أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2011
الرب صالح
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ.  عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ» (مز119: 68)
عندما أراد الشيطان أن يخدع حواء لتتمرد على الله، فعل ذلك بأن زرع في عقلها بذرة الشك في صلاح الله «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» (تك3: 1).  والمعنى المُتضمَّن كان أن “الله لا يمكن أن يكون صالحًا، فلو كان كذلك، لما كان يرفض شيئًا أنتما تريدانه”.
عندما تدخل الهموم حياتنا، وخيبة الأمل، والألم؛ عندما نفقد أحباءنا، عندما لا تسير الأمور كما رجونا وخططنا لها؛ فالشيطان يغوينا أن نتساءل: “هل الله صالح فعلاً؟ لو كان كذلك، فكيف سمح أن يحدث هذا؟” أو “لماذا أمسك عني هذا الشيء الحسن؟” وفي هذا العالم الساقط حيث الحروب، والإبادة الجماعية، والمجاعات، والكوارث الطبيعية هي واقع، فإن المخادع يحاول أن يضع الله في صورة سلبية: “كيف أن إلهًا صالحًا بالفعل يسمح بالهولوكست (عملية إبادة كاملة حرقًا) أن تحدث؟ أو بالمجاعة في أثيوبيا؟ أو مذبحة كولومبيا؟”
وبمجرد أن نشك في صلاح الله، نشعر بأحقيتنا أن نرفض مشيئته، ونتخذ قراراتنا بخصوص الصواب والخطإ.
والحق هو: أن الله صالح.  سواء بَدَت اختياراته صالحة لنا أم لا، فهو صالح.  سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر، هو صالح.  سواء اتضحت هذه الحقيقة في حياتي وحياتك أم لا، فهو لا يزال صالحًا.
لن أنسى ذلك اليوم عندما أدركت لأول مرة معنى هذا الحق، ووجدتُ فيه ملجأ لي.  كنت قد أمضيتُ عطلة نهاية الأسبوع لعيد ميلادي الواحد العشرين في بيتنا، في زيارة لوالديَّ وأخواتي وإخوتي الستة.  وفي مساء يوم السبت، اصطحبني والدي إلى المطار لألحق بالطائرة ذهابًا إلى ولاية فرجينيا، حيث كنت أخدم مع مجموعة في كنيسة محلية.
وعندما وصلتُ، تلقيت مكالمة تليفونية من والدتي تخبرني أن والديِ أصيب بذبحة قلبية، وفي الحال انطلق ليكون مع المسيح.  لم يكن هناك أي إنذار، ولا وقت لكلمة وداع أخيرة.  وتُركتْ أمي مع سبعة من الأبناء تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والحادية والعشرين.
في الأيام التي تلت ذلك، وفي أسابيع وشهور لاحقة، كانت الدموع تنهمر بغزارة.  كان لكل منا علاقة خاصة جدًا مع هذا الزوج والأب غير العادي.  وكل مَنْ عرفه شعر بخسارة كبيرة عند رحيله إلى السماء.
لكن في تلك اللحظة التي علمتُ فيها برحيل أبي، صنع الرب معي شيئًا رقيقًا خاصًا؛ لقد ذكَّرني بالحق.  فقبل أن تكون هناك أية مشاعر متضاربة، وقبل أن تكون أية دموع، استحضر الله إلى ذهني آية كنت قد قرأتها فقط منذ أيام قليلة.  تفسير وشرح للعدد الذي يقول: «صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ»، وفي ترجمة أخرى “الله صالح، وكل ما يفعله صالح” (مز119: 68).
كان أبي قد قضى الواحد والعشرين سنة الأولى من حياتي يُعلّمني هذا الحق.  والآن، في تلك اللحظة الحاسمة، تبرهن لي أن هذا الحق هو بمثابة الحصن والقلعة لقلبي.  افتقدت والدي كثيرًا – وإلى الآن لا زلتُ أفتقده، بعد أكثر من عشرين عامًا.  لم أجده بجانبي بعدما كبرت، وكان لديَّ الكثير من الأشياء التي وددتُ أن نتكلَّم عنها.  لكنني عرفت حينئذٍ، وأعرف الآن، أن الله صالح وكل ما يفعله هو صالح.
كثير من الأمور التي يصنعها الله في تدبيره وعنايته لا تبدو للعين أنها صلاح.  لكن الإيمان يجلس أمام مثل هذه الأمور الغامضة، ويقول: “الرب صالح، ومن ثم فكل ما يصنعه لا بد أن يكون صالحًا بغض النظر عن الكيفية التي يبدو عليها.  وأنا سأنتظر تفسير الله للأمر”.
ن. لي دي موس
ن . لى دى موس