أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2013
الأعمال الحسنة ... والرسالة إلى تيطس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

موضوع رسالة تيطس هو العلاقة التي لا تُفصم عراها بين الإيمان والعمل، وبين العقيدة والسلوك”. ويقول “دافيد وست” في تعليقه على رسالة تيطس في سلسلة “ماذا يُعلّمنا الكتاب”: هذه الرسالة تُحدثنا كثيرًا عن الأعمال «لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا» (تي3: 5).  وكان على تيطس نفسه أن يُقدِّم نَفْسَه «فِي كُلِّ شَيْءٍ قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ» (2: 7).  وكذلك علينا أن نكون «شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ» (2: 14)، وعلينا أن نكون «مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (3: 1)، وأن «يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً» (3: 8)، وأن «يَتَعَلَّمْ مَنْ لَنَا أَيْضًا أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً لِلْحَاجَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، حَتَّى لاَ يَكُونُوا بِلاَ ثَمَرٍ» (3: 14).

وهذا المقال يُركز على الأعمال الحسنة المذكورة في رسالة تيطس التي تُحرّض على ممارسة تلك “الأعمال الحسنة” كطابع عام (1: 16؛ 2: 7، 10، 14؛ 3: 1، 5، 8، 14).

الأصحاح الأول:        شيوخ أكفاء

في الأصحاح الأول حرَّض الرسول بولس تيطس أن يُقيم شيوخًا في كل مدينة، مؤكدًا على توافق حياتهم مع المستوى السامي الذي يُحدده المكتوب للقادة في الكنيسة.  فأول شرط هو أن يكونوا «بِلاَ لَوْمٍ»، أو فوق الشبهات (1: 6).  وهذا يعنى ألا يُوجد احتمال أن يتهمهم أحد في أي سلوك أدبي في حياتهم الشخصية، وفى قيادتهم للكنيسة المحلية.  وبدليل “الأَعْمَال الْحَسَنَة” - في حياتهم وخدمتهم - يصيرون أمثلة لباقي الجماعة ليقتفوا أثرهم.

إننا نعيش في زمن سقط فيه قادة كثيرون للخدمات المسيحية في إخفاقات أدبية خطيرة في سيرتهم المادية والأدبية، وفي مجالات التكبر وتعظيم الذات.  ومما لا شك فيه أن الشيطان يستخدم تأثير الشهرة الإعلامي التلفزيوني، والأموال الطائلة لبث مثل هذه البرامج، والشعور بالنجومية التي تأتي بالكبرياء، ليٌسرّع بسقوطهم.  وعندما يسقط القادة المشهورون يُهان اسم المسيح، ويتخبط التابعون في بحر الحيرة، وأحيانًا يرتدّون عن تبعية المسيح.  لكن - على عكس طريق الكثيرين مِن القادة التائهين - يضع الرسول بولس النموذج للقيادة: «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ» (1كو11: 1).

ولقد أوضح الرسول بولس أنه لا يبغى تبعية شخصية، بل ببساطة يُقدِّم الإنجيل في قوة الروح القدس، مُوجهًا سامعيه لتبعية المسيح «لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ، بَلْ كَمَا اسْتُحْسِنَّا مِنَ اللهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى الإِنْجِيلِ، هكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي النَّاسَ بَلِ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا.  فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّق كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ.  اَللهُ شَاهِدٌ.  وَلاَ طَلَبْنَا مَجْدًا مِنَ النَّاسِ، لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ» (1تس2: 3-6).

ويحذر الرسول بولس تيطس من أعمال الكريتيين المناقضة للإنجيل، فهم «مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ ... فَإِنَّهُمْ يَقْلِبُونَ بُيُوتًا بِجُمْلَتِهَا، مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ، مِنْ أَجْلِ الرِّبْحِ الْقَبِيح ... كَذَّابُونَ.  وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ.  بُطُونٌ بَطَّالَةٌ» (1: 10–12).  هم مثل أناس كان قد أشار إليهم الرب قائلاً: «هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا، وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي» (مر7: 6، 7) وبكلمات أخرى هم مجرد أقوال، لأن أعمالهم تظهر أنهم بعيدون عن الله.  وهؤلاء الكريتيون الذين يشير إليهم الرسول بولس هم مجرد معترفين اسميًا، وليسوا مؤمنين مختبرين الرب: «بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ.  يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ» (1: 15، 16).

في الكنيسة المحلية لا بد للقائد الروحي أن يعيش حياة مُثلى أمام الله والناس «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (1بط5: 2، 3).

الأصحاح الثاني:       السلوك المسيحي

في هذا الأصحاح يُبين الرسول بولس السلوك الصحيح، ومبادئ الحياة المسيحية في تباينها مع التي للمُعلمين الكذبة في الأصحاح السابق.  لقد كان عمل تيطس في كريت أساسًا رعويًا، لذلك يُذكِّره الرسول بولس أن يتحدث باستمرار إلى قطاعات متنوعة من الناس؛ الشيوخ، والعجائز، والحدثات، والأحداث، والعبيد (2: 1-10)، وأن يكون تعليمه «بِمَا يَلِيقُ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ»، وليس كالذي للكريتيين.  وكذلك يجب أن يكون تيطس نفسه مثالاً للأعمال الحسنة، حتى لا يجلب العار على الإنجيل «مُقَدِّمًا نَفْسَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، وَمُقَدِّمًا فِي التَّعْلِيمِ نَقَاوَةً، وَوَقَارًا، وَإِخْلاَصًا، وَكَلاَمًا صَحِيحًا غَيْرَ مَلُومٍ» (2: 7، 8).
هناك قائمة “بالأعمال الحسنة” على الشيوخ في الكنيسة أن يمارسوها: «أَنْ يَكُونَ الأَشْيَاخُ صَاحِينَ، ذَوِي وَقَارٍ، مُتَعَقِّلِينَ، أَصِحَّاءَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالصَّبْرِ» (2: 2).  هذه الأعمال تُعلن عن النضوج الروحي، وتُعطي توازنًا للكنيسة المحلية؛ الأمر الذي نحن في أمس الحاجة إليه اليوم.
وهكذا يجب أن تُظهر “الْعَجَائِزُ” النضوج الروحي بأن ينصحن الحدثات بأن يكنّ مُعينات لأزواجهن، وأن يكنَّ أمهات صالحات يدربن أولادهن حسب كلمة الله.  بهذه الطريقة لن يتعطل عمل الله. «كَذلِكَ الْعَجَائِزُ فِي سِيرَةٍ تَلِيقُ بِالْقَدَاسَةِ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، غَيْرَ مُسْتَعْبَدَاتٍ لِلْخَمْرِ الْكَثِيرِ، مُعَلِّمَاتٍ الصَّلاَحَ، لِكَيْ يَنْصَحْنَ الْحَدَثَاتِ أَنْ يَكُنَّ مُحِبَّاتٍ لِرِجَالِهِنَّ وَيُحْبِبْنَ أَوْلاَدَهُنَّ، مُتَعَقِّلاَتٍ، عَفِيفَاتٍ، مُلاَزِمَاتٍ بُيُوتَهُنَّ، صَالِحَاتٍ، خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، لِكَيْ لاَ يُجَدَّفَ عَلَى كَلِمَةِ اللهِ» (2: 3-5).

كذلك يشجع “الأَحْدَاث” أن يكونوا «مُتَعَقِّلِينَ (ضابطين لأنفسهم)» (2: 6).  وبلا شك أن بولس كان يقصد هنا أعمال الشباب المتهورة.  وأعتقد أنه كان يتحدث عن الاحتياج إلى القداسة الشخصية، وبالأخص مِن جهة معاملة الشابات.  ففي رسالتيه للشاب تيموثاوس يكتب الرسول بولس: «أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تي2: 22).  كما حرَّض تيموثاوس أيضًا أن يَعْظ «الأَحْدَاثَ كَإِخْوَةٍ، وَالْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ، وَالْحَدَثَاتِ كَأَخَوَاتٍ، بِكُلِّ طَهَارَةٍ» (1تى5: 1، 2). فالشبان الخائفون الله يجب أن يُمارسوا الأعمال الصالحة التي للقداسة والطهارة مُتعاملين مع أقرانهم الشابات باحترام ليرضوا الرب، ويكونوا مثالاً للآخرين «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (1تي4: 12).

   لقد حرض الْعَبِيد والخدَّام والفعلة أن «يَخْضَعُوا لِسَادَتِهِمْ، وَيُرْضُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ مُنَاقِضِينَ، غَيْرَ مُخْتَلِسِينَ، بَلْ مُقَدِّمِينَ كُلَّ أَمَانَةٍ صَالِحَةٍ، لِكَيْ يُزَيِّنُوا تَعْلِيمَ مُخَلِّصِنَا اللهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (تي2: 9، 10).  ويمكننا أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة: كيف نمارس أشغالنا؟ هل نحن أمناء؟ هل نُظهر الأخلاق المسيحية؟ هل نعمل دون تذمر؟ «وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ» (كو3: 23).

الأصحاح الثالث:    الأعمال الحسنة للجميع

يتعامل الأصحاح الثالث مع أعمال الإيمان العامة التي تنشئ “الأعمال الحسنة” التي يجب على جميع المؤمنين أن يمارسوها و“الخضوع للرياسات والسلاطين” هو عمل حسن هام (3: 1).  وكما يُرينا الأصحاح الأول من رسالة تيطس فقد أقام الله شيوخًا في الكنيسة المحلية كجزء من القيادة، حتى يُحقق الهيكلة والنظام، ونحن بحاجة لأن نخضع لهم حتى يتسنى للكنيسة المحلية أن تعمل بطريقة إيجابية ومثمرة.  والرسالة إلى العبرانيين تقول: «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ» (عب13: 17).  وكتب بولس لكنيسة تسالونيكي: «ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيرًا جِدًّا فِي الْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ» (1تس5: 12، 13).  فالشيوخ يسهمون في بناء الكنيسة المحلية، ونحن إذ نطيعهم ونعمل تحت إرشادهم، نصير جزءًا من هذا العمل.

ويُعطينا الأصحاح الثالث (تي3) صورة بديعة لرسالة الإنجيل: فيبدأ بحالة الإنسان الخاطئة العديمة القيمة (3: 3)، ثم يُقدِّم الخلاص العظيم الكامل الذي أظهره لطف الله ومحبته لنا (3: 4، 5)، متبوعًا بعمل الروح القدس للتغيير، وقوة السكنى بواسطة يسوع المسيح مخلصنا (3: 5-6)، منتهيًا بتبريرنا بالنعمة والرجاء الذي عندنا الآن (3: 7).  لهذا السبب يجب علينا أن نكرِّس أنفسنا  ونمَارِس «أَعْمَالاً حَسَنَةً» (3: 8).  وهذا ليس فقط للمسيحيين العاملين بل «إِنَّ هذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ» (3: 8).

ويجب ألا تكون الأعمال الحسنة مقصورة على ممارسات معينة، بل يجب أن تكون متكاملة على كل ما تمتد إليه أيدينا، فلا شيء يُضاهى العيشة للرب والتمتع بحياة مثمرة، والتي يُمكن أن نختبرها إذا ما أتحنا للرب فرصة لتحقيق خطته فينا وبنا «مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ ... لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ» (كو1: 9، 10).



إبان تايلور