: 2298/1974«ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ: مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ. فَقَالَ الرَّبُّ لِي: أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا» (إر1: 11، 12).
نشكر الرب لأجل إحساناته ومراحمه لنا في العام الماضي، والأعوام الماضية، التي تشهد كلها عن أمانة الرب من نحونا. ونحن نتمنى في هذا العام الجديد أن تنتهي فترة اغترابنا في هذا العالم، لنستوطن عند الرب. إننا نعيش في أيام الكنيسة الأخيرة، تمامًا كما كان النبي إرميا يعيش في آخر مملكة يهوذا. وكما تم سبي مملكة يهوذا إلى بابل، هكذا أيضًا عن قريب سيتم سبي المسيحية الاسمية إلى بابل الروحية (رؤ17؛ 18). وكلمات الرب التي قالها لإرميا في بداية سفره، هي التي يقولها لنا في بداية هذا العام الجديد.
لقد صارت كلمة الرب إلى إرميا: “ماذا أنت راء يا إرميا؟”. فقال: “أنا راء قضيب لوز”. وهذه الإجابة نالت مدح الرب واستحسانه، إذ قال له الرب: «أحسنت الرؤية، لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها».
واللوز في اللغة العبرية يسمى “شاكيد”، وهي كلمة عبرية تعني “الساهر”. ولقد سُمي اللوز بهذا الاسم “الساهر” لأنه أول الثمار التي تنضج في أرض كنعان، عندما يُخرج فروخًا ويُزهر زهرًا ويُنضج لوزًا، بينما بقية المحاصيل تغط في النوم. وهو من هذه الزاوية يعطينا صورة لقيامة المسيح من الأموات باعتباره “أول قيامة الأموات”، و“باكورة الراقدين” (أع26: 23؛ 1كو15: 20). وكم نحتاج في هذه الأيام أن نتحول عن مناظر العالم المربكة، إلى المسيح المقام من الأموات. لو فعلنا ذلك فإننا حقًا سنحسن الرؤية.
ولنا في ذلك تحريض سباعي.
أولاً: قيامة المسيح نقلتنا من عالم شرير، أتت نهايته في الصليب (غلا6: 14)، إلى دائرة مجيدة، يملأها المسيح المقام بمجده. يقول الرسول بولس: «إن كنتم قد متم مع المسيح.. فلماذا كأنكم عائشون في العالم؟». ثم يقول: «إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض» (كو2: 20؛ 3: 1، 2). لعلنا في العام الماضي انشغلنا أكثر مما ينبغي بأخبار هذا العالم وتقلباته. لعلنا تطلعنا إلى مستقبل أفضل وخابت آمالنا. إن الرب في مطلع هذا العام يذكرنا أننا متنا عن هذا العالم، وأن مجال اهتمامنا ومشغوليتنا ينبغي أن يكون ما فوق لا ما على الأرض.
ثانيًا: قيامة المسيح تجلب للمؤمن السلام. فالمؤمن لا يستمد سلامه من استقرار الأحول، وقوة النظام، بل من المسيح المقام. لقد كانت أولى نتائج خطية آدم هي الخوف، فهرب آدم من وجه الرب الإله، عندما سمع صوته في الجنة؛ وأما آدم الأخير، المسيح المقام من الأموات، فقد جلب السلام لتلاميذه، فكانت أولى كلماته لهم بعد القيامة هي “سلام لكم” (يو20: 19، 21، 26). وما أعظم سلامنا! نحن لنا “سلام مع الله”، كما أن لنا “سلام الله” نفسه (رو5: 1؛ في4: 7). السلام مع الله نواجه به الأبدية، وسلام الله نسير به طوال رحلة البرية.
ثالثًا: قيامة المسيح تذكرنا بقوة الله الكلي القدرة. الرب في العهد القديم عندما كان يريد أن يطمئن شعبه، ويذكرهم بقوته التي لا يقف أمامها شيء، كان يشير إلى حادثة عبور الشعب في البحر الأحمر؛ ولكن في العهد الجديد فإن قيامة المسيح هي التي تعبِّر عن قوة الله العظيمة (انظر أف1: 19، 20؛ في3: 10). تذكر يا أخي أن المسيح المقام دُفع إليه “كل سلطان في السماء وعلى الأرض” (مت28: 18). وهو الذي له “مفاتيح الموت والهاوية” (رؤ1: 17، 18)، فلا مجال للاضطراب ولا للقلق.
رابعًا: قيامة المسيح هي طريقنا لكي نثمر لله، كقول الرسول: «إِذاً يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضاً قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ لِكَيْ تَصِيرُوا لِآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِنُثْمِرَ لِلَّهِ» (رو7: 4). إن الآب ينتظر منا أن نأتي بثمر، أي أن تظهر فينا حياة المسيح نفسه، بهذا يكون لحياتنا قيمة ومعنى، وبهذا يتمجد الآب (يو15: 8). فليتنا نحرص على ذلك. ولا سبيل لنا لكي نثمر لله سوى ثباتنا في المسيح المقام من الأموات.
خــامسًا: قـــيامة المســيح تذكرنا بالنهاية المجيدة بعد طريق شاقة. والرسول بولس بعد أن حرض ابنه تيموثاوس ليشترك في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح، وبعد أن ذَكَّره بأن المجاهد يضبط نفسه في كل شيء، وبأن الحراث يتعب أولاً لكي يشترك في الأثمار، فإنه قال له: «اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود حسب إنجيلي» (2تي2: 8). فالمسيح نفسه مع أنه ولد ليملك، لكنه في مجيئه الأول لم يظفر بعرشه كابن داود، بل كانت طريقه هي طريق الألم والرفض، وانتهت بالصلب واللحد، لكن في مجيئه الثاني سيجلس حتمًا على عرش داود. وقبله يوسف بدأ رحلة المجد من محطة الألم، وكذلك فعل داود. ونحن أيضًا لا بد أن نكابد آلامًا هنا، ولكن المجد ينتظرنا، وإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا (رو8: 18).
سادسًا: قيامة المسيح مرتبطة بخدمة المسيح الكهنوتية. فالمسيح لم يتسلم خدمته الكهنوتية إلا بعد الموت والقيامة (عب7: 16؛ 8: 4). والرمز لذلك نجده في عصا هارون التي أفرخت (عدد 17). وكم نحتاج إلى خدمة المسيح الكهنوتية نظرًا لضعفنا الشديد، وصعوبة البرية، وشراسة العدو. وكم يهدأ المؤمن ويطمئن عندما يتذكر أن لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله (عب4: 14)؛ «من ثم يقدر أن يخلص إلى التمام جميع الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم» (عب7: 25).
سابعًا: قيامة المسيح تذكرنا بالدينونة القادمة على هذا العالم. قال الرسول بولس لحكماء أثينا: «الله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا، متغاضيًا عن أزمنة الجهل، لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه، مقدمًا للجميع إيمانًا (برهانًا) إذ أقامه من الأموات» (أع17: 30، 31). وإرميا بعد رؤية قضيب اللوز رأى القدر المنفوخة التي من الشمال، صورة للدينونة الرهيبة التي كانت موشكة أن تقع على أورشليم. وهكذا فإننا الآن نقف بين هاتين الرؤيتين: قضيب اللوز والقدر المنفوخة. أو بالحري نقف بين مجيء المسيح الأول، حيث عالج مشكلة الخطية بموته وقيامته؛ ثم مجيئه الثاني ليدين كل من احتقر عمله فوق الصليب. ولهذا فإني أنتهز الفرصة فأناشد كل من يقرأ هذا المقال أن يُسرع للتصالح مع الله إن لم يكن قد فعل ذلك قبلاً، فإننا بلا شك نعيش في اللحظات الختامية التي تسبق مجيء الرب الثاني.
ليتنا – القارئ والكاتب معًا - نحسن الرؤية في هذا العام أفضل مما فعلنا في العام الماضي، وأن يكون أمام عيوننا باستمرار قضيب اللوز، وأن نذكر دائمًا يسوع المسيح المقام من الأموات.