إساءة استخدام السلطة
لا يوجد حدود لغرور الإنسان الخاطئ، ولا قيود للتجديف الذي قد يصدر من أية خليقة ضعيفة لتُعظم نفسها في عيون العالم. الملك “أحشويروش” (الاسم يعنى ”سيادة“ أو ”سعادة“ أو ”جلالة الأمير“) كان إنسانًا ضعيفًا وخاطئًا ومائتًا، ونرى فيه تطبيقًا لمبدأ اللورد ”أكتون“: ”السلطة تفسد الإنسان، والسلطة المُطلَّقة تُفسده فسادًا مُطلَّقًا“. نال أحشويروش من القدرة المُطلَّقة أعلى قدر ممكن يناله أي إنسان؛ نالها عند ولادته، وقد أفسدته. إن ”السيادة“ و”السلطان“ و”الجلالة“ ألقاب لا تُقال إلا لله، وأي إنسان يُعطي لنفسه ألقابًا ينحني ويتذلل أمامها عبيده، هو أمر يتسم بالانحلال والجنون «لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ, لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ, وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ. وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ, وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ, وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ, وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ» (1أخ29: 11، 12 انظر أيضًا أي37: 22؛ 40: 10؛ عب1: 3؛ 8: 1؛ خر15: 7؛ 2كو4: 7).
كان أحشويروش يحكم 127 ولاية فارسية. وفي رومية 13 يحدد الروح القدس مسؤوليات الحاكم، لكننا نرى في تلك المملكة كل ما يخالف هذه القواعد. لقد كتب الرسول بولس للمؤمنين في رومية قائلاً: «فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَ فَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ» (رو13: 3، 4). إذًا هدف الحكام الأساسي هو خير وأمان الرعايا، وحمايتهم من الأعداء خارجيًا، ومن المجرمين داخليًا.
عدم المسؤولية
فرض الرومان على الحكومات التابعة لهم مكافأة الخير ومعاقبة الشر. وبدلاً من القيام بذلك الدور كان أحشويروش يقضى وقته في إقامة الحفلات لأصدقائه لأسباب لا نعرفها. لكن ما نعرفه هو بما أن الفقراء معنا في كل حين (مت26: 11)، فلا بد أنه كان يوجد عدد كبير من الفقراء في مملكته، لكن فقرهم وبؤسهم لم يكن يعني شيئًا لحاكمهم الأناني، ولم يهتم إلا بملذاته وثورات غضبه في بعض الأحيان. وعلى النقيض من ذلك فإن المزامير وسفر التثنية يقولان لنا إنَّ الحكام يجب أن يهتموا اهتمامًا خاصًا بالفقراء والأيتام والأرامل «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ ... الصَّانِعُ حَقَّ اليَتِيمِ وَالأَرْمَلةِ، وَالمُحِبُّ الغَرِيبَ لِيُعْطِيَهُ طَعَامًا وَلِبَاسًا» (تث10: 17، 18؛ 14: 29؛ 15: 1-11؛ مز10: 14؛ 68: 5).
في الواقع أقام أحشويروش حفلتين؛ الأولى كانت للأمراء أي مستشاريه، وهؤلاء كانوا مجرد عبيد يتمتعون بمزايا خاصة (أس1: 3، 4). والثانية كانت لجميع الشعب الموجودين في شوشن القصر، أي الأقارب والمتطفلين والموظفين بدرجات متدنية (أس1: 5). ونرى الولاة هنا يمتعون أنفسهم حسب هوى حاكمهم، الذي كان بمقدوره الحكم على أحدهم بالموت بمنتهى البساطة.
حكم استبدادي
كان سلوك أحشويروش يخلو من أي منطق ـ مثل هتلر وعيدي أمين وصدام حسين ـ ولا يمت للواقع بصلة. أولاً رقى هامان بدون سبب واضح، واستغل هامان منصبه الرفيع ليواصل انتقامه من اليهود. لم يولِّ مصالح المواطنين أي اهتمام، بل وجَّه كل طاقاته ليُرضي ملكه الفاسد، ويستكمل طموحاته الدموية.
وكان سقوط هامان من تدبير مؤامرة جرت أحداثها في القصر، وضمت مردخاي وأستير (معناها ”نجمة“)، التي وضعت في اعتبارها طبيعة الملك الهوائية، وحاولت ملاطفته بدعوته إلى ولائم قبل الكشف عن مخطط وزيره الشرير. وبالرغم من ذكاء مردخاي إلا أنه لم يستطع أن يُقارب هامان في مكره وسلطانه. وما كان الأمر يتم لولا استرضاء الملك.
وقبل تلك الحادثة نستطيع أن نرى مزاج الملك المُتقلب عندما قرأ أخبار أيام الملك، وقرر تكريم مردخاي بإلباسه اللباس الملكي في موكب استعراضي يطوف العاصمة. يقول المعلقون أن تلك كانت العادة رغم أنها تُظهر الطبيعة التحكمية لتلك الثقافة وفسادها - وهى عادة من الصعب الإعجاب بها - ولكننا نرى أن الطبقة الأرستقراطية الفارسية كان يتملكها حب السلطة وتعظم المعيشة ورغد العيش.
كان على هامان استرضاء الملك ليستكمل مخططه الشيطاني لإبادة اليهود. فلعب أولاً على أوتار الخوف مِن حدوث انشقاق في مملكته: «فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ أَحْشَوِيرُوشَ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ شَعْبٌ مَّا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ بِلاَدِ مَمْلَكَتِكَ وَسُنَنُهُمْ مُغَايِرَةٌ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ وَهُمْ لاَ يَعْمَلُونَ سُنَنَ الْمَلِكِ فَلاَ يَلِيقُ بِالْمَلِكِ تَرْكُهُمْ» (أس3: 8). لنلاحظ الخليط العرقي المتنوع الموجود بالمملكة كما تشير إليه كلمة “الشعوب”. ثم عرض هامان أن يدفع بالغنائم التي سيأخذها من اليهود إلى خزائن الملك. وهنا نرى تشابهًا مع القادة النازيين الذين اغتنوا من جراء اضطهاد ونهب ممتلكات شعب الله الأرضي. لم يعان الخسارة أي بلد استقبل ورحب باليهود، بل على العكس تقدم وازدهر. ورغم ذلك تكوَّم اليهود كقطعان الماشية في الأحياء المُخصَّصة لهم (الجيتو)، وكانوا كبش الفداء لفساد الحكام كما حدث في روسيا تحت حكم القياصرة، كما كانوا دائمًا مكروهين ومنبوذين بدون سبب.
وبدلاً من إيجاد وسيلة شرعية لإبطال تلك التشريعات الجائرة، أُعطي اليهود حق الدفاع عن أنفسهم، مما يكشف عدم اهتمام الملك الإنساني برعاياه إذ أجاز حربًا أهلية، وكان يُريد أن ينال نصيبه من غنائمها بعد ذلك. أي حاكم مجنون آخر فرض الضرائب على المنازعات الدائرة بين الجماعات العرقية والدينية في إمبراطوريته؟! كأننا نرى هنا حكومة ديمقراطية تمولها مجموعة من المنظمات الإجرامية القائمة على تجارة المخدرات وممارسة الرذيلة. هذه الحالة من الانحطاط المُزري كادت تؤدي إلى كارثة، لولا تدخل العناية الإلهية في الوقت المناسب، بإرسال مردخاي والملكة أستير، وإدارتهم الحكيمة الصالحة للأمور.
الملكة
كانت الأمور في حالة سيئة بالفعل وأظهرت استبدادًا من أسوأ الأنواع. وفي حالة الملكة ”وشتي“ (الاسم معناه ”جمال“)، والطبيعة الفاسدة للوليمة العظيمة، نرى وجهًا آخر لانحطاط الملك والمُقرّبين إليه. أولاً صدرت الأوامر للملكة باستعراض جمالها أمام متملقي الملك السكارى، ثم طُلِّقت وطُرِدَت حسب رغبة الملك المخمور. والنصيحة التي أشار بها مستشارو الملك عليه كانت تخلو من الحكمة؛ فالحكمة كانت غير مقبولة في ذلك البلاط الملكي الفاسد. ثم صدر أمر ملكي يتناسب مع كبريائه المتضخم (أس1: 10-22). مِن كل ما سبق نستطيع أن نستشف طبيعة هذه الحكومة في تعاملها مع رعاياها وخاصة النساء. من الواضح أن النساء أصبحن مِن متاع الرجال، إن لم تكن كذلك مِن قبل. والأمر الملكي بالتشريع الجديد المُقترح أوضح أن ما كان يُؤخذ كعادة أصبح قانونًا (أس1: 19، 20). والملكة وشتي كانت على خلق، لكن ذلك لم يُكسبها الاحترام اللائق بها، فكل ما كان يهم وقتها هو رغبة الملك. ومستشاروه المتملقون كانوا يعملون على تنفيذ أهوائه ليحتفظوا بمكانتهم، وبذات القوة والنفوذ.
نتيجة لما حدث تم تعبئة كل موارد الإمبراطورية الضخمة لا لبناء نهضة ما، ولكن لمجرد الاستجابة لشهوات الملك الفاسد (أس2: 1-4). مواصفات الفتاة لتكون ملكة لم تكن أكثر مِن أن يكون جمالها حسنًا في عيني الملك، بغض النظر عن أن تكون عاقلة أو محترمة، فذلك كان أمرًا بلا أهمية. كل ما كان مطلوبًا هو أن تنال إعجاب الملك الشهواني. وهنا نرى الجسد في أردأ حال له.
التناقض الظاهري
ويلفت النظر أن الله لا يُشار إليه أبدًا في هذا السفر. لكن ترقية هامان الآتي مِن جنس عماليق، وجعله أعلى من جميع الرؤساء، تُظهر أن إبليس كان يعمل لتدمير شعب الله (خر17: 16).
وما يلفت النظر أيضًا هو أن نقطة التحول في هذه القصة هي عندما بلغ إسرائيل أسوأ حال، وأصبح مصيرهم الهلاك لا محالة، في هذه اللحظة عينها أقنع مردخاي بنت عمه أستير قائلاً: «لاَ تَفْتَكِرِي فِي نَفْسِكِ أَنَّكِ تَنْجِينَ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ دُونَ جَمِيعِ الْيَهُودِ. لأَنَّكِ إِنْ سَكَتِّ سُكُوتاً فِي هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ الْفَرَجُ وَالنَّجَاةُ لِلْيَهُودِ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، وَأَمَّا أَنْتِ وَبَيْتُ أَبِيكِ فَتَبِيدُونَ. وَمَنْ يَعْلَمُ إِنْ كُنْتِ لِوَقْتٍ مِثْلِ هَذَا وَصَلْتِ إِلَى الْمُلْكِ!» (أس4: 13، 14). كان مردخاي يشعر بأن الله وضع خطة عظيمة لشعبه. هناك أناس احتفظوا بإيمانهم حيًا مثل دانيآل، وآخرون يأسوا وفقدوا الأمل، لكن مردخاي لم يفقد الأمل، بالرغم من عدم ذكر أي شيء يخص علاقته الشخصية مع الله. وأدركت أستير قدرتها على التأثير على الملك، فقررت أن تُخاطر بحياتها لأجل شعبها.
«لِوَقْتٍ مِثْلِ هَذَا» كلمات رئيسية في هذا السفر. بالرغم من عدم وجود ذكر لله لكن من غير المعقول أن نظن أنه لم يتدخل بقوة في مصير شعبه الذي يُحبه محبة أبدية. كان هناك لأجلهم وما زال موجودًا. إنه لا ينسى ولا يتخلى عن شعبه أبدًا. (”تشاك ميسلر“ في كتابه ”شفرات كونية“ كتب أن اسم الله ورد ثلاث مرات في سفر أستير بطريقة مشفرة).
عند وصول إسرائيل لأسوأ درجة في تاريخه جاء الخلاص والنجاة بواسطة امرأة كانت حياتها متوقفة على رغبة ملك مستبد، وكانت هي في مواجهة بلاط ملكي غاية في الشر. لكن الضعف يرى قدرة الله على القضاء على الشر الخبيث بحكمة لطيفة لكن عنيدة في الوقت نفسه.
وهامان وهو في ذروة نفوذه - بمخططه الشيطاني وهو على وشك التنفيذ - تباهى أمام عائلته وأصدقائه «وَعَدَّدَ لَهُمْ ... عَظَمَةَ غِنَاهُ وَكَثْرَةَ بَنِيهِ، وَكُلَّ مَا عَظَّمَهُ الْمَلِكُ بِهِ وَرَقَّاهُ عَلَى الرُّؤَسَاءِ وَعَبِيدِ الْمَلِكِ». ولكن كان ينقصه شيء واحد وهو التخلص من ”مُرْدَخَايَ الْيَهُودِيَّ الجَالِس فِي بَابِ الْمَلِكِ“ (أس5: 11، 12). واقترحت عليه ”زَرَشُ“ زوجته حلاً نال رضاه وهو إعدام ”مردخاى“ أمام جميع الناس إعدامًا مشينًا. ولربما كان ”هامان“ على علم بوصايا الناموس اليهودي «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ» (غل3: 13؛ تث21: 22، 23) .
ويبدأ الأصحاح السادس بحادثة عجيبة تُبين كيف يعمل الله عندما تسوء كل الأمور. على عكس بداية أي عهد جديد عندما يستخدم الله ”آياته وعجائبه“ (تث6: 22؛ مز105: 5، 27)، يضع الله هنا الأحداث في أيدٍ بشرية لكي تسوء الأمور فعلاً. وعندما يحدث هذا يعمل من وراء الستار، بدلاً من التدخل المباشر، لتغيير مسار الأحداث، بدون أن يُوقف المسؤولية التي تقع على الإنسان: «فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ طَارَ نَوْمُ الْمَلِكِ»؛ أي ”هرب منه“، عمدًا وليس من قبيل الصدفة (أس6: 1). وعلى الرغم من أن «الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ» (1يو5: 19)، إلا أن الله هو المُتحكم في كل الأمور، ويعتني بشعبه دائمًا. طار النوم من الملك، فالثروة والسلطان لا يقدران أن يشتريا ساعة نوم واحدة، لأن هذا لا يعطيه إلا الله وحده «يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا» (مز127: 2). والله هو الذي خطف من الملك النوم لسبب: أن يطلب سفر تذكار أخبار الأيام ليُقرأ أمامه. وليس صدفةً أن يسمع قصة كشف ”مردخاي“ عن مؤامرة لقتله في الوقت الذي أوشكت فيه مخططات ”هامان“ على التنفيذ (أس6: 1-3).
تلك هي سمة سفر أستير والهدف منه. كثير من الناس يبحثون اليوم عن دليل على قوة الله، ويفتشون عن علامات وعجائب لكنهم لا يجدونها. كثيرون يقولون: نريد مسحة جديدة. ونحن في الواقع لا نريد شيئًا جديدًا لأننا الآن لنا نفس القوة كما كانت لنا من قبل «كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى» (2بط1: 3). ماذا نحتاج أكثر من ذلك؟ لن نرى المعجزات التي نشتهيها، لكن بدلاً من ذلك ينبغي أن نبحث عن معجزة تتمثل في لقاء أو حديث يقود إلى الإيمان بالله الحقيقي. أَ ليست يد الله تمتد إلى هذه الأمور؟ أعرف مؤمنة تصلى يوميًا للرب ليجعلها على اتصال مستمر مع الناس، لذا نادرًا ما يمر يوم دون أن يكون لها حديث عن الحقائق الأبدية مع غير المؤمنين.
أفكار ختامية
جاء النصر أخيرًا لكن مصحوبًا بمأساة «وَكَانَ لِلْيَهُودِ نُورٌ وَفَرَحٌ وَبَهْجَةٌ وَكَرَامَةٌ. وَفِي كُلِّ بِلاَدٍ وَمَدِينَةٍ، كُلِّ مَكَانٍ وَصَلَ إِلَيْهِ كَلاَمُ الْمَلِكِ وَأَمْرُهُ، كَانَ فَرَحٌ وَبَهْجَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَوَلاَئِمُ وَيَوْمٌ طَيِّبٌ. وَكَثِيرُونَ مِنْ شُعُوبِ الأَرْضِ تَهَوَّدُوا لأَنَّ رُعْبَ الْيَهُودِ وَقَعَ عَلَيْهِمْ» (أس8: 16، 17). الأمر يبدو ظاهريًا على أنه انتصار لليهود لأن كثيرًا من الناس تهودوا، لكن هل تحولوا فعلاً إلى الله؟ قرأنا عن ”رُعْب الْيَهُودِ“ وليس عن ”مَخَافَةُ الرَّبِّ“ التي هي ”بَدْءُ الْحِكْمَةِ“ «بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ» (أم9: 10). ربما يعود هذا إلى إحجام أستير عن الإعلان عن جنسيتها. لأن تحت حُكم هامان كان غير مُحبب أن يُصبح المرء يهوديًا، لكن عندما انعكس الأمر صار التهوّد شيئًا مفيدًا. وهذا يتطرق بنا إلى عدة قضايا، فنحن اليوم ننوح ونندب المسيحية لأنها ليست مُحببة إلى الجميع، لكن في مثل هذه الأوقات - عندما نتجرأ في الشهادة - يعمل الله أكثر في قلوب الخطاة.
سفر أستير هو سفر مُحيّر حقًا، ومُعظمنا يهمل دراسته، لكنه سفر يحتوي على الكثير لنتعلمه فيما يخص الأيام التي نعيش فيها، وحيث أخلاقيات الحكام تتدنى جدًا عن متطلبات المنصب الذي يشغلونه.
ليتنا نتذكر كلمات الرسول بولس: « فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ» (1تي2: 1، 2).