيضة والمباحثات الغبية التي تُوّلد خصومات، بل أنها على مدى تاريخها لم تُقدّم لأولاد الله سوى «اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ» (٢بط٢: ٢)، كما قدّمت لِلْبَالِغِين منهم «الطَّعَامُ الْقَوِيُّ» وشعارها التليد «مَا لِلتِّبْنِ مَعَ الْحِنْطَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ؟» (إر٢٣: ٢٨).
أما الحنطة فهي الكلمة المكتوبة التي تُقدِّم لنا الكلمة الحي، أو بالحري إنها كلمة المسيح التي طلب الرسول أن تسكن فينا بغنى (كو٣: ١٣). إن كلمة الله هي الحاجة الحقيقية لشعب الله؛ فهي زاد الغريب، وعصا المسافر، وسلاح المحارب، وتعزية القديس، ودليل الأمين. إنها كل شيء للمؤمن.
والمجلة تقدم بالشكر الجزيل للرب “رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ” الذي آزرها وأعانها طوال كل السنوات الماضية بكيفية واضحة. كما أننا لنا اليقين الوطيد والثقة الشديدة والكاملة، في تعضيده ومؤازرته لها، حتى يتسنى لها بنعمته أن تقوم بخدمتها، لمجد اسمه العزيز، ولبركة وبنيان المؤمنين، وإنهاض عزائمهم الروحية، ولتقديم بشارة إنجيل نعمة الله إلى النفوس المحرومة منها. وهي ترجو من جميع الذين يُحبون ربنا يسوع المسيح، أن يؤازروها بكل وسائل المؤازرة، ولا سيما بصلواتهم، لتستمر في خدمتها المُباركة، إلى مجيء ربنا يسوع المسيح، الذي أصبح قريبًا جدًا “عَلَى الأَبْوَابِ”.
”إِيلِيمَ“ أنتِ ومرعانا ومربضنا
على رُباك وجدنا الظل والثمرا
أعددتها ربنا في القفر مائدة
بَسَطَتْ يداك عليها الخبز والخمرا
عظمت جودك فوق الريح واللجج
أرسَلتَ مَنًّأ فغطى السهل والوعرا
من فوق أعوادها للحق جلجلة
ولنعمة الله في صفحاتها مجرى
الحائرون على صفحاتها قرأوا
خبر الدهور وها قد صدقوا الخبرا
ردت نفوسًا كما قد شددت رُكبًا
آست جراحًا كما قد بدَّلت صورا
وبيننا لم تزل للعهد حافظة
نلقاها بالبشر بل تلقانا بالبشرى