مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي» (أي31: 35)
فَتَحَ المُبتَلى فاه وأخذ يَسُبُ يومَه، كذا أخذ يرسُمُ لعين شاخصيه عميقَ آلامِهِ، ولقد ندَدَ أيضًا بموقِفَ أصحابِهِ، مؤكِدًا لمُستمعيه صدق بِرِّهِ، وإن تضَّمن ذلك ظلمَ اللهِ في قضائِه.
والعبارة المذكورة أعلاه، نطق بها أيوب ضمن عباراتِهِ الدفاعية، قبل أن تلفُظَ حجتُه أنفاسَها الأخيرة، إذ كان أصدقاؤه قد أخلدوا إلى الصمتِ إذ لم يجدوا جوابًا للمبتَلى فكَفوا. وفي هذا التوقيت الحاسم، ظهَرَ أليهو في المشهد وكأن بطنَه قد انشق، كزِقاقٍ جديدة قد انسَكَبَت. وفي غضونِ دورِه التوسطي، أدلى بحديثٍ دفاعي، لا عن حقِ أيوبَ وبرِهِ، ولكن عن أخلاقياتِ الله وصفاتِهِ، وبعدَه هجم الله بجلاله على اتهامات عبدِهِ، كذا اعوجاجِهِ.
ولكن بالعودةِ إلى العبارةِ موضوع تأملِنا، نجد أيوب وكأنه الشريفُ، الذي يبحثُ عن قاضيه لإثباتِ براءتِهِ، فهوذا أيوب يُقَدِمُ توقيعَه، وينتظر إجابةَ القدير، وقد خالَ إليه أن الحُجج قد خَلَت من فمِهِ والتبرير. آه يا قارئي، هل يمكن لإناءٍ خزفيٍ صغير، أن يجنَحَ في تفكيرِهِ، فيُخطِّﺊُ القدير، متَهِمًا إياه بالقسوة والتقصير، ذاك الذي يُديرُ دفةَ الكونِ لا بثَقلةٍ فهو الكبير!!
ولكن لا بُدَ للصغيرِ أن يأخُذَ موقِفَ الصغير، فيصير الجميعُ متعلمين من اللهِ. فعوضَ أن يجيبَ اللهُ أيوبَ ويبرِّرَ نفسَه لديه، فها هو يستجوِّبُ عبدَه، داعيًا إياه ليشدُدَ حقويهِ، وفي لغة التهكم المقدس يقولُ له: «فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي» (أي38: 3؛ 40: 7). ومَنْ هو المُعلِّم، بل ومن هو المتعلِّم؟ أَ يُعلِّمُ العبدُ سَيِّدَه؟ أَ يُعلِّمُ التلميذُ مُعلِّمَه؟ أَ على هذا المنوال تنقلب المُسَلَّمات؟ أَ لم يُسَطَّر عن اللهِ في السفر ذاته: «هُوَذَا اللهُ يَتَعَالَى بِقُدْرَتِهِ. مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا؟» (أي36: 22).
ثم أدلى السَيِّد بحوالي سبعين سؤالاً، بشأن عظمتِهِ في خليقتِهِ، وكيف أتقنها بالحكمةِ ويعتني بها، مُبتدئًا بأساساتِ الأرض، مُنتقلاً إلى البحر واندفاقِه، مارًا بالصبح والنور وخزائنِ الثلج والمطرِ ... مُنتقلاً إلى عالمِ الطيرِ والحيوان بكلِ عجيباتِه. وتخيل معي يا قارئى، منظرَ ذلك التلميذِ المتجاسِرِ وهو يتلقى ورقة امتحانِهِ، وقد تضمنت سبعين سؤالاً، ولقد تعذر عليه أن يُدلي بحرفٍ واحدٍ في ورقة إجابتِه،ِ خطأً كان أم صوابًا، فأخذَ يكتب أسفلها: «هَا أَنَا حَقِيرٌ فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي. مَرَّةً تَكَلَّمْتُ فَلاَ أُجِيبُ، وَمَرَّتَيْنِ فَلاَ أَزِيدُ» (أي40: 4، 5). ثم عاد فختمها: «وَلَكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا ... بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي» (أي42: 3، 5).
لا نعي حبه لا نرى مجده
إلا إن سلمنا بالخضوع
فتأتي البركات من سما السَّماوات
إن وثقنا دومًا بيسوع